كتب: محمد الحبيب السلامي
أبدأ الحديث بما يروى في تاريخ الإسلام حول مراقبة الأسواق روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في السوق على صبرةً طعام فأدخل يده فيها فنالت بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام؟
فقال أصابته السماء قال أفلا جعلته فوق الطعام؟ من غش فليس مني روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم عين (سمراء بنت نهيك الأسدية) مراقبة للأسواق…وبقيت على ذلك في عهد عمر بن الخطاب يروى أن الخليفة عمر بن الخطاب وهو كعادته يتفقد الرعية سمع في بيت امرأة تقول لابنتها أخلطي اللبن بالماء فقالت لها ابنتها أما سمعت أن عمر نهى عن خلط اللبن بالماء؟
قالت الأم إن عمر لايرانا فقالت إذا كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا أعجب عمر بجواب البنت وصفاء عقيدتها فخطبها زوجة لابنه عبد الله…
يروى أن الدولة العباسية أول من وضعت نظام مراقبة الأسواق وعيّنت للسوق موظفا يسمى (صاحب الحسبة) وهو الذي يضبط المخالفة ويسلط بنفسه العقاب على المخالف، يروى أن صاحب الحسبة كان يركب بغلا ومعه (فلقة) وخلفه عون فإذا عثر على مخالف في سوق أخذه العون ووضع رجليه في (الفلقة) وتولى صاحب الحسبة جلده، يروى أن صاحب الحسبة عثر على خباز يغش في الخبز فأمر عونه بأخذه وإلقائه في الفرن استنكر الناس هذا العقاب ولما وصل خبره إلى الباي دعاه فأقبل ويده ترفع أصبعا واحدا سأله الباي ماذا تريد أن تقول؟
قال صاحب الحسبة يا مولاي بهذا العقاب عاقبت واحدا فانتهى به الغش في الخبز ويروى أن صاحب الحسبة إذا عثر على خباز يغش أخذ كل خبزه وثقب كل خبزة بمسمار وعرضها للبيع في السوق بثمن أقل وعليها علامة تقول خبز مغشوش..
أمين الأسواق بصفاقس
وبعد هذه الروايات والمرويات نتوقف مع أمين الأسواق في صفاقس فنقول هو أحمد بن حمودة القراطي ولدته أمه خديجة بودية في العاشر من أكتوبر 1909 لما بلغ سن الدراسة دخل المدرسة وفيها تعلم اللغتين، ومنها انضم إلى التعليم الزيتوني وفيه تعلم علوما منها أحكام المعاملات وفقه الأسواق وفي فقه الأسواق تألفت كتب يتحدث فيها مؤلفوها عن كل حرفة وعن طرق الغش في كل حرفة، وعن طرق كشف الغش في كل حفرة…
كشف طرق الغش
صاحبنا أمين الأسواق أحمد القراطي وجد الغش في دقيق الفلفل يخلط بدقيق الفارينة والعسل بالسكر والملوخية بالحناء، وهكذا صاحبنا أمين الأسواق أحمد القراطي تمكن من ضبط الطرق التي يتوصل منها إلى كشف الغش فكشف وعاقب ونشر بين معارفه وأحبابه بعض القواعد..
فطنة وخبرة
صاحبنا كان أمين الأسواق في بيع الجملة وكان يهاب لفطنته وخبرته وطوله تزوج السيدة الفاضلة خديجة معلى وأنجب منها رضا ونوال وعدنان ولطيفة وبلحسن وحمودة وأمال وشجع أولاده على طلب العلم فنجحوا ودخلوا ميدان العمل وكان رضا من هواة الكتابة لإذاعة صفاقس، وكانت نوال مدرّسة بالتعليم الثانوي صاحبنا أحمد القراطي لما جاء أجله في شهر جانفي سنة ًً1989 ودع الدنيا وودعته أسرته وأهله وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر…
فبماذا يذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟
