محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم: علم عاش في صفاقس ثم ودع البشير بن حليمة

كتب: محمد الحبيب السلامي
في فصل الخريف يبدأ في صفاقس موسم جني الزيتون، صفاقس بها ثمانية ملايين من أشجار الزيتون صفاقس 83 في المائة من أراضيها تحتلها أشجار الزيتون…
أشجار الزيتون يملكها الرجال وتملكها النساء، وفي موسم جني ثمارها إما أن يتولى المالك (حين يكون فلاحا) بجني ثمارها أو أن يبيع إنتاجها في رؤوس أشجارها لمن يسمون (خضارة)…
عائلات جني الزيتون
وفي صفاقس اشتهرت عائلات بتولي جني الزيتون بأجر على ذمة مالكيها، ومن هذه العائلات عائلة قطاطة وعائلة ناجي وعائلة غربال وعائلة بن حليمة فهي بما يتوفر لديها من الخيام والخبرة في الجني، وما يتوفر لديها من قدرة على جمع العمال ووسائل نقل الزيتون من (الحوارة) إلى سوق الزيتون أو المعصرة تتحمل مسؤولية جني الزيتون للغير…
عائلة بن حليمة
عائلة بنحلبمة كان كبارها وشبابها يتولون جني الزيتون للغير، ومن هذه العائلة عرفت صفاقس (البشير بنحلبمة) القاطن بطريق العين، كان البشير فلاحا عارفا بقواعد الفلاحة وعارفا بأسرار الزيتونة..
كان يقضي فصل الخريف وفصل الشتاء ببرده ورياحه وأمطاره تحت خيمة مع البعض من أهله يطبخ طعامه ويتمتع بنومه ويقضي نهاره مع العمال من النساء والرجال من الفجر إلى ما بعد العصر وهم تحت وفوق وحول أشجار الزيتون يجمعون ثمارها بطريقة خاصة وآلة خاصة تُصنع من قرون الغنم تسمى (صوانع) وكلما توفرت حمولة (كريطة) وضعوها في صندوقها…
وذهب بها عامل وهو راكب فوقها تحت الريح والبرد والمطر حتى إذا قطع الطريق بطوله ووصل إلى سوق الزيتون أو إلى المعصرة أفرغ الحمولة بعد كيلها وعاد…
أمين على ملك غيره
كان البشير بن حليمة وأمثاله أمينا على ملك غيره منتقلا من (حوارة إلى حوارة) حتى إذا أدّى المسؤولية التي تحمّلها في جني الزيتون قام مع معاونيه بزبر كل شجرة فتتجمع أكداس الحطب التي يجمعها بعرباته ويحولها إلى جنان مالكها…
كان ذلك في عهد مضى شاهدته في صغري كان ذلك في عهد ‘الكريطة’ كان فيه جني الزيتون يتم من طرف عائلات صفاقسية، واليوم وقد تعلم أولاد تلك العائلات وتفوقوا في دراساتهم رفضوا الفلاحة والعناية بالزيتونة في رعايتها وجني ثمارها المباركة…
وصار مالك الزيتون يتعب في البحث عن عمال من ولايات أخرى يؤدون الدور الذي كان يؤديه البشير بن حلية وعزيز بن حليمة وأمثالهما..
خدمات أخرى
وأتذكر أن البشير بن حليمة كان في موسم الجفاف يضع فوق الكريطة (بتية خشبية) يملأها بالماء من حنفية البلدية ويصبها في ماجل بعض العائلات بأجر…
كما كان البشير يتولى خدمة الأجنة الخاصة فهو عند نزول المطر يحرثها ببغلته وعند موسم زبيرة الأشجار أو تقليم بعضها يؤدي كل خدمة بخبرة وبأجر، وأتذكر أن البشير بن حليمة في أواخر سنوات عمره اعتني بزرع بعض الخضر وزرع بعض الزهور في حديقة بيته ويبيع إنتاجها …
لما حان أجله ودع دنياه وودعه أهله وودعته صفاقس بالرحمة وحسن الذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم ؟