عيسى البكوش يكتب/ الأوائل: الدنڤزلي، بوحاجب والغطاس

كتب: عيسى البكوش
جميل أن نذكر ـ وأن نتذكر ـ الأوائل الذين اقتحموا مجالات علمية معززين بـ شهائد أكاديمية من جامعات يشار إليها بالبنان إلى حدّ هذا الزمان.
هم ثلاثة ولدوا في الربع الأخير من القرن قبل الماضي، نشأوا في بيئة متميزة بالنسبة لأسرهم ولكنها ما كانت كذلك بالنسبة للمجتمع الذي بدأ الحراك الاجتماعي يدبّ فيه منذ ثورة علي بن غذاهم عام 1864 وتهيؤ الدولة الحسينية للحماية الفرنسية عام 1881 والتي تحوّلت بمقتضى معاهدة المرسى في جوان 1882 إلى استعمار ولو كان مقنّعا…
خير الدين التونسي
ولكن من حسن طالع هذا البلد أن وهب الله لها أحد المماليك الذي أحبّه كما لم يحبّه أحد من قبله اللهم إلا إذا استثنينا حنبعل وقد ناله ما نال صاحبنا من تعسّف ونكران.
فلقد استشرف خير الدين التونسي الخطر القادم من الشمال فأوجد قلعة لتهيئة جيل قد يرفع التحدي وينهض ببلده حتى يفك قيود المستعمر فأنشأ المدرسة الصادقية إلى جانب تطوير مناهج التعليم في الزيتونة فكانتا منارتي التحرير والتنوير.
ثلاثتنا مرّوا من المدرسة المطلّة من أعلى الهضاب على تونس المحروسة ولو أنّ أحدهم ـ أحمد الغطّاس ـ أتمّ دراسته بمعهد كارنو شأنه شأن البعض من الصادقيين ولعلّ أشهرهم الزعيم الحبيب بورقيبة.
الدنڤزلي أول طبيب في تونس
أوّلهم البشير الدنڤزلي المولود يوم 12 فيفري 1869 بالحاضرة وهو ينحدر من عائلة جند أتراك وله أخ سبقه في الانتماء للصادقية إذ أنّه من خريجي الفوج الأوّل وهو مصطفى الذي تولى عدّة مسؤوليات إدارية ولعلّ من أهمّها في نظري تعيينه على رأس بلدية أريانة المستحدثة يوم 1 نوفمبر 1908.
تحوّل البشير الدنڤزلي بداية إلى الجزائر لدراسة الطب ثمّ انتقل إلى فرنسا فكان أوّل طالب تونسي يدرس الطب وبالتحديد في كلية بوردو حيث تخرّج سنة 1897 بتحصله على شهادة الدكتوراه بفضل أطروحته حول مرض الجدري في تونس.
ولعلّ ذلك ممّا حمله عند عودته للعمل كطبيب لبلدية تونس حيث ساهم في الحملات التي نظّمت للقضاء على الأوبئة مثل التيفوس والكوليرا، كما أنه التحق بالصادقية ولكن هذه المرّة كطبيب للصحة المدرسية.
كان بشهادة معاصريه متمتّعا بثقافة وعلم متينين ولم يتوان على إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات حول الوقاية وقد أهلته مكانته العلمية لانتخابه عضوا مراسلا للأكاديمية الفرنسية للطب.
توفي بالخارج يوم 3 سبتمبر 1934 أثناء جولة سياحية قام بها للاستجمام..
علي بوحاجب أول صيدلي
أمّا الثاني فهو علي بوحاجب واسمه الصحيح علي كشّوخ ولكنه فضّل الانتساب إلى جدّه للأم الشيخ سالم بوحاجب، وقد ولد سنة 1887.
بعد تخرّجه من الصادقية بإحرازه سنة 1908 على شهادة الباكالوريا بامتياز سافر إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا بكلية الصيدلة بتولوز ثمّ عاد إلى تونس ليفتح صيدلية بنهج باب الجزيرة، ولكن لمّا لاحظ أنّ سكان الحي الأوروبي لا يقبلون على شراء الأدوية لدى صيدلي “أهلي” حوّل صيدليته إلى حي الحلفاوين ولعلّ هذا المكان مكّنه من الارتباط بروّاد الحركة الوطنية من أمثال عبد العزيز الثعالبي فانتمى إلى الحزب الدستوري وكان يكتب في جريدة “La voix des Tunisiens ” تحت إمضاء “Le Guenillard ” صاحب الثياب البالية، إذ أنّه كان يحذق اللغة الفرنسية بل يمتلكها امتلاكا.
ولكن ما لبث أن تخلى عن الحياة السياسية وفضّل الانزواء والمشاركة في الحياة الثقافية إذ أنّه من مؤسّسي جمعية الآداب للمسرح إلى أن أدركته السياسة من جديد سنة 1947 عندما اختاره مصطفى الكعاك رئيس الحكومة لتحمّل وزارة الصحّة فكان بصفته تلك الأوّل في هذا المجال ولكن زمن الوزارة مثلما هو معلوم قصير ولو طال، فعاد صاحبنا سنة 1950 إلى صيدليته إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم 25 مارس سنة 1965.
أحمد الغطاس أول محام
ثالث الأوائل هو المحامي أحمد الغطّاس المولود بتونس في شهر جويلية من عام 1897.
على إثر تحصله على شهادة الباكالوريا من معهد كارنو انتقل إلى مدينة Aix en provence في فرنسا لمزاولة تعليمه بكلية الحقوق، ولقد اطلعت على آثار الرجل في سجلاتها.
انخرط عند عودته وانتمى كأوّل محامي تونسي إلى الحراك الاجتماعي والثقافي من خلال انتمائه لجماعة الخلدونية من أمثال البشير صفر ومحمد لصرم ومحمد بن الخوجة وقد حرص على إثراء مكتبتها ونادى بتنظيم دروس في الفرنسية عهد بها إلى الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب.
كان يتمتّع بسمعة عالية في الأوساط القضائية كما الأدبية فكان منتميا إلى النادي التونسي ولكن سرعان ما انتابته بعض الهموم.
يقول عنه الصادق الزمرلي في كتابه ” أعلام تونسيون”: ” لقد استولى عليه اليأس ووهنت عزيمته لما لحقه من إهانة خفيّة من بعضهم دون أن يُفصح عن الأسباب بصفة دقيقة إلى أن التحق بربّ العزّة سنة 1926.
الأوائل
البشير الدنڤزلي (1869-1934) في الطب
علي بوحاجب (1887-1965) في الصيدلة
أحمد الغطاس (1875-1926) في المحاماة