صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: أي موقع لتونس في صراع التقاطب في النظام العالمي الجديد؟

كتب: نوفل سلامة

لم يعد خافيا على أحد أن العالم يمر في راهنيته بمرحلة دقيقة في علاقة الدول فيما بينها ويمر بمنعرج كبير في مسار النظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغرب ومنظومته لـ العولمة التي تعرف انتقادا حادا وواسع النطاق في علاقة بمنجزها السياسي والمالي والاقتصادي..

نظام عالمي جديد

ولم يعد خافيا كذلك ما يعرفه العالم من محاولات جادّة من بعض الدول والقوى السياسية الصاعدة لإنهاء النظام العالمي الذي تشكل عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي يتحكم فيه قطب واحد بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي ورغبة جامحة في مراجعة نظام العولمة المهيمن على الدول والحكومات والشعوب ومراجعة كل ما جاءت به وخاصة منجزها في مجال القيم والأفكار والتصورات والمعرفة والحقوق..

فك الارتباط

وقد تدعم هذا التوجه الجديد في محاولة فك الارتباط مع النظام العالمي الحالي وكسر القطبية الأحادية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ومنظومتها للعولمة نحو بناء نظام عالمي جديد تقوده كل من روسيا والصين يبشر بعالم متعدد الأقطاب ويعد بإرساء منظومة عولمة جديدة من دون هيمنة لقطب واحد، تدعم هذا التوجه بكل وضوح مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي اعتبرها الرئيس بوتين حربا من أجل انهاء النظام العالمي الحالي ومعركة مع القوى الأطلسية للتخلص من القطبية الأحادية ومنظومتها العالمية التي ليست قدر الشعوب في نظره حيث قال في إحدى تصريحاته الإعلامية: ‘إن العالم قد تجاوز اليوم النموذج أحادي القطب الذي عفا عليه الزمن وهو بصدد استبداله بنظام عالمي جديد قائم على الاعتراف بالمسار السيادي لتنمية كل دولة’…

أين يسير العالم؟

لأهمية هذا الموضوع المؤثر في العلاقات الدولية الجديدة ونوعية التحالفات المرتقبة ونظرا لأهمية ما يرسم من استراتيجيات جديدة تقودها القوى المناهضة لمنظومة العولمة والفكر الجديد الذي تبشر به في علاقة بكسر القطبية الحالية، وإعادة تشكيل عالم جديد بمنظومة عالمية متعددة الاقطاب أو ومنظومة من دون هيمنة لقطب واحد، يطرح السؤال أين يسير العالم اليوم؟ وكيف تجد تونس موقعا لها فيما يصنع و يشكل لهذا العالم؟
وأي تموقع جديد لنا يجنبنا خيار التموقع القديم والذي لم يكن مفيدا بل أضر بالسيادة الوطنية وكرس التبعية للآخر؟
لكل هذه القضايا المثارة ارتأت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات تنظيم ندوة فكرية حول ما يشهده العالم اليوم من تصارع أقطاب سياسية واقتصادية متناقضة طرف منها يعمل على الشد إلى الوراء والحفاظ على المصالح و على إبقاء النظام العالمي الحالي وطرف ثان يقاوم من أجل انهاء هذا النظام وتشكيل آخر بدلا عنه يكون أكثر عدلا للشعوب وأكثر سيادة للأنظمة ، فكان اللقاء يوم السبت 25 مارس الجاري مع المفكر والأستاذ والفيلسوف أبو يعرب المرزوقي.
يعتبر أبو يعرب المرزوقي أن المفيد في كل هذه الحركية التي يشهدها العالم في علاقة بالصراع المحموم الذي يدور رحاه اليوم بين القوى التقليدية التي تقود العالم والتي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية مع القوى الصاعدة و التي اصطلح على تسميتها بالقوى المناهضة للقطبية السياسية المتحكمة والتي نجد لها معنى واضحا في الحرب الروسية الأطلسية التي اتضح في العمق أنها حرب ضد المنظومة العالمية الحالية..

 وأن المفيد الآخر من كل النقاش الذي يدور اليوم في الغرب ولدى الطبقة المثقفة في العالم حول مآل النظام العالمي الحالي ومستقبل العولمة في ظل المطالبة بإنهائها وفك الارتباط عنها وكسر تحكمها في مصائر الأمم والشعوب والنقاش الآخر المتفرع عنه، والذي يهم مخرجات هذا النظام العالمي وآليات عمله وأساليبه والمطالبة بإعادة النظر في منظومة القيم القائمة عليها من قيم أخلاقية وفكرية وتصورات الحكم في علاقة بأزمة الديمقراطية التمثيلية وفي علاقة بمنظومة الحقوق الكونية المفروضة على الجميع ..

تموقع جديد

إن المفيد في كل هذا الحراك والمخاض الفكري أن نعرف مكاننا في هذا الكوكب وأن نفكر في الكيفية المثلى لتموقعنا الجديد داخل التشكل الجديد لهذا العالم الجديد الذي تقوده قوى جديدة في طليعتها الصين وروسيا حتى لا نخسر كما خسرنا في تموقعنا الأول الذي أفقدنا سيادتنا وجعلنا تابعين للغير و مرتهنين لقراراته.
ينطلق الأستاذ أبو يعرب المرزوقي في تفكيك وتحليل هذه الإشكالية بطرح سؤال لماذا نجد العرب خارج هذا المسار العالمي الجديد ؟ ولماذا يفرض علينا دوما أن نكون حليفا لأحد الاقطاب الموجودة ؟ وهل قدرنا أن نكون دوما ضمن مسار قطبي يحكم العالم ؟ لذلك فهو يعتبر أن القطبية حالة وجودية وقانون كوني حيث نجد التقاطب بين الروح والبدن وفي صورة الجماعة نجد القطبية في علاقة القوى السياسية بالقوى المدنية والقوى الاستعلاماتية وإذا حصل وكان نشاط هذه القوى لصالح الخارج ولفائدته نكون حينها في وضعية الجماعة العاجزة عن سد وتلبية حاجياتها لذلك فإنه من المفيد للجماعة أن تكون هذه القوى في صالحها حتى تحافظ على مناعتها وقوتها وتكون في مأمن ودون حاجة إلى البحث عن التموقع الذي عادة ما يضعف السيادة الوطنية ويفرض عليها واقع التبعية.

وضعية التقاطب

إن وضعية التقاطب هو قانون تحدث عنه العلامة ابن خلدون مبكرا حينما تحدث عن القطبية بين البدو و الحضر وتناول مسألة الصراع داخل الحضر أنفسهم وتحدث عن قطبية أخرى داخل البدو كذلك وهذا يعني أن حالة التقاطب الموجودة تكبر وتتقوى حينما تكون الشعوب مفتتة وضعيفة وفي هذا السياق تأتي مشكلة تونس المتمثلة في أن حاجياتها هي اليوم في فتور و قيمها في تراجع لتجد نفسها تجري وراء مطلب الكرامة الذي عادتها بسببه جميع الأنظمة العربية وتحولت مطالبها إلى حاجيات مادية بالأساس وهي معركة لا تختص بها تونس وحدها وإنما بات هاجسا ومطلبا عالميا لذلك فإن المعركة الاقتصادية والروحية صارت عالمية وتتقرر على الصعيد العالمي.

إشكال اليوم..

والاشكال اليوم في ظل هذا الصراع من أجل فك الارتباط مع القطبية الحالية وفي ظل معركة خيار البقاء وخيار التغيير بين القوى العالمية المتصارعة في كون العرب والمسلمين لا يتوفرون على حل في ظل واقع الانقسام والتشتت الذي هم عليه ما يفرض عليهم الذهاب من جديد إلى خيار التموقع من جديد في الوقت الذي يرفضون فيه الحل الثالث وهو أن يتجاوزوا صراع القطبية المعلن ويستقلوا بأنفسهم عن التموقع المضر وأن يشكلوا بمفردهم قوتهم التي تغنيهم عن الوقوع وضع التبعية لأحد الأقطاب التي في طريقها إلى التشكل وهذه الفرضية تفرض وجود قوة عربية أو إسلامية تكون القاطرة لهذه الاستراتيجية وتمثل جهة القيادة لهذا التوجه…

شروط السيادة

في هذا المستوى من التحليل يعرض الدكتور أبو يعرب المرزوقي شروط السيادة التي تجعل الدولة مؤهلة لأن تقرر مصيرها بنفسها وأن يكون قرارها غير خاضع إلى أي قوة أخرى وقسمها إلى قسمين شروط الرعايا وشروط الكفاية:
أما شروط الرعايا وهي الشروط التكوينية لأي دولة تتمتع بالسيادة الكاملة والمتمثلة في التربية والتعليم وتوزيع العمل ويدخل فيها توفير الشغل للأفراد وشرط التموين ويهم الجانب الاقتصادي والغذائي. والثقافة والتكوين الروحي وهو مشغل يكون في خدمة المجتمع وفي صالحه وهذه العناصر في هذا القسم تكون مرتبطة بالجامعة والبحث العلمي في عملية تشبيك وتفاعل دائمة ولكن الملاحظة أن مسألة ارتباط حاجيات المجتمع بالبحث العملي هي مسألة غير موجودة اليوم في الوطن العربي ما يمثل عائقا أمام تكون السيادة الوطنية.
وفيما يخص شروط الكفاية المتعلقة بالحماية الداخلية لأي دولة ذات سيادة فتتمثل في القضاء والأمن والاشكال هنا في التفطن إلى ضرورة أن لا يكون القضاء تابعا للجهاز الأمني حتى يكون هناك مجتمع مستقل وتتوفر فيه الحماية اللازمة لأفراده بقدر كبير من الحرية والعكس مطلوب أي أن يكون الجهاز الأمني تحت رقابة القضاء وسلطته حتى نضمن عدم الجور وعدم التعدي على الأفراد.
وحتى نستكمل الحماية الداخلية للدولة يتعين توفر جهاز استعلامات يعمل لصالح الوطن ويكون في صالح الشعب…
وينهي الدكتور أبو يعرب المرزوقي هذه الرؤية لمسألة صراع التقاطب بإقرار حقيقة وهي أنه إذا ما توفرت شروط السيادة المذكورة نكون وقتها في وضعية الدولة كاملة السيادة التي تكون في غير حاجة إلى التفكير في التموقع ضمن سياق القطبية المهيمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى