صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ الرئيس فؤاد المبزع (1933-2025) كما عرفته..

issa-bakouche
كتب: عيسى البكوش

غيّب الموت يوم الأربعاء 23 أفريل 2025 الرئيس الأسبق للجمهورية الأستاذ محمد فؤاد المبزع المحامي المولود بمدينة تونس يوم 15 جوان 1933، وهو سليل أسرة علم ومجد وكان والده الباجي حرائريا مشهورا ووالدته من آل محسن الذي تولى أربعة مشائخ منهم إمامة الجامع الأعظم بالتناوب مع آل النيفر وآل الشريف في الفترة الفاصلة بين عامي 1868 و1980..
ولقد استضافت دار محسن الشيخ المصلح محمد عبده عند مقدمه إلى تونس سنة 1912.

البدايات

التحق الفتى فؤاد عام 1945 بالمدرسة الصادقية، يقول عنه أحد أترابه عبد الحكيم الشملي في الكلمة التي ألقاها في رحاب جمعية القدماء بمناسبة انتخاب سي فؤاد رئيسا لمجلس النواب عام 1997 نيابة عن رفاقه، ومن ضمنهم علي بن عياد والمنجي الشملي والتيجاني الشلي ومحسن ليمام وإسماعيل خليل: “لقد كان يحلو لنا نحن رفاقه الذين عرفناه صبيّا سبع سنوات على مقاعد المدرسة الصادقية أن ندعوه ‘الحاج’ ويضيف :”كان لطيفا في غير نفاق، متواضعا في غير ميوعة حازما في غير شدّة كريما في غير إسراف، كان خدوما ودودا نصوحا كدودا يحبّ الناس ويحبّونه ويُجلّهم ويجلّونه.

(انظر المجلة الصادقية عدد جانفي 1998).

إثر تخرّجه من الصادقية سافر إلى فرنسا حيث درس الحقوق بجامعتي باريس وآكس أونبروفنس.

مهام وطنية

انخرط منذ بواكير شبابه في الحراك الدستوري في تونس ثم في فرنسا.
ولمّا عاد إلى أرض الوطن التحق بوزارة الفلاحة حيث شغل خطة مدير لديوان الوزير ومدير الحزب المنعّم عبد المجيد شاكر ثم عيّن مديرا للأمن الوطني تاركا الخطة لخلفه ورفيقه في إتحاد الطلبة الطاهر بلخوجة وذلك إثر أحداث 5 جوان 1967.
عيّن سنة 1969 واليا على تونس وهو بتلك الصفة شيخ للمدينة بمقتضى قانون 24 ماي 1966 والذي أقرن الخطتين التي شغلها من قبله المنعّم حسيب بن عمار.
والمعلوم في هذا الصدد أنّ سي فؤاد هو الوحيد في البلد الذي ترأس ثلاث بلديات وعلاوة على مدينة تونس فلقد ترأس بلدية المرسى للمدّة الفاصلة بين 1977 و1980 حيث خلفه المناضل المنعّم محمد الصالح بالحاج، ثم قرطاج من سنة 1995 إلى سنة 1998 إلا أنه لم يكمل المدّة التي تنتهي سنة 2000 وتلك حكاية أخرى تدخل حسبما تقول الإفرنجية في خانة “التاريخ الصغير”.

ملحمة الأرجنتين

ثم جاء زمن الوزارة أو قل الوزارات إذ أنه عيّن بادئ ذي بدء وزيرا للشباب والرياضة وعيّن على رأسها من 30 نوفمبر 1973 إلى 13 سبتمبر 1978 أي غداة ما اصطلح على تسميته بـ ملحمة الأرجنتين بمناسبة مشاركة تونس في كأس العالم لأوّل مرّة بفضل تضافر جهود الوزير والجامعة برئاسة المنعّم سليم علولو والطاقم الفني الشتالي وبن عثمان والنجوم التي رسخت أسماؤها في الذاكرة الجماعية.
ثم انتقل إلى وزارة الصحّة التي شغلها إلى يوم 07 نوفمبر 1979 ومن ثمة وُليت وجهته إلى وزارة الشؤون الثقافية والإعلام التي غادرها يوم 02 جانفي 1981 بعد أن تخلى عن الإعلام يوم 3 ديسمبر 1980 لفائدة … الطاهر بلخوجة، وكالمعتاد في زمن بورقيبة تقع المراوحة بين الوزارة والسفارة، فسافر مترجمنا إلى جنيف لتمثيل تونس في منظمة الأمم المتحدة ومكث هناك خمس سنوات ليلتحق بالرباط سفيرا لتونس بالمغرب لمدة سنة عاد من بعدها من حيث ابتدأ أي وزارة الشباب والرياضة (27 أكتوبر 1987 – 12 أفريل 1988).

رئيسا لمجلس النواب

ومن بعدها ركن إلى ما يُعرف براحة المحاربين إلى أن عاد إلى الأضواء بارتقائه إلى دفّة رئاسة مجلس النواب يوم 15 أكتوبر 1995 وهو الذي لم ينقطع طوال سبع مدد عن الانتساب إليه.
ثم كما هو معلوم آلت إليه رئاسة البلاد يوم 15 جانفي 2011 ولم يكن راغبا ولكنه استجاب لنداء الوطن والإلحاح صديقيه حامد القروي والهادي البكوش حسبما ورد في شهادة هذا الأخير في كتابه “En toute franchise” الصادر عن منشورات دار الجنوب 2018 ص 469 وسلم العُهدة إلى خلفه الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي يوم 12 ديسمبر 2011.
وهنا يلذ لي أن أستحضر ما خطه بيده المنعم فؤاد في افتتاحيّة المجلة الصادقية عدد ديسمبر 2019 إثر الانتخابات الرئاسية :”إنّ سنة 2019 شهدت وفاة الوطني الصادق محمد الباجي قائد السبسي وهو أوّل رئيس منتخب في الجمهورية الثانية وهو من خرّيجي المدرسة الصادقية، وشهدت أيضا انتخاب قيس سعيد كثاني رئيس جمهورية مُنتخب من الشعب بعد الثورة وهو كذلك من خرّيجي المدرسة الصادقية … إنّ التداول على رئاسة الجمهورية كان فيه للصادقيين النصيب الأكبر”.

أول لقاء

لقد عرفت سي فؤاد في جلّ هاته المراحل التي استعرضتها ومنذ أوّل لقاء جمعنا سنة 1972 في حوار أجريته معه وهو شيخ مدينة وأنا أشتغل صحافيا بجريدة لابراس إثر انضمامي إليها بعد المؤتمر الثامن عشر لاتحاد الطلبة بقربة والذي لم ينه أشغاله، وسي فؤاد كان بالطبع متابعا لتلك الأحداث لأنه لم يكن غريبا عن عائلة الاتحاد باعتباره أحد قيادييه البارزين خلال الخمسينات.
فلقد انتخب عضوا بالهيئة الإدارية للاتحاد في مؤتمره الخامس المنعقد بين 12 و16 أوت 1958 بالمرسى وكان الطاهر بلخوجة وقتها الأمين العام وكان من بين أترابه في فرع أوروبا. اثنان ممّن توليا فيما بعد الأمانة العامّة وهما المنجي الكعلي والمختار الزنّاد الذي يترأس حاليا هيئة قدماء الاتحاد خلفا للأستاذ الجليل عمّار المحجوبي.
كما أنّ سي فؤاد يعدّ من القلائل الذين ترأسوا في باريس جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين التي أسّسها كما هو معلوم المنعّم سالم الشاذلي عام 1927.
لقد كان سي فؤاد حريصا على مواكبة أنشطة جمعية قدماء الاتحاد، ولقد كنت وافيته وهو وزير الشباب سنة 1988 بمشروع تعاونية الطلبة التونسيين الذي توليت إعداده بعد التعرّف في فرنسا على التجارب المقارنة وذلك بإيعاز من الأستاذ محمد الناصر إثر لقاء عقدته الجمعية بقصر بلدية أريانة في شهر جويلية 1985.
وفي الثامن عشر من شهر مارس سنة 1988 أصدرت الجمعية بيانا تدعو فيه إلى عقد المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة، ولقد كان سي فؤاد أوّل الممضين وجاء فيه بالخصوص “إنّ الممضين أسفله يتوجّهون بنداء إلى كلّ الطلبة من أجل إعادة الاعتبار إلى الاتحاد وإرجاعه إلى مساره”، وهو ما تمّ في ذلك اليوم المشهود 30 أفريل 1988 في رحاب كلية الحقوق وبفضل تعاون المنعّم العميد لزهر بوعوني.
ثمّ كان يوم 13 جويلية 2011 عند احتفالنا بالذكرى 58 للتأسيس وانعقدت جلسة تاريخية برئاسة الرئيس فؤاد المبزّع وحضور المؤسّسين منصور معلى وعمّار المحجوبي ومحمد التريكي والمنعّم عبد الحق الأسود.
ولقد قدِم إلينا خصّيصا من فرنسا الدكتور سليمان الدقي وهو من روّاد الاتحاد قبل أن يودّعنا بعد ذلك إلى عالم أفضل.

شهادة معبّرة..

كما أنّي لازمت المنعّم فؤاد عند انبعاث جمعيّة قدماء الصادقيّة عام 1987 بعد سبات وانضممت إلى الهيئة التي ترأسّها آنذاك المنعّم الطيب السحباني، ثمّ عدت من جديد ضمن الهيئة التي يترأسها الصديق الشاذلي بن يونس الذي كان يشدّ آزر سي فؤاد في السنوات الأخيرة.
وخير ما أختم به هذه الشهادة ما جاء على لسان الفقيد ـ والذي يناسبه هو أيضا ـ عند تأبينه للمرحوم الطيب السحباني يوم الثلاثاء 7 ديسمبر 2010:
“نودّع اليوم المناضل الكبير والسياسي المتميّز والديبلوماسي اللامع والبرلماني الفذّ الذي وافاه الأجل المحتوم بعد حياة كرّسها للنضال السخيّ الصادق والبذل والعطاء الزّاخر من مختلف المواقع وفي سائر المراحل من أجل رفع راية تونس وازدهارها”.
رحم الله الأستاذ فؤاد المبزّع الصادقي الصادق وجزاه عنّا خيرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى