الأمين الشابي يكتب: من الأقدر على تقليم أظافر هذا الوحش سواك؟

كتب: الأمين الشابي
نحن نعيش في زمن السرعة والعجائب والتطور والتكنولوجيا، زمن الصعود للقمر وغزو الفضاء، زمن انتـهاك كلّ الأسرار، فلا وجود للخصوصية حتى في البيوت العادية، زمن انتشرت فيه العيون الإلكترونية في كل شوارع العالم..
زمن استخدام الطائرات كوسائل نقل، زمن استطاع الإنسان أن يخزن معظم المعلومات في شرائح صغيرة بحجم صغير جدا، زمن الرجل الآلي الذي يعمل 24 ساعة دون أن يطلب إجازة ولا أجر، والعجيب أن يقـوم الرجل الآلي بالعمليات الجراحية الخطيرة، كلّ هذا هو زمن العجائب والغرائب.
من يوقف هذا الوحش الكاسر؟
لكن رغم كلّ مظاهر التقدم و سيطرة الإنسان عبر العلم على تطويع كلّ شيء، إلاّ أنّ ذلك لا يخلو من مظاهر توحش هذا الإنسان ضدّ أخيه الإنسان. و قد تجلّت مظاهر هذا في الحرب الأخيرة التي شنّها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين و تحديدا على قطاع غزة، أين تجاوز الإنسان في حق الإنسان كلّ المحاذير بطشا وقتلا و تهديما و تجويعا و حرمانه من أبسط ضروريات الحياة. و الخطير في كل هذا بتطويع العلم و العلوم لتحطيم الإنسان نفسه.
والسؤال هنا من يوقف هذا الوحش المتعطش لشرب الدّماء البشرية و القضاء على كل مظاهر الحياة في هذا الوجود الذي أصبح تحكمه المصالح و العربدة بعيدا عن قيم الإنسانية و العيش بسلام.. ودعنا نسمي الأشياء بأسمائها و نقول، من يوقف توحش الكيان الصهيوني غير أمريكا؟ ولكن السؤال الأهم لماذا يعطي الغرب، عموما، كل هذه الحماية للكيان الصهيوني؟
تكفير على الذنب..
من المفارقات العجيبة و أنّ من يقفون اليوم من الغرب مع الكيان الصهيوني هم من كانوا وراء إيذائه و لعدة قرون. فقد كانت حياة اليهود عبارة عن جحيم حيث كانوا يتعرضون هنالك لكل أشكال الاضطهاد و التمييز و الاحتقار و النبذ.
وقد توج الغرب جرائمه ضد اليهود بالسماح باقتياد ثلة منهم قبل عقود إلى محارق الغاز على يد النازية، وهذا وليد الفكر والمجتمع الغربي، التي ما تزال أفكارها العنصرية متجذرة في عقول الكثير من أبناء الغرب، مهما ادعوا النبل والإنسانية. فهم لم يتحرروا أبدا من مثل تلك الأفكار المريضة، وإنما حولوا وجهتها فقط باتجاه العرب والمسلمين، بدلا من اليهود! و الأدّلة على هذا التحول تؤكدها الهبة الغربية لنصرة الصهاينة على حساب العرب.
وقد يكون ذلك بسبب ما ارتكبه الغرب من جرائم معنوية ومادية بحق اليهود كما تقدم، فأصيب بعقدة ذنب مزمنة نحوهم، ونحو الكيان الذي أقاموه لهم على أنقاض فلسطين، فبات المساس بذلك الكيان خطا أحمرا لا يغفر لمن يتجاوزه، مهما كانت المبررات. وكأنهم بذلك يحاولون تعويض اليهود عن بعض ما فعلوه بهم! لتصبح مشكلة العرب مع هذا الكيان و من ورائه الغرب مشكلة مركبة و معقّدة.
ما هي مشكلتنا مع الكيان و الغرب عموما؟
إن مشكلتنا مع الغرب عموميا والكيان الصهيوني خصوصا هي مشكلة ثلاثية الأبعاد، فهي عقائدية و سياسية واقتصادية:
عقائدية، وبالتالي علينا أن نفهم ذلك، و أنّه عقائديا لا كما كان في زمن الصليبية، بل اليوم نواجه قادة عقائديين وسياسيين يسعون إلى استغلال ثرواتنا كمسلمين. تارة بالتهديد بالغزوات العسكرية، وتارة بوضع الخطط الطائفية لإيهام الناس أن هناك فئات مظلومة ويجب مساندتها.
وكثير مـن الألاعيب الأخرى التي لا تخفى على من عنده بصيرة.
وهذه الحروب العقائدية، يسوق لها الغرب تحت مسمى ” الحرب على الإرهاب “. ثمّ زاد عليها، بعض المنافقين والحدثين من أمتنا، بعض المصطلحات التي أريـد بها التضليل. وكل هذه المصطلحات لتبرير الفساد والإجرام حيث القتل والخطف والسجون والتعذيب والقهر والظلم واستعباد الناس. ووجد هذا الغرب ضالته في هذا السبب. فأعطى بالتالي الضـوء الأخضر للمجرمين في الغرب بأن يعيثوا فسادا في قدرات بعض الدول لعلّ العراق في مقدمتها. . الكل يدرك و أنّ أمريكا هي أكبر دولة في العالم، فهي تغزو كما تشاء وتبيد النـاس وتخلـق الأزمـات الإنسانية في ديارنا، وتدعم كل حكام بلادنا وتساندهم في حكمهم و لكن الأخطر فهي تدعم الكيان طولا و عرضا.
سياسية، لأنّها تريد ابعاد كلّ خصومها خاصة القوى الجديدة الصاعدة على غرار روسيا و الصين و الهند، باعتبار و أنّ صعود هذه الدول يعني خسارة أمريكا من الهيمنة على أماكن نفوذها عبر العالم. و هذا ما نلاحظه من سباق محموم في هذا الاتجاه. و ما توغل الصين وروسيا في مناطق من افريقيا إلاّ أحد الوجوه المهددة لخسارة أمريكا من بعض مناطق نفوذها في القارة الافريقية على سبيل المثال لا الحصر. و بالتالي ما الحرب الروسية على أوكرانيا و وقوف الغرب إلى جانبها إلاّ وجه من الوجوه الخفية لمعركة النفوذ عبر العالم.
اقتصادية، حيث لا يخفى على أحد و أن الغرب يبحث على مصالحه لدى الدول العربية و الإسلامية و إن استعمل ازدواجية المعايير للحكم مع أو ضدّ هذه الدول، المهم لدية من تدفع أكثر و من تكون لديه سوقا لمنتجاته المختلفة وخاصة العسكرية منها. فهي – و هذا ما لا تظهره أمريكا للملأ –غير راضية عن المؤسسة الدينية في بعض الدول الاسلامية و العربية و لكن مادام حكام هذه الدول يمدون أمريكا بالنفط و الخيرات و هي بمثابة السوق لسلعها، فلا بأس أن تغمض عينها على الجانب ” الديني ” الذي تراه، لدى غيرها من الدول، تطرفا وجب محاربته باعتباره إرهابا في منظورها؟
الكيان ضعيف رغم أنف من أمريكا
الكيان، و من ورائه الغرب، لا يحارب فلسطين في الحقيقة فهو يحارب حسب اعتقادي منهجا للحياة و يخوض ضد المسلمين حربا ضروسا. فحربه أكبر من الحرب على الإرهاب, فهـو يحارب منهج حياة على الأرض, فهو عندما يشرع للزواج المثلي سواء من الذكور أو الإناث، أو يحلل كـل المحرمـات الواضحة، فعندئذ يتدخل في الفطرة. و بالتالي سـوف تجـد الأمراض تارة والكوارث تارة أخرى. و لكن استغرابي ممن ساندهم من المنافقين والحـدثيين في دولنا العربية والإسلامية. فكل العالم يرتعب من أمريكا و ربيبها الكيان الصهيوني. و كأنّها هي من تقسّم الأرزاق و تعطي الشرعية من أن نكون أو لا نكون كدول عربية و إسلامية؟
و من هذا المنطلق تتضح كل المبررات لعدم تقليم أمريكا لأظافر هذا الكيان الصهيوني المتوحش، باعتبار تداخل المصالح بينهما. فهو الحارس الأمين لمصالحها. و هي – أمريكا – تقف لحمايته بكل قواها العسكرية و المادية و المالية و اللوجستية. و الدليل واضح أمامنا خاصة في هذه الحرب الأخيرة على قطاع غزة؟ و لكن نقول رغم كلّ تلك الخسائر في الأرواح و كل التهديم الذي طالت محلات السكن في غزة و كلّ ما هو ضروري في الحياة من مستشفيات و مدارس و كنائس و مساجد و منع الغذاء و الماء و الدواء، فقد تلقى هذا الكيان صفعة قوّية من قبل المقاومة الصامدة و غيّرت نظرة كل العالم لهذا الكيان الضعيف لو لا الدعم الأمريكي و الغربي له على وجه العموم. كيف لا و قد لقنته درسا عميقا في الرجولة و الصمود رغم وقوف أعتى القوى معه مساندة وتسليحا و استشارة؟
ســــــؤال أخيــر
أمام كلّ هذه المتغيرات التي أفرزتها هذه الحرب الأخيرة بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين رغم عدم توازن القوى، سؤال كبير يفرض نفسه و مفاده، هل سيغيّر العالم الغربي خصوصا و على رأسه الولايات المتحدة و تقدم على تقليم أظافر هذا الوحش الضاريي؟ هذا أوّلا، و هل تتغير نظرة الغرب تجاه القضية الفلسطينية التي طال أمدها لأكثر من 75 سنة من الاستعمار الاستيطاني و السجون و القتل و التهجير القسري و الحروب الكثيرة و الوحشية في التعامل مع أبناء فلسطين؟ شخصيا، أعتقد و أن غدا لا و لن يكون مثل الأمس. فقد تتغيّر أشياء كثيرة في نظرة العالم للقضية الفلسطينية. ناهيك و أن الكثير من الدول، رغم التعتيم الإعلامي، كشف مدى الغطرسة الصهيونية و مدى توحش هذا الكيان و تعطشه لـ شرب الدم الآدمي و مدى وحشيته للتعاطي مع الفلسطينيين، بل و توسع هذا المدّ التضامني مع القضية الفلسطينية. و بالتوازي خسر هذا الكيان التعاطف الدولي؟ وثانيا هل تكون سنة 2023 نهاية آخر استعمار على وجه الأرض و نرى فلسطين دولة حرّة و مستقلة؟
فقد برهنت هذه الحرب الأخيرة أنّ الشعب الفلسطيني هو صدقا، كما وصفه الزعيم الراحل ياسر عرفات، هو ‘شعب الجبارين’ وبالتالي يستحق حياة أفضل على غرار بقية شعوب العالم و إلاّ لا و لن يستقرّ العالم إن لم يحقق الفلسطينيون حلمهم في دولة مستقلة و حرّة و ذات سيادة؟؟