الأمين الشابي يكتب/ حوار عبثي يخدم الكيان المحتّل ويكرّس الاستعمار…

يكتبه: الأمين الشابي
أكثر من 40 ألف شهيد، و حوالي 93 ألف جريح أكثر من نصفهم من بين الأطفال ( 33 بالمئة ) و النساء ( 18 بالمئة ) و الشيوخ ( 10 بالمئة ) و بدون اعتبار من هم تحت الأنقاض و التي تقدر أعدادهم بأكثر من 10 آلاف، فضلا عن قتل 165 صحفيا و هدم 80 بالمئة من مقومات الحياة بفلسطين من مستشفيات و مساكن و مدارس و مساجد و كنائس و غيرها…
يحصد الأرواح
ومازال الكيان يحصد ما أمكن من أرواح الأبرياء بمباركة ومساعدة أمريكية. وفي المقابل مازالت المفاوضات قائمة حول إمكانية التوصل إلى إيقاف هذه الحرب الظالمة على الشعب الفلسطيني، ومازال الحراك الديبلوماسي الغربي لا يهدأ من أجل تطويق التهديد الإيراني كي لا تردّ، تبعا للاغتيالات التي ارتكبها الكيان المجرم في حق إسماعيل هنية ومحسن شكر؟
والسؤال الآن، هل فعلا الغرب وعلى رأسه أمريكا جاد في إيجاد حل ونهائي لمعضلة الشرق الأوسط وجعل حد لهذا الاستعمار الغاشم للأراضي الفلسطينية ولو على أساس حدود 1967 كما يوّد النظام العربي الرسمي؟
الحوار الدائر الآن عبثي وبامتياز؟
الحوار الدائر حاليا، حول إمكانية إيقاف الإجرام في حق الفلسطينيين، أراه شخصيا حوارا عبثيا لا طائل من ورائه للكثير من الأسباب. أوّلها غياب الإرادة الأمريكية لإيقاف هذا النزيف وشلالات الدماء في فلسطين. وثانيا ضعف المجتمع الدولي في إمكانية إدخال الغذاء والدواء لشعب يئن تحت غطرسة الآلة العسكرية الصهيو – أمريكية.
حوار عبثي أيضا للنفاق الدولي الذي نراه في تصرفات الأنظمة الغربية ما اعتبار بعض الاستثناءات. عبثي كذلك لصمت المدقع لبعض المؤسسات والمنظمات الإنسانية والحقوقية وهي التي صدعت رؤوسنا لموت قط أو حيوان أو اعتقال مجرم ولص دولي أو زعيم أحد اللوبيات.
عبثي لأنّ المجتمع الدول يكيل بمكيالين فهو يسوي بين الجلاد والضحية بل أنّه لا يختشي بالقول بأن من حق الكيان الدفاع عن نفسه؟ الدفاع عن نفسه ممّن؟ هل من الذي يرزح تحت نير هذا الاستعمار الصهيوني ويتحمّل كل أشكال الموت والقهر والإذلال والسجون؟ أم ممّن يفتقد لقمة الغذاء وشربة الماء والطبيب والدواء والمسكن اللائق؟ أم ممّن تمّ الاستيلاء على أرضه ووطنه وتمّ تهجيره قسرا؟
وللأسف الشديد، أننا نعيش أسوأ حالات المجتمع الدولي تخلفا وظلما وقهرا ونفاقا. مجتمع دولي، يدافع على الظالم ويقف معه ويتعسف على المظلوم ويقف ضدّه.
ولكن في المقابل وبكل نفاق يرفع، هذا المجتمع الدولي، شعار الحرية والإنسانية والديمقراطية والعدالة وكل الشعارات الرنانة التي لا وجود لصداها على أرض الواقع. فنحن نعيش عصر النفاق في أتعس مظاهره وتجلياته. ومن هنا نرى مدى عبثية هذا الحوار الذي يجري حول الوضع في فلسطين وتحديدا حول غزة الجريحة.
أمريكا تخدم ألاعيب نتنياهو
ولو على حساب شلالات الدم الفلسطيني، لا تتوقف أمريكا – عبر المزيد من الخزعبلات التي باتت مفضوحة وعارية – من لعب دور الوسيط، ولكنه وسيط غير محايد. فكيف لهذه الدولة العظمى أن تكون وسيطا وهي تقف إلى جانب الكيان الاستعماري المجرم. وتقدم له كلّ المساعدات العسكرية والأسلحة واللوجستية والاستخباراتية والوقوف إلى جانبه في مجلس الأمن، عبر استعمال ” الفيتو ” ونقول عنها كونها وسيطا نزيها. هذا لا يقبله إلاّ بسيط في فكره وعليل في تحليله حتى لا نقول متواطئا في عملية التضليل التي تمارسها أمريكا.
فكيف نصدق أمريكا في المفاوضات الأخيرة وهي تقدم للكيان المجرم مزيدا من الوقت لمزيد القتل والهدم والتجويع للشعب الفلسطيني. هذا الكيان المجرم و متعطش لمزيد من الدماء الفلسطينية. فبين الإدارة الأمريكية والكيان تقاسم للأدوار وضحك على الذقون. لأنّ ما يدور في السرّ و خلف الأبواب المغلقة بين هذين الطرفين ( امريكان و الكيان الصهيوني ) مواقف أخرى غير المواقف المعلن عليها في الجهر. فكلاهما يلعب دوره من أجل تحقيق مصالحه على حساب الفلسطينيين.
فـ أمريكا لها حسابات انتخابية الآن – وهي أولى الأوليات – فلا يمكنها بالتالي الضغط على الكيان الصهيوني لاعتبارات انتخابية ومصالح استراتيجية. والكيان من جانبه، مدرك حاجة أمريكا إليه في هذه الفترة الحساسة، وعليه فهو يبتزها بكل ما أوتي من انتهازية وخبث حتى يجني ثمار ما يخطط له ضدّ الشعب الفلسطيني. بل حتىّ يمطط عمر القتل في غزة لينجو هو بنفسه من عقوبة السجن التي تلاحقه سوى داخليا أو خارجيا. ومن هنا كلّ طرف يجد ضالته في الآخر. ومن هنا يتضح تكامل أدوار النفاق التي يؤديها كل طرف منهما، ولكن للأسف الوسطاء العرب تنطلي عليهما بسهولة مثل هذه الألاعيب وتقاسم الأدوار. وتراهم يلهثون وراء بصيص من الأمل أو تصريح من هنا أو هنالك، وهي في الحقيقة لا تعدو إلاّ لحبكة في المسرحية الملهاة المأساة التي يؤدي أدوارها الثعلبان نتنياهو هو وبادين.
تمخض الحوار فولد مزيدا من القتل وهدرا من الوقت
أهم مخرجات الحوار الدائر حول إمكانية إيقاف الحرب الدائرة رحاها في الساحة الفلسطينية، والذي تمّ التمطيط فيه لأسبوع آخر قصد إعطاء المزيد من الوقت للكيان الصهيوني لمزيد من القتل والحبس والتشريد والتعذيب والإهانة والتذليل للشعب الفلسطيني، هي إعطاء نتنياهو هو – إن ظفر بذلك – الفرصة لإنجاز شيء يقدمه للمجتمع الصهيوني لعلّه بذلك يقنعه بأسلوبه الفاشي في التعاطي مع ما يجري على الساحة الفلسطينية. أمّا بالنسبة لبادين، فأهم مخرجاته، محاولة إظهاره وكأنّه الزعيم القادر والقوي على إيقاف هذه الحرب، لا خدمة ولا حبا في الشعب الفلسطيني، بل خدمة لأجندة حزبه الانتخابية ولعله بذلك يترك شيئا تذكره به الأجيال القادمة باعتباره سيغادر سدة الحكم. ولكن الكل يعلم مدى هذا النفاق باعتبار وأن الإدارة الأمريكية هي من يزود الكيان بوسائل القتل وهي أيضا القادرة على إيقاف حمام الدّم الفلسطيني لو كان تريد ذلك.
الأهم في هذه المخرجات هو اثقال الفاتورة الفلسطينية بمزيد من أرقام الشهداء والجرحى والهدم والخراب والتجويع والحرمان من أبسط مقومات الحياة. ومن هنا لم يبق أمام الفلسطينيين إلاّ الصمود، مهما كانت عمق المأساة، خاصة أمام مقاومة باسلة نالت من العدو ما لم يتوقعه، حيث عدد قتلاه أو جرحاه كانت بالمئات إن لم نقل بالآلاف – بل هذا العدد فاق التصور ولكن العدو الصهيوني يخفي حقيقة الأرقام – بل أيضا في العتاد وخاصة النيل من معنويات جيش العدو الصهيوني، رغم عمّا ارتكبه من مجازر وأفعال مشينة في حق الفلسطينيين. فالمقاومة لقّنت العدو درسا لا ولن ينساه بل ولم يعرف مثله طوال أكثر من 7 عقود من استعماره الأراضي الفلسطينية. وهذا هو الأهم، وأنّ العدو لن يتجرأ مرّة أخرى على خوض حروب ثانية بعد أن مرغت المقاومة أنفه في التراب وأذلّته وفضحت صورته ونشرت حقيقته وأذاقته الأمرين؟
كلمة أخيرة للخونة والمطبعين والصامتين و الخانعين
بماذا تريدون أن يذكرهم التّاريخ؟ وبماذا سيصفكم للأجيال القادمة؟ هل بالخونة؟ أم بالمطبعين و الأذلاء و الخانعين والصامتين؟ وأيضا لماذا تنفقون الأموال الطائلة لشراء المعدات العسكرية – وكلامي موجه لبعض الأنظمة العربية خاصة – هل هي خدمة لمصانع السلاح الغربية أم لاستعمالها لنجدة اخوتكم من العرب المظلومين؟ والله أخجل في مكانكم لمثل مواقفكم المخجلة أصلا؟ ولكن، وهذا الأهم، وأنّ التاريخ أثبت وأنّ كل استعمار إلى زوال، مهما طال الزمان – والاستعمار الصهيوني كغيره سيزول وإلى زوال؟ عندها كيف ستتصرفون؟ ومن هنا وصاعدا، نقولها وأن قطرة دم شهيد أشرف من كراسيكم النتنة؟
وأن نعل مقاوم شريف أفضل من ثيابكم المطرزة بالذهب والفضة؟ فقط سيكون في انتظاركم مزابل التاريخ؟ والتاريخ لا يرحم. فهو لن ينسى ألمانيا النازية وبريطانيا الاستعمارية ولا بربرية فرنسا وجنوب أفريقيا العنصرية وإجرام اسرائيل وأيضا خنوع وتواطئ وتطبيع العرب؟ كلكم في سلّة واحدة؟