صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: هل من حلّ لاستفحال الجريمة وإيقاف تيار الفساد..؟

Amine Chebbi ce
كتب: الأمين الشابي

بطلب ملح من أحد القرّاء الكرام والذي قال لي حرفيا بل كتابيا ” كم أوّد أن أقرأ رأيك في تنامي ظاهرة الجريمة ” لذلك أقول لهذا القارئ الكريم و أنّه لا يمكنني إلاّ الاستجابة و تلبية هذا الشغف للاطّلاع على رأيي حول هذا الموضوع الشائك و المعقد…رغم أنّه يتطلب مهارة عالم الاجتماع و الطبيب النفسي و الأمني المحنّك لدراسة هذه الظاهرة التي حلّت كالمصيبة على مجتمعنا منذ هذا العقد الأخير بعد ” الثورة “. ..

استشراء العنف

و عليه أسأل بداية، لماذا أصبح الموت عبر الجريمة عملا عاديا لدى بعض “المنحرفين ” و لو من أجل نشل هاتف جوّال أم مبلغ بسيط من المال أو من أجل اشباع غريزة جنسية أو من أجل تصفيات حسابات سياسية أو حتى عائلية أحيانا؟.
ولا تكفينا الأدّلة للاستشهاد على ذلك، فيوميا نستيقظ على أخبار الجرائم، و كأنّ أخبار الجريمة أصبحت خبزنا اليومي؟ و هنا نسأل أيضا أتساءل لماذا استشرى في مجتمعنا كلّ هذا المنحى الإجرامي ؟ و أسأل هؤلاء (المنحرفين) أ لا يوجد على هذه الأرض ما لا يستحق الحياة…؟

و حتّى أجيب على هذا السيل من الأسئلة حول استفحال عقلية الهرولة نحو إزهاق حياة الآخرين، سوف لن أتطرق لجرائم الدول في حق الإنسانية – و التّي تعطي المثال السيء للشعوب – باسم التفوق العسكري والجشع الدولي و تحقيق المصالح و الخيانات الداخلية، كالذي حصل سنة 2003 لدولة العراق العظيمة على أساس كذبة سلاح الدمار الشامل، و ما لحق بنظامها و شعبها وحضارتها وتاريخها و تقدمها العلمي و الثقافي من دمار شامل ؟ و لن أتساءل عن الاستعمار لدولة فلسطين و تواصل هذا الاستعمار الاستيطاني لأكثر من 75 سنة، و نحن نتشدق بشعارات حقوق الإنسان و سهر المجتمع الدولي على العدل و الحق في الحياة فتلك ” حربوشة ” لم تعد تنطلي على عاقل؟
و لكن سنتولى بمعالجة ظاهرة الجريمة على مستواها الفردي و الجريمة المنظمة ببلادنا من حيث دوافعنا و أسبابها و لماذا استفحلت في هذا العقد الأخير بالذات و الحال و أن مجتمعنا التونسي يعيش ” ثورته ” وما تعنيه من تحقيق أفضل ممّا كان ؟

انتشار الجريمة، أسبابها و دوافعها و محاضنها:

الكلّ يرجع أسباب ظاهرة انتشار الجريمة في مجتمعنا إلى الفقر الذي استشرى خاصة في هذا العقد الأخير حيث أثّر على أغلب الشرائح الاجتماعية – باستثناء العدد القليل الذي زاد ثراءهم و هم معروفون و معروفة أسباب هذا الثراء المفاجئ و السريع في غياب ” من أين لك هذا ؟ ” ( و مصائب قوم عند قوم فوائد ) – و عليه يهرول البعض من المنحرفين
“الفقراء” إلى الاعتداء على غيرهم بدافع الفقر و الخصاصة و يرتكبون أبشع الجرائم أين و ذلك متى توفرت الأرضية السانحة لارتكابها.
والقائمة تطول لمثل هذه الجرائم التي تزهق فيها أرواحا بشرية بريئة من أجل أبخس الأشياء أحيانا لا تتجاوز ” سيجارة ” أو هاتف جوال أو مبلغا ماليا زهيدا؟ هنا أسأل هل فعلا دافع الفقر وراء ارتكاب مثل هذه الجرائم الوحشية؟ و أجيب في شكل سؤال على ذلك؟ لماذا لم ترتكب مثل هذه الجرائم في فترة الستينات و السبعينات و الحال و أنّ الفقر كان أكثر انتشارا و أكثر قساوة ؟
وبالتالي هناك أسبابا أخرى لذلك خاصة في هذه العشرية الأخيرة و لعلّ أهمّها في رأيي المتواضع ترجع إلى :

1/ عدد المنقطعين عن التعليم بمعدل حوالي 100 ألف سنويا بما يعني أنّه يوجد بيننا أكثر من 900 ألف منقطعا من الشباب ( لا صنعة و لا فتيلة حبل ) تنتظرهم محاضن المخدرات و الإرهاب و الجريمة و الحرقة و عالم السرقة و الانتشال و ما ينتج عن ذلك من ارتدادات وخيمة على المجتمع.

2/ تفشي ظاهرة الإرهاب زمن ” الثورة ” ببلادنا و التنكيل بضحاياهم من الأسباب التي لها انعكاس و تأثير مباشر على تبني مثل هذا السلوك لدى المنحرفين و المجرمين عند ارتكاب جرائمهم باعتبار وبعض الجرائم عكست بعض عمليات التنكيل بالضحايا وصلت إلى حدّ بتر بعض أعضاء الضحية..؟

3/ الإفلات من العقاب تعدّ أوّلا من الأسباب الرئيسية للجريمة في ضوء النخب السياسية التّي تنعم بذلك بحكم الحصانة التي يتمتع بها البعض و بحكم اللوبيات السياسية و نفوذها في دواليب و مؤسسات الدّولة و هذا من شأنه أن يشجع الشرائح الأخرى على الانغماس في عالم الجريمة.
وثانيا في غياب تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في حق العديد من المجرمين و لعلّ آخر حكم بالإعدام نفذ في ما تعرف بجريمة سفاح نابل في أواخر الثمانيات.
ومثل هذا العامل يبعث الطمأنينة و الأمل في نفسية مرتكب الجريمة على مغادرة في يوم ما السجن بحكم التخفيف في مدّة العقوبة أو طرحها أحيانا على أساس سلوكه داخل السجين ؟

4/ الفشل السياسي الذريع في إيجاد حلول جذرية لمشاكل التنمية و البطالة و التفاوت بين الجهات و أيضا في غياب الحزم في تطبيق القانون ( و دائما زمن الثورة ) ممّا دفع البعض من الشباب إلى تفضيل الموت على الحياة بالارتماء في أحضان البحر عبر ” الحرقة ” نحو الجنّة الموعودة خارج وطنه بل و أيضا الكم الهائل من العنف السياسي الذي يشاهده المواطن في رحاب البرلمان يعدّ من الأسباب القوّية في انتشار هذه الظاهرة لدى عامّة النّاس.

5/ القطيعة التامة بين الحاكم و المحكوم و خاصة على مستوى شريحة الشباب الذي لم تعدّ تحترم السلطة و لا تحترم القانون و لا تربطها بها شيء و هو ما يترجم انهيار الثقة عامة بين السلطة و الشعب و هذا يعدّ من أخطر الأسباب و ما تعيشه بلادها من حراك و زندقة و تطاول وصلت إلى حدّ غلق مواقع الإنتاج لمواد هامة كالفسفاط و النفط ( خاصة زمن الثورة ) و مدى تأثير ذلك على موارد الدولة فضلا عن انتشار الفساد السياسي حتّى في التعاطي مع هذه المشاكل.

الحل في تبني مقاربة شاملة :

لمثل هذا الوضع و هذه الظاهرة من الإجرام الذي تمرّ به بلادنا هناك حلولا لا مناص منها و لعلّ في مقدمتها تحسين الظروف الاقتصادية للبلاد و الاجتماعية للمواطن و ذلك عبر :

اتخاذ القرار الحاسم – و بعيدا عن الأيادي المرتعشة – بأنّ كل من يوقف عجلة دوران الإنتاج و من يقف معه بالمساندة و المساعدة و التمويل و التخطيط،، يعدّ خائنا للوطن و تسلط عليه أشدّ العقوبات مهما كانت الأسباب و المسببات و الدوافع و إلاّ انزلقنا إلى وضع تغوّل المجتمع على الدّولة و هو ما يكون عادة أرضية سانحة إلى اللاّ دولة و اللاّ تطبيق القانون وهو ما يؤدّي إلى تطبيق قانون الغاب و بالتالي تفكك الدّولة ؟

اعتكاف الحكومة على ايجاد الحلول الكفيلة برفع كلّ مؤشرات التنمية على أساس مخطط يهدف إلى استصلاح بعض المنزلقات الاقتصادية و ايجاد حل لانخرام التوازنات العامة اقتصاديا و ماليا من أجل دفع الاستثمار و بالتالي خلق وإحداث مواطن الشغل لاستيعاب هذا الكم الهائل من العاطلين عن العمل.

الضرب بقوّة القانون على كلّ لوبيات الفساد التي تنخر اقتصاد البلاد و محاسبة أفرادها و مرتكبيها حتّى ترجع الكلمة العليا لتطبيق القانون على كلّ جبهات الفساد و على الجميع مهما كانت مظلة الحماية التي يستظل تحتها .

العمل على تبني رؤية واضحة للتعليم في كلّ مستوياته و لا نجعل من تعليمنا وسيلة إنتاج للعاطلين على العمل بل لا بدّ ربط التعليم بمتطلبات سوق الشغل باعتبار ما نعيشه من انخرام بين التخصصات و بعض احتياجات سوق الشغل و أيضا ارساء مخطط لإعادة النّظر في ملف التعليم برمته من أجل تكوين رجل الغد على أسس صحيحة، تربية و تعليما و أخلاقا و تكوينا ؟

الإسراع بإعادة مشروع بطاقة التعريف “البيومترية” إلى مجلس النواب من أجل المصادقة عليه بعيدا عن النزاعات و التجاذبات السياسية لأنّ في ذلك مصلحة للبلاد و العباد من أجل الحدّ من الجريمة التي تهددّ مجتمعنا لو تواصلت على هذه الوتيرة التي نعيشها منذ هذا العقد الأخير من الزمن .

العمل على إعداد مخطط لتجفيف محاضن الجريمة خاصة المنظمة منها و السياسية و الإسراع بالحكم في مثل هذه الجرائم لأنّ كلّ تأخير في البت فيها قد يولّد فرصة لمرتكبي مثل هذه الجرائم السياسية من الإفلات من العقاب خاصة منها الجرائم الارهابية و السياسية و الجريمة المنظمة عموما.

تركيز مختبرات لدراسة ظاهرة الجريمة و خاصة الخطيرة منها باعتبار و أنّ الجريمة هي نتاج مجتمعي على الدولة إيلائه ما يستحق من التشخيص من أجل إيجاد الحلول عبر تبني البرامج الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للقضاء على مثل بؤر الجريمة و الفساد المنتشرة هنا وهناك.

وختامها مسك…

لنختم هذه الورقة بكوني قد وقفت في الإجابة على طلب القارئ الكريم، و اطلاعه على رأيي الخاص حول موضوع انتشار الجريمة في مجتمعنا و أيضا أتمنى على الحكومة و كل السلط المعنية أن تولي الاهتمام اللازم لمثل هذه الظاهرة بالنظر لخطورتها على استقرار البلاد داخليا و أيضا خارجيا حتى لا تكون الجريمة حائلا دون جلب الاستثمار الخارجي و ما يعنيه ذلك خاصة من خلق مواطن الشغل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى