صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: ‘من ضعفت حجّته طال لسانه’

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

أبو عثمان عمرو بن بحر البصري المكنّى بـ” الجاحظ ” (776- 867) يصحّ فيه القول إنّه: “أمّة اجتمعت في إنسان »…عَلَمٌ وعالم في آن: نحوي، بلاغي، قاص، روائي، موسوعي، هو إمرؤ ذو روح فكهة وقلم رشيق…

إنه الحكيم

وعلى الرغم من أنّ الرجل عصيّ على التصنيف فإني أميل إلى نعته بالحكيم، إذ أنّه أوتي من الحكمة ما لم يؤت بمثل ما أوتي كلّ من سبقه ومن خلفه إلى حدّ أنّ جمهور اللغويين يعتبرونه البوصلة التي بفضلها يهتدون.
ولقد سبق لي أن استصرخته ذات يوم ” وا جاحظاه ! ” على أعمدة جريدة الصريح الغرّاء الصادرة بتاريخ 20 أفريل 2006:
لقد جاء في الأثر أنّ امرأة عربية أرادت الاستنجاد بأمير المؤمنين عندما داهمها الخطر فصرخت: “وا معتصماه »…

وا جاحظاه !

فهل نصرخ بدورنا: وا جاحظاه ! لعلّ صاحب البيان والتبيين ينقذنا من هذا المارد الذي يتهدّد اللغة التي أفنى عمره في حسن صنعتها.

طبعا لن يغنينا الصراخ في شيء ولن يخلصنا الجاحظ ممّا وقعنا فيه وهو الذي كان قد بيّن لنا المحاذير التي لو تجنّبناها لما انزلقنا في هذا المنحدر الجارف.
” إنّ اللفظ الهجين الرديء والمستنكر الذي أعلق باللسان وآلف للسمع من اللفظ النبيه والمعنى الرفيع. ولو جالست الجهّال والسخفاء شهرا فقط لم تتق من أوضار كلامهم بمجالسة أهل البيان والعقل دهرا لأنّ الفساد أسرع إلى الناس وأشدّ التحاما بالطبائع!”.
إذا كان هذا مفعول اللفظ الهجين فما بالك بلغة هجينة بفعل هجمة عنيفة لمفردات أعجمية.
لقد صار بفضل مدوّنته البليغة حاميا لحمى اللغة شأنه شأن الأديب الفرنسي موليار (1622-1673) بالنسبة للغة التي مزجنا بها لغتنا وهي في حلّ من هذا الفعل الهجين.
هما يتشابهان لا فقط من حيث نقاوة اللسان بل بالركون إلى الهزل الجار للجدّ، ولا غرابة في ذلك وهما اللذان كتبا عن ‘البخيل’ و’البخلاء’.

أحسن الكلام…

من الحكم المأثورة لأبي عثمان تلك التي أوردتها في توشيحة المقال ولعل التذكير بها أصبح أمرا ملحا في هذا الزمان الذي يرتع فيه اللسان فيروغ فينا روغة الثعبان.
فلقد ضاقت آذاننا بمن فقد الحجّة في ردهات ما ينعت تعسّفا بالمناظرات على القنوات العربيّة.
لقد أطنب الجاحظ في الحديث عن اللسان :”أحسن الكلام ما أغنى قليله عن كثيره” وجاء في الأثر :”خير الكلام ما قلّ ودل »…
كما قيل :”إذا تم العقل نقص الكلام »… كما جاء في الحديث :”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت »…
جاء في الذكر الحكيم: ” … وقولوا للنّاس حسنا…” البقرة 83.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى