صالون الصريح

مئوية الشيخ الحبيب المستاوي: نجاح الملتقى وإعادة اعتبار للرجل..

mestaui
كتب: محمد صلاح الدين المستاوي

كانت احتفالية ذكرى مئوية الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله التي أقيمت يوم السبت 3 ماي 2025 في كل من مدنين وتطاوين مناسبة لتكريم منطقة الجنوب الشرقي من أعلامها والناس من ابنائها..

بذل الغالي والنفيس

جاءت بعد خمسين سنة من وفاته سنة 1975 متأخرة بعض الشيء، ولكنها جاءت مقارنة بذكرى ماوية ميلاده و الشيخ رحمه الله بذل الغالي والنفيس من كل ما يملك في سبيل أن يساهم في النهوض بمنطقته فبمجرد ان تخرج من الجامع الاعظم حاملا شهادة العالمية، قفل راجعا الى الجهة التي فيها نشأ وترعرع ليرد بعض جميلها بالتدريس في الفرع الزيتوني بمدنين الذي تخرّج منه ثلة من ابناء الجهة ليواصلوا دراستهم في الجامع الاعظم ويكونوا من خيرة اطارات البلاد في مختلف مجالات وميادين الحياة…

مرحلة مليئة بالعطاء

وكانت للشيخ الحبيب بهم صلة متينة تجاوزت قاعات الدرس، فقد كان يحيط بهم من كل الجوانب المادية و المعنوية وهو نفس الشيء الذي واصله بعد ان انتقل من قفصة التي أبعد اليها واستقر به المقام بتطاوين،
وهذه المرحلة من حياة الشيخ الحبيب كانت مليئة بالعطاء الذي لا حد لها، ليشمل الجوانب الاجتماعية الانسانية والثقافية والنقابية والحزبية الدستورية منخرطا في النضال الوطني لتحرير البلاد وبناء الدولة بقلمه ولسانه،
وهو الخطيب والشاعر والكتاب للمسرحيات ذات الصبغة التوعوية..

إطفاء الفتنة

ولما احرزت البلاد على الاستقلال ونشب الخلاف بين المعلمين بورقيبة وبن يوسف، وكادت تنزلق البلاد في فتنة تاتي على الاخضر و اليابس يشهد الجميع ان للشيخ الحبيب دور يذكر ولا يُنسى في إطفاء هذه الفتنة وكان لتدخله لدى الزعيم الحبيب بورقيبة الفضل في انقاذ انفس بشرية ممن انحازت الى الطرف المقابل فاذا بالامن والعفو بحل محل الخوف والقرفة والتنازع..
ذلك موقف ودور لا يمكن أن يُنسى للشيخ رحمه الله الى جانب مواقف اخرى كان فيها اب الجميع والقريب من الجميع فهو منهم واليهم تلاميذه واغلبهم من ضعاف الحال هو من يجتهد في تعليمهم أعلمه ان العلم هو سبيل النهوض بهم كان يداوي المريض ويساعد المحتاج ماكلا وملبسا وهو العالم باحوالهم وأحواله اسرهم،
لم يكن الشيخ الحبيب يفعل ذلك مع الاقارب بل يقوم بذلك مع الجميع لم يؤمن بالعروشية والقبيلة المثبتة ولا شك ان من تكون هذه بعض خصاله التي يكون الاجماع حاصلا بين الجميع تعترضه صعوبات كثيرة من ومن ومن مما لا تريد الدخول في تفاصيلها لقد عانى الشيخ من كل ذلك المعاناة التي صبر لها وصابر تحملها ابتغاء الاجر والثواب وما عندي الله خير وأبقى..

المدرس والمرشد

ثم شاءت الأقدار أن تنتهي تلك المرحلة من حياة الشيخ الحبيب رحمه الله له وامه إفتقار اخرى أرحب وتوسع بدات بالاختيار عليه ليكون ضمن بعثة تعليمية زيتونية الى البلد الشقيق المجاور ليبيا في بداية الستينات، فكان المدرس والمرشد والموجه فضلا عن التعليم فلم بغى عن كل الفضاءات المتاحة مواد ومساجد واذاعة وارتبط علاقات متينة مع كباراعلام ليبيا وشيوخها وادباىها وكان بيته في منطقة الزهرة وقد اصطلح معه افراد الاسرة كان ملتقى اولىك الاشقاء من ليبيا واخوتهم أعضاء البعثة التعليمية ومن ياتون زائرين من تونس… تلك مرحلة من مسيرة الشيخ يمكن ان تخص بالكتابة..
و يعود الشيخ الحبيب رحمه الله لتبدأ مرحلة أخرى من عطائه الذي تفرغ فيه للعمل الديني والعلمي حيث اختاره فضيلة العلامة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور عميد الكلية الزيتونية الشريعة واصول الدين ومفتي الجمهورية، فقد أوكل اليه القيام بالتكوين العلمي والنظري لشعبة الوعظ والارشاد بالكلية الزيتونية فقام بهذه المهمة على احسن الوجوه واتمها يشهد له بذلك الجميع..

وأضاف الشيخ الحبيب الى ذلك التدريس بالأكاديمية العسكرية فقد تتلمذ له كبار الضباط المتخرجين ويشهدون له بما غرسه فيهم من الاعتزاز لديهم واعتزازهم بوطنهم تونس
وزاد الشيخ الى ذلك النشاط أنشطة عديدة منها إعداده لحصتين اذاعيتين كل اسبوع (التفسير وحديث الصباح) وقيامه بالخطاب في جامع مقرين (اب الجوامع والكتاتيب في مقرين) والقاؤه لدروس عامة في جوامع العاصمة واحوازها واصدر سنة 1968 مجلة جوهر الاسلام وهي اول مجلة دينية تصدر في تونس بعد الاستقلال
وكان للشيخ نشاطا قرانيا من توليه الأمانة العامة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم التي تدار ندوتها الاسبوعية وظل على منابرها وعلى منابر اللجان الثقافية في أغلب ولايات الجمهورية يلقي المحاضرات الدينية خصوصا في المواسم الدينية (رمضان المولد ذكرى الهجر ة الاسراء والمعراج..)
وكان للشيخ نشاطا حزبيا فقد كان عضوا قارا للجنة الدراسات الإشتراكية التي بحثت طيلة عام كامل موضوع الاسلام وتحديات العصر، وكان يرأس أعمالها أحمد بن صالح رحمه الله الامين العام المساعد للحزب الذي كانت تربطه علاقة صداقة متينة واحترام بالشيخ الحبيب ولم ينقطع نشاط الشيخ الحزبي فقد كان المناضل الذي لا يغيب عن القيام بـ الواجب الوطني محليا وجهويا ووطنيا ولدى الإعداد لمؤتمر الحزب بالمنستير وفي وقفة التامل سنة 1970 قدم بيانا هو بحق وثيقة تاريخية مبكرة تعتبر خريطة طريق الاصلاح في مختلف المجالات
(نشرت في اليابان وتضمنها الكتاب التذكاري بمناسبة الماوية)، وقد زاد الشيخ مضامين هذا البيان بلورة في الخطاب الذي القاه في المؤتمر ولاقى تجاوبا كبيرا لا يزال يذكره من حضروا اشغال المؤتمر، وقد انتخب الشيخ عضوا في اللجنة المركزية في ترتيب متقدم
وتشاء الأقدار أن تكون لهذا العطاء الثري والتنوع نهاية اختلى فيها الشيخ رحمه الله بربه في تاملات وتجليات وانا شكى فيه لربه حاله وحال أمته في قصاىد وتاملات ابتهالات جادت بها قريحته في غرفة المستشفى وغرفة النزل هناك في قفصة حيث ابعد للمرة الثانية في أوائل السبعينات بعد ان أبعد اليها من طرف المستعمر في اوائل الخمسينيات
وان لهذه النفس المطمئنة ان تعود الى ربها راضية مرضية صباح يوم الخميس 12 رمضان الموافق لـ 18 سبتمبر 1975 ليدفن في مقبرة الزلاج

مسيرة مليئة بالعطاء

ان مسيرة حياة الشيخ الحبيب رحمه الله مليئة بالعطاء الذي تجاوز المحلي الجهوي الى الوطني والدولي المغاربي والعربي الاسلامي بل وصل الى بلاد الغرب(فرنسا) فقد دعي المشاركة في المؤتمرات الاسلامية في ليبيا والجزائر والمغرب ومصر والأردن ومكة المكرمة فكان صوت الأمة ودينها المجال الذي لا يخاف في الله لومة لائم وقد ارتبط الشيخ الحبيب رحمه الله علاقات اخوة وصداقة متينة بكبار علماء الاسلام من المشرق والمغرب ومن بلدان جنوب شرقي اسيا وافريقيا منزله في مقرين يقصدونه..

رد إعتبار

ان إقامة ذكرى ماوية الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله في مدنين وتطاوين هي رد اعتبار لرجل هذه مسيرته وسيرته العطرة قد تكون جاءت متأخرة بعد خمسين سنة كاملة لم يلتفت فيها اليه من اغلب الاطراف بما فيها الزيتونة التي ابلى في الدفاع عنها البلاء الحسن (لم يعد عنه اي بحث او أطروحة بينما اعدت عن الكثير من الشيوخ الذين لا نقول انهم اقل منه عطاء) ولم تطلق رابطة الجمعيات القرانية اسمه على ما تقيمه فروعها من دورات ومسابقات) وهو امينها العام في فترة ما بعد التاسيس وهي الاخصب والادق والاصعب؟!
وهاهو والحمد لله الشيخ الحبيب رحمه الله يدخل تطاوين ومدنين بعد خمسين سنة تحيا ذكراه كاحسن ما يكون الاحياء بفضل الله ثم بفضل أخوة بررة في الولايتين فاليهما جزيل الشكر وعظيم الاجر والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى