محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاشت في صفاقس ثم ودعت: جميلة الزغل

كتب: محمد الحبيب السلامي
هذه المرأة العلم لها في حياتها قصة، فيها درس وعبرة…هذه جميلة ولدت في 8 ماي 1908، هذه جميلة الجميلة لم تولد في تونس ولا في صفاقس…هذه ولدت في (نفرس بفرنسا)…هذه سماها أبوها (فيولات ابرتان)…وكبرت في بيت أبويها، ودخلت المدارس الفرنسية لتتعلم وتتثقف..ودخلت مدرسة الصحة بفرنسا لتتخرج منها ممرضة…
من فرنسا إلى تونس
ففي أي مكان، في أي مستشفى ستلبس بدلتها البيضاء لتؤدي رسالة التمريض الإنسانية؟…هذه الفتاة الممرضة الفرنسية وجدت نفسها تسافر من فرنسا لتحط رحالها في تونس…وفي تونس وجدت باب مستشفى عزيزة عثمانة مفتوحا في وجهها…
بدأت الحكاية…
في مستشفى عزيزة عثمانة يبدأ فصل جديد يكتب في قصة حياتها…في مستشفى عزيزة عثمانة تلتقي بصاحبي وصاحبكم …بـ الممرض الطيب الزغل الذي كان بالأمس ضيفنا وجوهر حديثنا…
في هذه المستشفى التقت (فيولات) بالطيب الزغل، تعارفا..وتحركت العواطف فتحابا..فكر الزوج في التزوج بها…هي مسيحية…كتابية، وهو مسلم، والإسلام بنص القرآن يبيح للمسلم أن يتزوج المسيحية…لكن …لكن …لكن
(فيولات الفرنسية المسيحية ) سبقت، تقدمت لقاضي قضاة المسلمين الشيخ الطيب السيالة، وبين يديه نطقت بالشهادتين وأسلمت…أسلمت قبل أن تتزوج…أسلمت باختيارها ورضاها واعتقادها…
اختارت اسم جميلة
اختارت أن يكون اسمها (جميلة) وانعقد عقد الزواج بين جميلة والطيب الزغل على بركة الله، وبذلك صارت في كل مكان تدعى (مدام زغل)..وفي صفاقس استقرت هذه الأسرة الجديدة…الزوج ممرض والزوجة ممرضةً…
جميلة تُدعى للعمل في مساعدة طبيب مرض العيون…وفي أواخر الثلاثينات من القرن العشرين رأيتها في (المدرسة القرآنية الأدبية المعروفة بمكتب السلامي)…رأيتها ممرضة مساعدة لطبيب العيون (علي الإسكندراني) وهو يفحص عيون تلاميذ المدرسة، والممرضة جميلة تسجل أسماء المرضى ليخضعوا للدواء…
وهي تعود لمداواتهم…وتلاطف التلميذ الذي يرفض الدواء أو يتوجع…وهي في الطب المدرسي واصلت القيام بدورها ورسالتها…
وإذ كنت رأيتها وأنا تلميذ شاهدتها في المدرسة الابتدائية (أبي القاسم الشابي ) وأنا معلم سنة 1962 صديقة طيبة للمديرة عائشة بالي وهي تراقب التلميذات ،في حملات مقاومة الأمراض المعديةً التي يشرف عليها زوجها الطيب الزغل، ولما تأسس ديوان التنظيم العائلي بصفاقس كان لها دور في توجيه النساء المتزوجات، حتى يتحقق الهدف من التنظيم العائلي عن فهم واقتناع…
ساهمت في الحركة الوطنية
جميلة أسلمت، ومصحف القرآن باللغة الفرنسية في بيتها، وجميلة في سنة 1956 تتحصل على الجنسية التونسية، وبروح وطنية تونسية ساهمت في الحركة الوطنية، وتقديم خدمات اجتماعية فقد أدت دورها في مشروع الملبس القومي، واستطاعت أن تربط صلات بالنساء المناضلات في صفاقس المرأة وصفاقس السياسة ولذلك دعيت لحضور الجلسة الافتتاحية في مؤتمر حزب بورقيبة المنعقد في الحي الزيتوني سنة 1955
أسرة الزغل
هذه المرأة، هذه جميلة أنجبت في سنوات زواجها بالطيب الزغل ولدين، هما الهادي الذي شرّف وطنه بنجاحه في التعلم والتعليم، وفي المسؤوليات العليا التي كُلف بها في الدولة، وفي الحياة الصناعية، وأنجبت جميلة ابنها (فريد)،الذي شرف بكفاءته العلمية التي أهلته ليكون مسؤولا تجاريا في مؤسسة ‘طوطال’…
ودعا الدنيا
تنتهى قصة حياة زوجية بين الطيب وجميلة بعد عمر دام عشرات السنين تنتهي بما تنتهي حياة كل إنسان، فيسبق الموت للطيب، وفي واحد من ديسمبر 1984، يودع الدنيا وتودعه زوجته، وولداه وأحفاده وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر، وفي 14 من شهر أكتوبر من سنةً 1989 تلتحق به زوجته، فتودع الدنيا وتودعها أسرتها وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر وتدفن في مقبرة من مقابر المسلمين بجانب زوجها…
فماذا يقول عنهما الأصدقاء وماذا يضيفون لنزداد معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟