صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الحاج محمد اللوز

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

صاحبنا هو الحلاق، والحلاق من يحلق شعر الرأس…وشعر الرأس كما سترون في الصور له صور وأشكال تتغير عبر تغيّر الحياة الاجتماعية…فقد كان الزبون قديما يجلس على بنك مشدود للجدار، والحلاق يضع له ماعونا من نحاس على صدره، ويغسل له شعره بالماء ثم يطليه بالصابون…ثم يكشط بالموسى الخاصة كل شعر الرأس، وتنتهي بذلك الحلاقة…

صاحبنا الحاج محمد اللوز تطور وطوّر دكان الحلاق والحلاقة كان دكانه في شارع صغير يربط بين نهج الباي من جهة الشرق، وبين سوق الربع الواسع من جهة الغرب، صار صاحبنا يحلق شعر الرأس بالمقص والمشط بماكينة خاصة، ويُبقي شعر الرأس لا يزيد طوله عن صنتيم واحد…

تطورت الحلاقة

ثم تطورت الحلاقة، في الثلاثينات من القرن وظهرت ‘القصة’ ذات الشعر الطويل…وكان صاحبنا الحاج محمد اللوز فيها متفننا، لكن امتد الخلاف والحلال والحرام لهذه القصةً، وكُتبت فيها مقالات…ممن كتبوا، الشيخ محمد المهيري الصغير في مجلة مكارم الأخلاق…
كتب مقالا عنوانه (من القصة يظهر حكم القصة ـ فقد قص من سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قصة شعره، وأثبت أن الرسول كان يطيل شعر رأسه، وأنه لم يحلقه كله إلا مرة واحدة…ومن هنا انطلق الحلاقون يحلقون الشعر في شكل ‘قصة’…

مهام متعددة

وصاحبنا الحاج محمد اللوز كثُر زبائنه، وصار دكانه يمتلئ بهم وهم ينتظرون دورهم، وخاصة قبل العيد، وقد يبقى الواحد يوما وهو ينتظر…لذلك اضطر صاحبنا ليعطي الزبون رقما، وبه يخرج لقضاء حاجاته ولا يعود للحلاق إلا بعد وقت…كما اضطر صاحبنا في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي إلى مواصلة الحلاقة في دكانه بالليل والنهار مع معينه أحمد بوصرصار …

صاحبنا الحاج محمد اللوز كان (حجاما)، والحجام هو الذي يستخرج دم الزبون من جبينه بشلطه، أو يستخرج دم الزبون من رقبته بـ )مغيثة حديدية) تشبه الكأس…
صاحبنا الحاج محمد اللوز طبيب، فهو يقلع ضرس المريض، والمريض واقف على عتبة الدكان…وهو يعد بنفسه دواء يطلي به رأس المريض بـ (بوصفير)…
وهو يداوي الجروح، ويفقأ الدمل بمشرط ويداويه…صاحبنا ‘طهار’ …والطهار هو الذي يقطع جلدة ذكر الطفل..وهو الذي يداويه بعد الختان…

طهروه الملائكة!

ومما يذكر أن صاحبنا الحاج محمد دُعي لختان طفل، فذهب وأدى دوره، وقيل له…إن أخاه (طهروه الملائكة) وقد كان الناس إذا وجدوا حشفة ذكر الطفل قد زال الغشاء الذي يغطيها دون طهار اعتقدوا أن الجن أو الملائكة (طهروه) فيكتمون أمره…
صاحبنا كشف على الطفل وقال لهم: هذا، كانت جلدته التي تغطي ذكره رقيقة فانكمشت وظننتم أن الملائكة ختنوه…وهذا غير صحيح…فهي باقية، وإذا أذنتم قمت الآن بختانه…تشاوروا ووافقوا وتم ختانه في الفراش إلى جانب أخيه بالزغاريد…

أبناء الحاج محمد

صاحبنا الحاج محمد اللوز، كان يتولى لمن يرغب: حلق شعر العروس في بيته ليلة الدخلة، ويطلي جسمه بالكولونيا، ويكسوه كسوة العرس…وكان يدعى لعقد الصداق في الجامع مع القهواجي، وكل من شرب كأس شراب اللوز من يد القهواجي يرشه صاحبنا بماء الياسمين، ذلك ما قام به صاحبنا وما يذكره التاريخ للحلاق الحاج محمد اللوز الذي حج في الثلاثينات على الباخرةً…وذاك الذي به اشتهر في صفاقس…أنجب ابنين هما، محمد الذي تعلم وتحصل على شهادات جامع الزيتونة ومدرسة الحقوق فكان قاضيا أما ابنه علي فقد طوى بعض المراحل في طلب العلم ثم دخل التجارة في دكان والده بعد وفاته…وترك الحاج، بنتا تزوجت المنصف اللوز….

مفاجأة

وفي حياة صاحبنا حدثت مفاجأة، فقد زاره يوما في دكانه شاب مدرس زيتوني وسأله…هل لك أخت من أبيك تعيش في تونس؟ قال لا قال: هل تذكر أن والدك قضى سنوات في العاصمة؟ قال: أتذكر ذلك…
قال الشاب: في تلك المدة تزوج والدك وأنجب بنتا هي أختك، وهي الآن جدتي،
ويسعدها أن تزورها…وسافر إليها صاحبنا، وتأكد بالدليل والبينة أنها أخته وتواصل التواصل

ودع الدنيا

لما جاء أجل الحاج محمد اللوز الذي كنت منذ صغري من زبائنه وحلاقة الطفل بفرنكين…ودعه أهله وأحبابه وودعته صفاقس بالرحمة وحسن الذكر…
فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما، وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى