صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: تسعينية النحّات الألمعي الهادي السلمي (1934-2024)

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

“إنّي أشعر في بعض الأحيان بأنّي أتمتع بشهرة في الخارج أكثر من التي أتمتّع بها هنا في تونس”.

هكذا باح النحّات الهادي السلمي في لقاء مع حمادي السنوسي في جريدة الحرية الصادرة في 07 أكتوبر 1988، وهو ما يحيلنا للقول المأثور:” لا نبيّ في قومه” أو للبيت الذائع لعلي الدوعاجي في وصف “فنّان الغلبة”.

الهادي السلمي هو من طينة نحاتينا الملهمين الأوائل الذي سار على دربهم الهاشمي مرزوق صاحب “الحصان البرنزي الذي امتطاه بورقيبة”.
ولد يوم 22 مارس 1934 في مدينة تونس وبالتحديد في المركاض، زاول تعليمه الثانوي بالمعهد العلوي ثم حوّل وجهته إلى مدرسة الفنون الجميلة ثم سافر إلى باريس حيث أقام في حي الفنون ثم لما عاد امتهن التدريس في معهد خزندار…

أقام أول معرض له سنة 1972 في رواق الأخبار ثم انقطع للعمل في ورشة للقيام بكم هائل من التحف. وكثيرا ما كانت تتصل به البنوك والمؤسّسات لإنجاز أعمال تعرضها عادة في مداخل مقراتها وله بالتوازي أعمال معروضة في الخارج: العربية السعودية، إيران، يوغسلافيا، انقلترا، السنغال، كندا.
من أهم إنجازاته المنحوتة التي تحمل اسم “القندول الكوني” والتي شارك بها في أولمبياد الفنون بسيول عام 1988 مواكبة للألعاب الأولمبية وهي معروضة في المتحف الأولمبي بتلكم المدينة إلى جانب منحوتات كبار الفنانين في العالم أمثال الفرنسي César (1998-1921) .
للفقيد السلمي حكاية مع أريانة وهي من جنس المضحكات المبكيات.
لقد ساهم غداة الجلاء عن بنزرت في رسم جدارية تزيّن مقام عمّار المعروفي بأريانة حيث رفات شهداء أريانة في معركة الجلاء وقد جسّد فيها الزعيم بورقيبة في منفاه بجالطة من سنة 1952 إلى 1954 ونحت في أسفلها البيت المقتطع من النشيد الرسمي آنذاك من نظم الشاعر جلال الدين النقاش” ” نخوض اللهيب بروح الحبيب زعيم الوطن”.
ولكن ما إن أطلّ السابع من نوفمبر سنة 1987 حتّى أسرعت المعاول لطمس هذه التحفة الفنيّة من الغد. هكذا بجرّة “ليقة”.
أمّا الثانية فهي من بنات أفكاري.
استعدادا لعيد الورد سنة 1982 ارتأى مجلسنا البلدي أن نحيي هذه النبتة الشذيّة من خلال عمل فني فاتجهنا إلى سي الهادي وهو من متساكنينا آنذاك قبل أن تنفصل سكرة عن أريانة عام 2002.
فانبثقت من خلال الفنان تلك الصورة الرائعة لحسناء تحمل في يد باقة ورود وفي الأخرى المطلوقة وردة تتهيّأ لإهدائها للمستقبلين. وفعلا تمّ تخليد هذه الصورة في معلقة المهرجان.
ثمّ لمّا تمّ في العام الموالي نقل مقر البلدية إلى قصر بن عيّاد في مارس 1983 وإعداد المقر القديم لإيواء الولاية الجديدة وقع الاتفاق مع سي الهادي على وضع هذه المنحوتة في الفناء الخارجي للقصر فتمّ الإنجاز بحسب المعطيات التي يتيحها المجال ودعوت لتدشين هذا المعلم المنعّم الحبيب بورقيبة الابن يوم 10 ماي 1985 عند إعطاء الإشارة لانطلاق المنظومة الإعلامية والتي كانت بلديتنا الرائدة في هذا المجال.
ولكن شاء الخلف أن يحتفل بقدوم الرئيس بورقيبة إلى أريانة يوم 08 نوفمبر 1987 بمناسبة عيد الشجرة أن يعوّض هذه التحفة بتمثال نصفي للزعيم.
فلما سبق السيف العدل وأحيل بورقيبة على التقاعد الوجوبي في اليوم السابق سقط كلّ شيء – أي الأصل والصورة – ورمي بتمثال المرأة البرنزي في غيابات المستودع البلدي
من بعد ذلك ارتأى بعض الشباب أن يسترجعوا ” أميرتنا ” لوضعها في مدخل منتزه بئر بلحسن فاتصلت عند طلبهم بالفنّان السلمي الذي كان متألّما لما آلت إليه إبداعاته في أريانة ولكنه لبّى الطلب وأصلح ما وقع عطبه في المنحوتة ولكن وقع المحظور إذ أنّه عند زيارة وزير الشباب بن سلامة كشف عن لوحة تذكارية كتب عليها كما جرت العادة البسملة فاغتاظ إمام البلدة في إحدى خطبه الجمعيّة قائلا: ” كيف سمحتم بوضع اسم الخالق عند قدمي تمثال” فهرع القوم لاقتلاع هاته اللافتة وتحويل المنحوتة إلى داخل المنتزه ولكن هذا الموقع لم يرض عنه لا القدامى ولا المحدثون فانتقلت حاملة الورود مرّة أخرى ولعلّها ليست الأخيرة إلى مفترق المنازه 5، 6، 7، و8 وهو لعمري لا يتناسب مع حجمها ولا مع دلالاتها فهي صمّمت لبهو قصر يؤمّه جلّ السكّان فيستقبلهم بما هو عطر وشذى.
ولقد وفّر لنا الفقيد ثلاث مجسمّات مصغّرة من عمله الرائع تمكنّا من إهدائها إلى المنعّم محمد مزالي عند إشرافه على عيد الورد يوم 08 ماي 1983 وإلى جلالة الملك الحسن الثاني عند إتمام مراسم التوأمة بين مدينتنا ومدينة سلا المغربية في 27 ديسمبر 1982 والثالثة إلى بلدية ڤراس عند انطلاق علاقتنا مع عاصمة العطور في العالم.
توفي الهادي السلمي رحمه الله وطيّب ثراه يوم 15 نوفمبر 1995.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى