صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ في ذكرى وفاة الشيخ الطاهر بن عاشور: قدم مشروعا تقدميا لإصلاح التعليم..

slama
كتب: نوفل سلامة

مرّت بنا منذ أيام قليلة ذكرى وفاة المصلح والمجتهد والمفكر صاحب التفسير الكبير للقرآن ” التحرير والتنوير ” الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي وافته المنية يوم 13 أوت 1973 عن عمر يناهز أربعة وتسعون سنة…

والمتحدث عنه في هذه المقالة هو أحد أعلام الحركة الإصلاحية في تونس وأحد علماء الدين التونسيين الذين ذاع صيتهم في العالم الإسلامي مشرقا ومغربا من الذين تركوا بصمتهم فى الحياة الفكرية والدينية في زمن الإستعمار، وبداية فترة الاستقلال قبل أن يتم تجاهله من قبل النخبة التونسية…

وتنساه الدولة كأبرز العلماء والمفكرين الذين انجبتهم البلاد حيث لا يعلم التونسيون تقريبا شيئا عن قيمته العلمية و منجزه الفكري وحتى تفسيره للقرآن الكريم الذي يعد من أفضل التفاسير التراثية لا يكاد يعرفه أحد ولا يرجع إليه في فهم وتأويل آيات الوحي في حين يحظى هذا التأليف باهتمام كبير في المشرق الإسلامي فضلا عن الكثير من دول العالم الإسلامي.

قضية مركزية

تمثل قضية الإصلاح الديني ومن ورائه إصلاح المجتمع قضية مركزية في فكر ووجدان الشيخ الطاهر بن عاشور حيث بدأ الإدراك مبكرا بضرورة إحداث تغييرات جذرية في المجتمع التونسي وضرورة مواصلة الجهد الإصلاحي الذي بدأ فيه الكثير من المفكرين التونسيين منذ القرن التاسع عشر وحتى قبل ذلك، وكانت القناعة راسخة لديه بضرورة تطوير المجتمع بما يجعله يدخل في مسار الحداثة الذي دخل فيها العالم ويواكب حركة التنوير التي انتقلت إلى الكثير من الدول والمجتمعات قادمة من عاصمة الأنوار فرنسا بعد أن اطلع على ما يحصل في هذا الفضاء الفكري من نهضة علمية وفكرية مؤثرة…

مجتمع تقليدي

يقر الشيخ الطاهر أن موضوع إصلاح المجتمع أمر صعب وأن التفكير في هذا الإصلاح ليس بالأمر الهين في بيئة محافظة كالبيئة التونسية التي يهيمن عليها التيار التقليدي المحافظ الرافض لكل تغيير وغير قابل بإدخال أي جديد على بنية المجتمع وتركيبته وعاداته وتقاليده، وما توافق عليه لعقود من الزمن غير أن الشيخ ورغم انتمائه إلى مؤسسة دينية محافظة في أغلبها كانت مؤتمنة على الموروث الإسلامي وتعتبر نفسها الضامنة لبقاء المجتمع متماسكا في فكره وسلوكه وحياته والضامنة لصد محاولات محاولة تغريبه وإبعاده عن هويته وإضعافه بإدخال عادات وتقاليد ونمط تفكير وعيش لا يعرفه التونسيون.

بلوغ الريادة

كان هاجس الإصلاح مهيمنا عليه وهو في سن مبكرة وكان إصلاح أوضاع التونسيين يشغل تفكيره وهو الشيخ الأكبر للجامع الأعظم وقلقا لازمه وهو المجتهد الذي كتب في تفسير القرآن الكريم وفي المقاصد وفي النظام الاجتماعي لقناعة حصلت لديه أن أي تغيير للمجتمع وإصلاح له يكون من مدخل الدين ومراجعة المقولات الدينية وفتح باب الاجتهاد للتفكير وإعمال العقل فهو يعتبر أن عملية الاصلاح كما وردت في الكثير من آيات القرآن هي عملية مطردة من أجل بلوغ الريادة وتحقيق النهوض الحضاري والإبقاء على مستوى علمي متقدم في عالم سائر بطبعه نحو الأمام وفي عالم لا مكان فيه لمن يبقى في مكانه جامدا لا يتحرك ومنزو على نفسه وفي عالم يحتاج إلى أن تكون عملية الإصلاح متواصلة لا تتوقف.

مسألة صعبة وخطيرة

هذا التفكير في إصلاح المجتمع التونسي مما علق به من أدران التخلف والتراجع الحضاري والجمود الفكري جعله يطرح مسألة الإصلاح وينخرط في هذا المسار الإصلاحي ويختار إصلاح التعليم مدخلا لإصلاح المجتمع وإصلاح الفكر الديني والمؤسسة الدينية فكان أن كتب كتابه الهام ” أليس الصبح بقريب ” وهو في سن 23 من عمره.
يقر الشيخ بأن مسألة إصلاح التعليم وخاصة التعليم الزيتوني مسألة صعبة محفوفة بالكثير من المخاطر ويقر كذلك بوجود الكثير من المحاولات التي سبقته حاولت إصلاح التعليم غير أنها قد حادت عن مرماها وضلت طريقها وتعثرت ولم تكتمل وحوّل من كان وراءها أنظارهم إلى ميادين أخرى للإصلاح غير إصلاح التعليم وهذا الوضع لم يكن يسمح بأي اقتراب من المؤسسة الزيتونية ولم يكن مواتيا للخوض في إصلاح واسع النطاق البلاد كانت في حاجة إليه لتحقيق النقلة المرجوة للمجتمع قد عايشه الشيخ وهو يقر العزم على تقديم مشروع متكامل للتعليم في تونس و العالم العربي من خلال وضع تصور مفصل لكيفية تطوير التعليم الديني…

لقد اعترف في كتابه بأن كل من يدعو إلى الاصلاح يواجه بصد واتهام بسوء القصد وبأن النهج المتبع قد أوصل أسلافنا إلى أعلى مراتب النجاح وأنجب أساطين العلماء لذلك فلا حاجة لنا إلى إدخال إصلاح على التعليم الديني.
يقول الشيخ الطاهر بن عاشور ” لطالما كنت أقدم رجلا وأؤخر أخرى وأعلم أن نور عقلي هو دون إضاءة هاته المجاهيل التي صفدت عليها منافذ الأنوار والأهوية الخالصة فامتلأت بالحوامض الرديئة منذ زمن .. فكان واجبا علينا خدمة للملة وتهيئة للنشأة العلمية التي تزين مستقبلنا وتمجد ماضينا أن ندخل تلك المجاهيل نرفع بإحدى يدينا النور ونقطع بالأخرى ما يمانع من حجرات العثور…”

إصلاح جذري

هكذا يقر الشيخ أن هناك تأخرا واضحا في التعليم الزيتوني يحتاج إلى إصلاح جذري نتيجة عدم مسايرة التعليم لنظام الحياة الاجتماعية. تغييرا يستدعي تبديل الأفكار والأغراض والقيم العقلية وهذا التغيير قد استدعى تغيير أساليب التعليم ومقادير العلوم المطلوبة وقيمة و كفاءة المتعلمين لحاجة زمانهم لإصلاح برامج التعليم.

مواطن الضعف في التعليم

يتحدث الشيخ الطاهر بن عاشور في مشروعه الإصلاحي الذي حواه كتابه أليس الصبح بقريب عن أسباب تأخر التعليم فيذكر مسألة الإكثار من الحفظ والاقتصار على العلوم الشرعية واللغة وغياب حرية النقد الصحيح للوصول بالعقول الى درجة الابتكار أي ابتكار المسائل ويوسع المعلومات كما ابتكرها الذين من قبل.
أزمة التعليم التونسي في نظر الشيخ الطاهر كما طرحها في مشروعه هي أزمة مدرسين يقوم عليهم الاصلاح وإطار تربوي يحتاج إلى تجديد في معارفه وأزمة منظومة تربوية لا تواكب التحولات المجتمعية ومضمون دراسي لا يستجيب لما يحصل في المجتمع من تغير وتطور يتطلب الأمر معه إلى تغيير كل شيء من تغيير الأساليب إلى تعيير المناهج الى تغيير التصور والغايات من التعليم للإجابة على السؤال المركزي لماذا نبني المدارس ونعلم أبناءنا؟

هل حانت ساعة الاصلاح؟

ما يلفت الانتباه في مشروع الشيخ الطاهر بن عاشور لإصلاح التعليم أن كل الأسئلة التي طرحها الشيخ المصلح وكل التشريح لأزمة التعليم في تونس كما تحدث عنها في زمن الاستعمار وكل التقييم الذي قام به لتطويره وكل الإصلاحات التي اقترحها بدءا بالزمن المدرسي ومضمون المقررات مرورا بالفضاء المدرسي والمناهج والمسائل البيداغوجية وانتهاء بالمربي والمدرس الذي يقوم عليه الاصلاح، هي كلها قضايا لا نزال نخوض فيها اليوم ولم نحسم فيها القول وكأننا لا زلنا في زمن الشيخ الطاهر بن عاشور لما طرح على التونسيين مشروعه لإصلاح التعليم .. كتاب أليس الصبح بقريب كتاب مهم نحتاج أن نرجع إليه ونحن نستعد إلى القيام بإصلاح المدرسة التونسية والتعليم التونسي الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى