الصريح الثقافي

معرض للفنان التشكيلي محمد بكار بعنوان ‘المدينة و الحروفية’

كتب: شمس الدين العوني

تتجول بين اللوحات فيأخذك سحر تشكيليتها حيث الفضاء المبهج في القماشة أو الخشب مجال تلوين أخاذ شخصياته الحروف وهي تفصح عن حالاتها من التجلي فكأننا في كون من موسيقى تهز الروح لترقص الحروف معلنة أبهى حالات الوجد و الأخذ و الذوبان تماما كأحوال الدراويش في ذروة الانجذاب..

هكذا هي عوالم الأعمال الفنية التي تخيرها الفنان التشكيلي محمد بكار في معرضه الفني برواق الفنون علي القرماسي (18 لوحة فنية) ضمن عنوان لافت هو” المدينة و الحروفية ”

جماليات المخطوطات

حيث شكل من خلال الأعمال الفنية المعروضة وفق جماليات المخطوطات حيزا من رؤية تشكيلية عمل عليها طيلة عقود وفق اختيارات فنية عايشها تقول بالجمال المبثوث في فضاءات العمل الفني الذي يقدم فيه الحرف أشكاله الشتى في تناسق مع الألوان ليفضي كل ذلك الى مسحة من عبق التراث و المعنى منه بالخصوص ما هو مخطوط و محيل على القديم و لكن بروح مجددة و تنزع فيها هذه الاشتغالات الفنية نحو الجديد المتأنق في سياقاته الثقافية و الحضارية و هنا تكمن خصوصية هذا المعرض الذي جاء بعد فترا غياب للفنان محمد بكار عن المشهد الفني و لكن بكثير من تواصله مع البحث و الاصرار الفني على التجدد والابتكار …

موروث مخصوص

حالات شتى من جمالية موزعة بين اللوحات و هي تنشد كنهها و جواهرها التي تنبع من موروث مخصوص و به تعبيرية جامحة و لا ترضى بغير القول بالفن يبتكر بهاءه في عوالم الحروفية و تلويناتها الباذخة تقصدا لمكامن الجمال في ثقافة أصيلة في الفضاء العربي الإسلامي قديما و حديثا و هنا أيضا تبرز قدرات محمد بكار الفنية و الحسية و الذوقية في التوغل في هذه المسارات من التشكيل لتقديم فسيفساء فنية في تعدد اللوحات و لكنها تشترك في الجمال و السحر و حالات من شاعرية بينة فكأن اللوحات قصائد و كأن الفنان حامل رسائلها..و بين القصيدة و رسائلها و معانيها يندهش زائر المعرض لروعة هذه المزاوجة و المواءمة بين سحر مدينة ضاجة بالمعتق و البهي و الراقي المتوغل في القدم و الحضارة و بين عوالم من فتنة الحروف و هي تمارس دهشتها و رقصها وشجنها اليانع في ما يقابل كل ذلك من هوان و تداعيات و سقوط للأمكنة و المدن و الشموخ العربي حيث ظلت البلاد العربي و المدينة العتيقة عموما في الوطن العربي مجالات حسرة و لوعة و بكائيات على مجد مهدد بالضياع ..و لعل الفنان محمد بكار بهذا المعرض الجميل و الأنيق في مضامينه أراد مشاركة هذه المدن و أهاليها شجنهم عبر شخصيات مختلفة هي الحروف و كأننا على ركح فيه التشكيل بمثابة الدرامة و أمام جمهور مسائل و حائر و باحث عن الأصداء و الرغبات في الانعتاق و الصعود مثلما تتشكل الحروف في تصاعديات مختلفة ووفق معمار مميز في هيئاته و جمالياته…
أعمال فنية رائقة بتقنية الأكريليك على القماشة و على الخشب في معرض بحسب الفنان محمد بكار ضمن الهوية و العقد الاجتماعي في القديم و الجديد و هو مسار لانجازات تشكيلية قادمة بين النحتي و الخزفي و فيها التوظيف للتعبيرية عبر الحروفية خروجا عن الانشداد و النقل و بمثابة الاقلاع من منزلة الى منزلة أخرى عند الفنان.

أسلوب فنان

هذا هو المعرض و هذا هو أسلوب الفنان محمد بكار الذي يسعى لاقامة معارض أخرى وفق عودته للعرض و بروح فيها الكثير من الرسائل و التعبير والإفصاح عن أحلام قديمة و متجددة…و بخصوص هذه التجربة و المعرض برواق القرماسي يقول “… تتعلق الحروفية مباشرة بالوجهة الثقافية والاجتماعية في إطار العوامل النفسية للفنان فتوظف تشكيليا لغايات جمالية و تعبيرية نقدية وهما موقفان الأول داخلي تتحد فيه الحروف بوجدان الخطاط في منهاج قدسي والثاني خارجي يكون فيه الحرف مفردة تشكيلية خارج إطار القياس بمعنى من معاني التعبير الذاتي وحسب الموقفين تبقى الحروفية في سياق تركيبها خاضعة لانساق ايقاعية تحمل ما بها من خاصية وجدانية.

طراز المدينة العتيقة

وإن كانت هذه الأعمال في هذا المعرض رغم ما جاء فيها من علامات ورموز وإحالات فهي تنبع من طراز المدينة العتيقة كترجمة عن نمط قديم يمثل علامة بصرية ثابتة الى مصدر الهام تختلف فيه النظريات حسب اختلاف الطرح .. يقودنا المنجز التشكيلي المعروض الى اختراق الطاهر المحسوس إذ لست هنا ناقلا لهندسة الأمكنة ولا لما تحمله التوليفات الاشهارية ولا الى الكيفيات التي عرضت بها السلع سواء داخل الدكاكين أو خارجها
فالمشهد “المكان” مرتبط “بالزمان” وهما سياقان داخل تعاقب الأجيال أي صيرورة تاريخية يستمد منها العقل موقفه للتعبير انطلاقا مباشرا مما يستنتجه.. ان الانشداد الدائم إلى زيارة المدينة العتيقة يبعث في النفس الطمأنينة والراحة باعتبار تلك الأماكن تجليا مباشرا للجمال المطلق رغم ما في المدينة من إهمال وفوضى ورغم ذلك فإنها تحمل مغناطيسا يثير المشاعر ويوقظ الوجدان.
هذا التعلق الغامض طبع لوحاتي بمشاعر التعاطف فانعكست الألوان بالضرورة على التكوينات الحروفية فاتسمت العلاقة بطراز قوامه صيرورة المدينة في علاقتها بجانب الإبداع الفكري الحديث. وما تلك الانفعالات الظاهرة في المنجزات التشكيلية سوى انطباعات ذاتية تفتح للمشاهدين آفاق التجديد والشرح والتأويل وما جاء من تعبير تشكيلي تتألف منه لوحاتي التي تمثل نصا أدبيا/تشكيليا يتمازج فيه الموشح بالأغاني التقليدية والموروث الحكائي بالعادات والتقاليد والطقوس والطراز المعماري/العمراني بالمحيط العام…”.
معرض و تجربة و مجالات متعددة ضمن المسار الفني التشكيلي لمحمد بكار قولا بالفن في راهنه الثقافي و الحضاري و الوجداني الأصيل و المتجدد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى