صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: المناضل والكاتب الصادق بن مهني (1954-2023)… كما عرفته

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

غيّب الموت يوم عاشوراء المناضل الصادق بن مهنّي ووارى جسده التراب في مقبرة الجلاز حذو ابنته لينا أيقونة الثورة التونسية.

والصديق الصادق وهو لمن لا يعرفه أحد أقطاب اليسار التونسي المؤسّسين لحركة كان لها شأن في الحراك الطلابي ‘آفاق’ ولقد ناله مثل ما نال رفاقه من ألوان التنكيل في غياهب برج الرومي والتي سجّلها بكلّ واقعيّة هو صنوه فتحي بالحاج يحي في كتابهما ‘سارق الطماطم’ و’الحبس كذّاب والحي يروّح’.

في هذا نشترك

وقبل أن أتعرّف عن كثب على المنعّم الصادق فلقد التقيت وإياه على مستوى آخر فإنّي وإن كنت دستوريا من الساعة الأولى أي منذ بواكير الاستقلال فإني لم أخف يوما وأنا أتحمّل أمانة اتحاد الطلبة أني قريب من اليسار التونسي، وأؤكد على هذا المرادف لأنّ اليسار يسارات وذلك لإيماني بأننا نشترك أوّلا في حبّ هذا الوطن وكذلك لأنّنا نتبنّى نفس المشروع الحداثي الذي بشّر به الزعيم الحبيب بورقيبة..
ولقد قالها ذات يوم المنعّم نور الدين بن خذر وهو من هو على منبر “مؤسسة التميمي ” : على الرغم من أنّ بورقيبة أساء معاملتنا فإنّنا نعتبر أنفسنا من أبنائه”.

فهل أبلغ من هذا الكلام الذي يغني عن أيّ تعقيب.

لقاء أريانة

ثمّ شاءت الصُدف المتعلقة بالجغرافيا والتاريخ أن أتعرّف على الفقيد الصادق…
أمّا عن الجغرافيا فإنّ وشائج القُرب وغلبة الصناعة هي التي حدّدت العلاقة التي استمرّت بيننا على امتداد ربع قرن فتواجده ضمن المجموعة الصلبة لوكالة التهذيب العمراني المنتصبة في المنطقة الإدارية بأريانة، والتي أشرف على حظوظها عدد من الأصدقاء الذين ارتقوا إلى سدّة وزارة التجهيز ومن ضمنهم المنعّم علي الشاوش..
قلت إنّ موقع الأخ الصادق جعله يحثّني على إبداء الرأي والتحادث حول التطوّر العمراني بأريانة ولقد ضمّت الوكالة فيمن ضمّت مناضلا يساريا كان له شأن في مجال التهيئة الترابية وهو المنعّم رشيد باللونة.
أمّا عن التاريخ فللمنعّم محمد بن إسماعيل فضل على توثيق عروة الصداقة بيننا إذ أنّه عند تأسيس جمعية جربة الذاكرة سنة 1994 سعى إلى ضمّ بعض من كان يسمّيهم رجال المال ورجال الفكر، وكنّا الاثنين بمعيّة الإخوة محمد كربول والهادي معيز والمنصف الباروني والعجمي مميتة وسامية معمّر ضمن الصنف الثاني.
ولقد شغل الصادق خطّة الكتابة العامة للجمعية لفترة طويلة قبل أن يخلفه في فترة توليت فيها الرئاسة (2010-2012) المنعّم محمد المنصف المؤذّن.

صاحب قلم جميل

وكان الصادق متميّزا فيما كان يحرّره وهو صاحب القلم الجميل وتشهد على ذلك مقالاته الصادرة على امتداد سنوات على صفحات جريدة ‘الجزيرة’ لصاحبها المنعم لطفي الجريري وكان من المدافعين الغيورين على المنظومة البيئية الجربيّة وكان من أوّل من نادى بترسيم الجزيرة على لائحة التراث العالمي، وما إن أحيل على شرف المهنة حتى التحق بدار سيراس للنشر وكان بمثابة العضد الأيمن لسي محمد بن إسماعيل.
ومن أبرز أعماله في هذه الدار تعريبه للكتاب الحدث عن تاريخ تونس لصاحبه الوزير والأديب الحبيب بولعراس.
لقد نذر الفقيد آخر سنوات عمره لإنجاز مشروع دأبت عليه فلذة كبده لينا وهو نشر الثقافة من خلال تأثيث مكتبات في كلّ شبر من الجمهورية. ولقد كلفه هذا العمل ما كلفه صحبة حرمه أمينة بن غربال ولكنه لم يبخل بقطرة من العرق في سبيل هذا العمل الجليل.
لقد توفقت هيئة أيّام قرطاج السينمائية بإسناد جائزة باسم لينا بن مهنّي، فهل تتوفّق مؤسسة “كومار” بإسناد جائزة باسم الكاتب الملتزم الصادق بن مهنّي…
رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما جنان الفردوس.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون »…

a1
تعليق على الصورة المرفقة:
جمعية جربة الذاكرة: الصادق بن مهنّي في الصف الأمامي الأوّل من اليسار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى