عيسى البكوش يكتب/ وليد التليلي (1964-2025): عازف على وتر الإمتاع

كتب: عيسى البكوش
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله…
هكذا كان ينطلق لسان وليد التليلي الذي غادرنا إلى عالم أفضل يوم 24 جوان 2025 عند تقديمه للبرامج الدينية وبخاصّة ‘رحمة للعالمين’ إثر صلاة الجمعة بمعيّة الشيخ الخطيب محمود جاء بالله… و”رمضان ملء قلوبنا” خلال النصف الأوّل من الشهر الكريم.. قبل أن يحيل المصدح إلى زميله ذي الصوت الجهوري معز الغربي…
إنّ هذه النبرة الدينية قد صاحبت ‘الحاج وليد’ ـ كما يحلو لزملائه توصيفه ـ ورافقته أيضا عندما انتمى إلى إذاعة الزيتونة التي أصبحت تنتمي بدورها إلى مجموعة الإذاعة التونسية…
منذ عقود…
لقد انتمى فقيدنا إلى المبنى الرمز في شارع الحريّة منذ عقود بفضل مسعى الرّاحل صالح جغام الذي اكتشف في هذا الشاب المثقف صنوا له، ولو أنه لم يكن يسعى إلى البروز في المشهد السمعي…كان همّه هو التأليف أوّلا في مجال الكتابة الصحافية وهو الذي نجح سنة حصوله على شهادة الباكالوريا في مناظرة أعدّتها دار Tunis-Hebdo لصاحبها محمد المازري بن يوسف لغاية بعث جريدة ناطقة باللغة العربية تحت مسمى ‘الأخبار’.
كان يراوح وقته بين زنقة الحديبية بباب بحر وكلية الحقوق بالمركب الجامعي بالمنار…
ثمّ تتالت كتاباته في جرائد أخرى سيّارة كـ ‘الأيّام’ و’الطريق الجديد’.
وحتى عند التحاقه بالإذاعة فلقد انضمّ إلى أسرة مجلّتها.
وعند صدور جريدة ‘العربي الجديد’ عام 2014 عاوده الحنين إلى المكتوب فأصبح مدير مكتبها بتونس…
انغمس في إنتاج البرامج الإذاعيّة ذات العمق الثقافي والفكري ومن أبرزها “عازف الليل” و”تونس الوردة” و”سكن الليل” إلى جانب تقديمه لبرامج مباشرة كـ”يوم سعيد” و”باب الخضراء” و”نوّار عشيّة” و”ثلاثة على الهواء” صحبة الفقيد نبيل بن زكري والصديق الحبيب جغام.
كما كانت له إطلالات على الشاشة الصغيرة ومن أفضل ما أنجزه للتلفزة حوارات تبقى عالقة بالأذهان كتلك التي أجراها مع الروائي السوداني الطيب صالح والمطربة المتألقة نجاة الصغيرة.
كان ودودا
كان يتمتّع بخاصيّة قلّ أن يمتلكها غيره فبقدر ما كان ندّا للنخب التي كان يستضيفها، كان متواضعا جدّا مع جمهور المستمعين، كانت كلماته كالبلسم : سيدي خويا، أختي العزيزة…
كان ودودا وكان ودّه ينبعث من القلب فلا غرابة أن يسكن في القلوب: من كان في قلبه وردة لا يخرج من فيه إلا العطر.
إنّ اختياراته الموسيقية لأكبر دليل لمن له أذن على رقّة شعور الرجل وتطلعه إلى الأرقى والأعمق.
مهنة أم رسالة؟
لقد كان يتساءل: هل الإعلام مهنة أم رسالة، ولعله أتى بالجواب الشافي من خلال ما أمتعنا به قبل رحيله. لقد طلبت منه بمناسبة عيد الورد بأريانة في دورته لسنة 2002 أن يقوم بتنشيط سهرة شعريّة بفضاء المكتبة المعلوماتية ضمّت فيمن ضمّت هارون هاشم الرشيد صاحب أغنية فيروز ” سنرجع يوما إلى حيّنا” ومحمد الصغير أولاد أحمد وغيرهما من فطاحل الشعر، فكان زمنا منحوتا في ذاكرة البلدة والبلاد وتسجيل وقائعها موجود على اليوتيوب في موقعي شذرات.
هل هو حقّا الزمن الجميل الذي يتبدّد أمامنا بعد ترجّل صالح ونبيل وعادل والآن وليد.
رحمة الله عليهم جميعا…
فسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، والحمد لله ولا حول ولا قوّة إلا بالله.