صالون الصريح

محمد الناصر يروي/ هكذا عشت ثورة 14 جانفي 2011: سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (4 / 4)

slama
إعداد: نوفل سلامة

مع هذه الحلقة الرابعة والأخيرة من مذكرات الرئيس الأسبق محمد الناصر حول تداعيات الثورة التونسية نكون قد أنهينا الحديث حول الشهادة المهمة التي خصصناها لما عايشه رجل ساقه القدر إلى أن يصبح يوما ما رئيسا بعد أن قرر اعتزال السياسة وركن إلى الراحة..

ونقف في هذه الحلقة الأخيرة مع أحداث أخرى مهمة مثلت هي الأخرى منعرجا حاسما مهد لانعطافة 25 جويلية 2021.

الخميس الأسود

التفاهم التام بين النهضة والشاهد و’الخميس الأسود’ في يوم 27 جوان 2019:
تنتقل المذكرات إلى صائفة سنة 2019 عندما ألمت بالرئيس الباجي قائد السبسي فجأة وعكة صحية حادة تطلب معها نقله على جناح السرعة إلى المستشفى العسكري بتونس، وشاءت الصدف أن يكون رئيس مجلس النواب هو الآخر متغيبا منذ أيام بسبب وعكة صحية استوجبت ذهابه لإتمام العلاج بمحطة جبل الوسط، وتزامن نقل الباجي إلى المستشفى يومها حصول عملية إرهابية على الساعة الحادية عشر صباحا بقلب العاصمة ‘عملية نهج شارل ديغول’ يقول محمد الناصر: في تلك الأثناء تلقيت مكالمتين الأولى من رئيس ديوان مجلس النواب يقول فيها أنه وبعد الوعكة الصحية لرئيس الدولة ونقله إلى المستشفى العسكري عايّن تحركا غير عادي في المجلس وشاهد أعضاء من مكتب المجلس يجوبون رواقه ذهابا وإيابا…

اجتماع استثنائي

ثم تلقيت مكالمة ثانية ‘(الثانية في الترتيب الزمني) من وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي يقول فيها بأن الوضع يتطلب مني أن أكون على عين المكان، ثم مكالمة ثالثة من نائبه عبد الفتاح مورو يقول فيها بأن نوابا من أعضاء المكتب يريدون منه ترأس اجتماعا استثنائيا لمكتب المجلس، فرد عليه محمد الناصر بالقول: لا تتصرف ولا تفعل شيئا حتى آتي وإني في الطريق إلى المجلس، ولما وصلت لم أصدق ما شاهدته حيث وجدت النواب وبيدهم نسخة من الدستور وهم في حالة غير عادية، وما أن رأوني حتى أصابتهم البهتة وحصل لهم استغراب من مجيئي، وفهمت حينها أنهم يفكرون في حالة الشغور التي نص عليها الدستور وقدرت أن هناك سيناريو يطبخ وحصل التداول فيه..

ترأس محمد الناصر الجلسة الاستثنائية، وفي الاثناء اتصل به وزير الدفاع ليطمئنه على صحة الرئيس.. ما فهم بعد ذلك أن إرادة أغلب النواب من ترأس عبد الفتاح مورو الجلسة الاستثنائية قد تكون من أجل معاينة حالة الشغور على مستوى رئاسة الجمهورية والشغور على مستوى رئاسة البرلمان والسيناريو الذي راج حينها إشاعة وفاة الباجي لترتيب وضع جديد، لكن هذه الإشاعة تم تكذيبها من دون الكشف عمن كان وراءها…

وفاة الباجي قايد السبسي

بعد أن هدأت الأوضاع في البرلمان توجه محمد الناصر إلى المستشفى ليعود الرئيس لكنه لم يتمكن من رؤيته والتقى فقط بابنه حافظ، وبعد شهر من العلاج غادر رئيس الدولة الباجي قائد السبسي المستشفى لكن سرعان ما تعكرت صحته ليتوفى يوم 25 جويلية يوم عيد الجمهورية، وهي المحطة التي أوصلت محمد الناصر إلى قصر قرطاج كما ينص على ذلك دستور البلاد.. لكن الإشكال الدستوري كان أن الإعلان عن حالة الشغور الدائم كان من المفروض أن تتولاها المحكمة الدستورية غير الموجودة بعد تثبيت حالة الوفاة والاعلان عنها بعد معاينة وعلى إثر ذلك تعلن عن تولى رئيس مجلس النواب رئاسة الدولة بصفة مؤقتة…
وأمام هذا الاشكال وجد محمد الناصر الحل في الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين المتكونة من رئيس المحكمة الإدارية ورئيس محكمة المحاسبات ورئيس محكمة التعقيب مع أعضاء آخرين…
يقول محمد الناصر: وبعد تململ من الهيئة الوقتية التي دفعت بعدم الاختصاص وافقت على معاينة حالة الوفاة بناء على شهادة وفاة مسلمة من المستشفى العسكري وأقرت حالة الشغور الدائم، وهكذا أصبح محمد الناصر رئيسا للجمهورية بالنيابة لمدة تسعين يوما إلى حين إجراء انتخابات سابقة لأوانها وحسمت المسألة بكل سرعة بعد أداء اليمين الدستورية في مكتب المجلس وليس بالجلسة العامة للبرلمان لتواجد أغلب النواب خارج العاصمة خوفا من عدم اكتمال النصاب القانوني للنواب…

مشاكل طارئة

ينهي محمد الناصر هذه المذكرات بالقول: بعد الانتهاء من مراسم دفن الباجي قائد السبسي التي واكبها العالم وكانت مراسم تليق برئيس دولة حضرها العديد من الشخصيات الأجنبية، بدأت تظهر بعض مشاكل الحكم كان أولها الملف الانتخابي الملح للحفاظ على منطوق الدستور و الرزنامة الانتخابية التي لم تكن في حسبانها تزامن الانتخابات التشريعية مع الرئاسية، حيث كان المتفق عليه في الدستور أن تسبق التشريعية الرئاسية ثم مشكلة رغبة بعض المسؤولين التقدم للانتخابات الرئاسية على غرار عبد الفتاح مورو و عبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد وهنا طرأت مشكلة تحييد الإدارة ومشكلة تأثير القبض على أحد المرشحين للرئاسة والاحتفاظ بـ نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس على العملية الانتخابية ومسار الانتخابات..

يقول محمد الناصر: لقد قمت باتصالات لدى كل الجهات المعنية لتمكين نبيل القروي من القيام بحملته الانتخابية عبر الاعلام، وهذا ما حصل وتمكن من إجراء مناظرة مع المرشح الأستاذ قيس سعيد في الدور الثاني الذي آلت إليه الرئاسة بعد انتخابات حرة نزيهة وشفافة وسلمت العهدة إليه ليصبح الرئيس السادس للجمهورية.

أهم الخلاصات من هذه الشهادة التاريخية:

يدعي محمد الناصر أنه جاء بمشروع اصلاح اجتماعي تجاهلته هيئة بن عاشور التي اعتنت بالجانب السياسي وغلبت البناء والإصلاح السياسي؟
إذا كانت الترويكا قد فشلت في الحكم وإدارة المرحلة فإن نداء تونس حسب رأيه قد دمر البلاد وانصرف نحو تحقيق المكاسب الخاصة والمنافع الذاتية لأفراده.
يعتبر أن تونس فوتت شخوصها من الذين انخرطوا وتحدثوا باسم الثورة فرصة ثمينة من أجل اصلاح البلاد والتفكير جماعيا في التزامات سياسية حزبية تجاه الوطن فتونس بلد الفرص الضائعة…
اقترح برنامجا لمحاربة الفقر لكن مع كل أسف فإن هيئة عياض بن عاشور لم تكترث له واقترح مؤتمرا وطنيا للقوى السياسية تتصالح فيه تونس مع ذاتها ويكون فرصة للتفكير في الشأن العام مع خطة مستقبلية للبلاد تحتوي على مطالب الثورة واستحقاقاتها والخروج بحلول للتنمية والتعليم فتونس تحتاج إلى مشروع جماعي من حيث التفكير والصياغة، لكن المشكل أن من تسلم السلطة سنة 2011 نظر للثورة كغنيمة و تشريف لا تكليف…

مُعجب بأحمد بن صالح

كان معجبا بشخصية أحمد بن صالح وتأثر بطريقته العملية في العمل وافكاره حول التخطيط الاقتصادي، وقد كان وزيرا له مشروع…وعلى خلاف فؤاد المبزع وأحمد بن صالح فإن علاقة محمد الناصر بـ الحبيب عاشور لم تكن هادئة وإنما شابها الكثير من الخلافات في حين كانت تجمعه بـ النقابيين علاقة حب وتفاهم.
في هذا الحوار يذكر أنه استقال من حكومة نويرة سنة 1977 عندما اندلع الخلاف بين الحكومة والاتحاد وكان رأي محمد الناصر هو محاورة الاتحاد ونزع فتيل الأزمة التي تحولت إلى زلزال أدى الى أحداث 26 جانفي 1978 وظهر من خلال هذا الموقف معارضا لنهج الحكومة بقيادة الهادي نويرة في التعامل مع الشريك الاجتماعي.
يذكر أن الخلاف بين الحبيب عاشور والهادي نويرة بعد فترة الود الذي أنتجها مؤتمر المنستير الذي ساند فيه الاتحاد الحكومة وأصبح بفضله نويرة أمينا عاما للحزب ورئيسا للحكومة بدأ في الظاهر خلافا شخصيا، ولكن في الأصل كان صراعا على السلطة وعلى التموقع والقيادة.

ماذا تغيّر؟

ماذا تغير بين الأمس واليوم؟ ماذا تغير بين فترة الاستقلال وبناء الدولة الحديثة وفترة الثورة والتأسيس الجديد؟ شهادة تدين كل الفاعلين السياسيين وتنزع عنهم صفة الوطنية والعمل من أجل الصالح العام ومن أجل الشعب وشهادة توزع المسؤولية والفشل بين الجميع معارضة وسلطة أحزاب وجمعيات مجتمع مدني مثقفين ومفكرين…
تحدث عن الكثير من الأسباب التي أعاقت تحقيق أهداف الثورة مما يقلل عبء المسؤولية عم من جاء بعد الثورة وتسلم مقاليدها ونسّب الحكم الذى أدان كل من جاء بعد الثورة بفقدان الأهلية للحكم.
نقطة ضعف هذه الشهادة أن صاحبها قد غفل عن عديد المحطات السياسية الهامة وتجاوز الغوص والتدقيق في قضايا كان من المفروض أن يقدم مزيد التوضيح حولها.

طالع أيضا/ الجزء الأول: محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011/ سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (1/ 4)

طالع أيضا/ الجزء الثاني: محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011 / سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (2 / 4)

طالع أيضا/ الجزء الثالث: محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011 / سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (3 / 4)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى