صالون الصريح

قرأت لكم: الرقص بكاء ..والرقص صلاة …والرقص امتنان ..

قرأ صالح الحاجة لكم مايلي:

لقد قرَّر زوربا أن يكون حرًّا، وألَّا يُقدِّم حسابًا لأحد. لذا، أصبح في إمكانه، وهو المُسنُّ الأمِّيُّ الذي تخرَّج في مدرسة الحياة، أن يكون حكيمًا على طريقته، ويدير قدر شابٍّ خرّيج الجامعات.

هو المتكلِّم بسلطة الخسارات، الذي اقترف نيابةً عنَّا كلَّ الجرائم وكلَّ الخطايا، لبلوغ تلك الحكمة. خاض حروبًا خاسرةً، دافع عن قضايا مفلسةٍ، أحبَّ نساءً بلا أمل، موفِّرًا علينا الكثير من الخيبات.
أحببناه لأنَّه قال ما لم نجرؤ على قوله، فقد كُنَّا نقرأه ونحن نُمسك الكتاب بأيدٍ مكبَّلةٍ بالأصفاد، وأعيننا تراقب مرعوبةً نظرات الآخرين إلينا. فعلَ ما تمنَّينا فِعله ولم نفعله لأنَّنا جبناء. دافع عن شرف الأرامل في مواجهة مجتمعٍ منافقٍ وحقير. رقص أمام جثَّة ابنه لأنَّه لم يجد دمعًا ليبكيه. أكل من الكرز حتى تقيَّأ، علَّه يُشفَى من دوام رغبته فيه. تزوَّج بامرأةٍ على وشك الرَّحيل، كي يهديها فرحة مغادرة الحياة في ثوب الزِّفاف.
زوربا العجوز الذي وصل إلينا من الأولمب منهك القوى، حاملًا شعلةً في قلبه لا بيده، لا كالأبطال الأسطوريين، ولكن كإنسانٍ بسيطٍ، كيف حرّضت شعلته الأجيال على كسر أصفاد النِّفاق.
علَّمنا العجوز أنَّ بإمكان المرء أن يقول كلَّ شيءٍ رقصًا. فالرَّقص بكاءٌ، والرَّقص صلاةٌ، والرَّقص امتنانٌ، والرَّقص وفاء. الرَّقص نسيانٌ، والرَّقص إغراء واستخفاف بما أضعته عن غباء. الرَّقص احتضان لهدايا الحياة، ووداع لكلّ ما لم يمهلنا الوقت لنضمّه قبل المغادرة. لم يترك لنا زوربا من نصيحةٍ سوى أن لا نغادر حلبة الرَّقص.
أصحبت أَنتَ ( احلام مستغانمي )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى