صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: تونس في رعاية الرحمان وأبنائها الخُلص…

كتب: الأمين الشابي

الدولة التونسية ليست قائمة على شخص واحد بل هي دولة مؤسسات وأجهزة و شعب له قرار وله سيادة، نقول ـ منذ البداية ـ هذا الكلام حتّى يستيقظ بعض المعتقدين في “منامة العتاريس” التي يتوقعون من خلالها وأن تونس قائمة على شخص واحد ولا توجد بها مؤسسات بل فرد يتصرف فيها كما يتصرف الإقطاعي في ‘عزبة’ خاصة له….

بل أصبح البعض يتوهم و أنّ الفرصة سانحة لـ رجوع ‘بعضهم’ إلى سدّة الحكم. فواهم من يعتقد في ذلك، و واهم من يخطط لذلك، وواهم من يأمل في ذلك، و واهم من يسيل لعابه لبلوغ ذلك اليوم…
فهو إمّا أنّه جاهل بتاريخ البلاد؟ أو أنّه لم يقرأ جيّدا هذا التاريخ؟ أو أنّه باختصار شديد ليس له من أدوات التحليل ليعي اللحظة التي تمرّ بها تونس، تونس السلم و السلام  و تونس المحبة و تونس التسامح..ولكن أيضا تونس المواقف الثابتة و تونس التي تصبر على المحن و لكن لا تنسى و لن يمرّ من أهانها بلا عقاب ولا حساب…
ومن هذا المنطلق نقول أن تونس هي في رعاية الله أوّلا و في رعاية أبنائها الخُلص، لا بعض أبنائها العاقين الذين لا يتوانون لخيانتها وإرباكها و تفقيرها وسرقة مقدراتها بل و بيعها حتّى لأعدائها إن توفرت لهم الفرصة ولو من أجل حفنة من الدولارات، فهؤلاء غير مدركين و لا واعين بل باختصار لأنّهم لا ضمير لهم و لا حسّ وطني لديهم و فاقد الشيء لا يعطيه.

لا خوف على تونس

لا خوف على تونس، إلاّ من أبنائها كما توقع ذلك الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، و نحن نعيش صولات و جولات من الخيانة و بيع الأوطان و العمالة و لو بالاستعانة بالقوى الخارجية للنيل من الوطن. ولكن من فضل الله فإنّها في حماية الرحمان الرحيم ” يمكرون و لكن الله خير الماكرين…” فكم عاشت البلاد قبل و بعد الاستقلال من هزّات، و كم عانت من رجّات مزعزعة.
ولكن و بفضل الله و رعايته تتعافى البلاد و تعود من جديد… و الكل يعلم ما عانته تونس من محنة الاستعمار التي جثم على صدرها ما يزيد عن سبعة قرون و في آخر المطاف تمّ اقتلاع هذا المستعمر من جذوره، بالرغم من الثمن المرتفع الذي تكبده أبناء هذا الوطن.

الفتنة الكبرى

ومن لا يستحضر الفتنة الكبرى بين بورقيبة و بن يوسف و ما آلت إليه الأوضاع إلى درجة التصفيات الجسدية و المحاكم الشعبية؟ و غيرها من الصدامات و لعلّ أثقلها على البلاد تلك التي حصلت بين الاتحاد و السلطة، زمن بورقيبة والحبيب عاشور. و لكن، ورغم كل ذلك، فلهذا البلد ربّ يحميه و يجنبه المزيد من المآسي و الهزات و الفتن، و ليعود أقوى.

لا خوف أيضا على تونس في وجود أبنائها الخلص الذين آمنوا بهذا الوطن و الذين لا وطن لهم سواه، عكس أولئك الذين ” ياكلوا في الغلّة و يسبّوا في الملّة ”  و يعيشون فوق ترابه و لكن انتمائهم و أهواءهم و انتسابهم لغير الوطن؟ و من معجزات هذا الوطن و أنّه رغم ‘الربيع العاصف’ التي مرّت به بعض البلاد العربية منذ سنة 2011 فإنّ تونس، كم أسلفنا منذ البداية، هي بلد تحكمها المؤسسات، ودون الدخول في التفاصيل، فقد نجت البلاد بحكمة البعض من أبنائها الخلص و اعتمادهم على الاحتكام إلى المؤسسات وما نتج عن ذلك التمشي من مخرجات، ومهما كانت هي أفضل من إغراق البلاد في حمامات من الدم كما حدث في بعض دولنا العربية للأسف…

ومرّة أخرى ينجو الوطن

ولكن بالرغم ممّا آلت إليه الأمور خلال العشرية  الأخيرة التي ضعفت فيها الدولة و أصبحت بعض مؤسساتها عبارة على
“كاراكوز ” و ” سيرك عمّار ”  بحكم الانزلاقات الخطيرة التي عرفتها البلاد على أيادي من آلت إليهم سدّة الحكم . فكانت التصفيات السياسية و العمليات الإرهابية و سرقات المال العام و ارتهان البلاد عبر المديونية و ما ساد وقتها من عقلية الغنيمة و اعتبار البلاد ” بقرة حلوب ” و الكلّ ينهش في البلاد بالطريقة التي تناسب مصالحه، إلى أن وهب الله لها من يخلصها، من براثن هؤلاء…واتضح وأنّهم الأكثر شراسة و الأقل إيمانا بانتمائهم لوطنهم و لا يرونون في الوطن إلا حفنة تراب و نحلة تغدق  عليهم عسلا، فعاثوا فيها فسادا و هيمنة و اختلاسا و تفكيكا لمؤسسات الدولة وتفقيرا لشعبها و تحقيرا للبلاد أمام المحافل الدولية.
و لكن الله يمهل و لا يهمل، و كأنّ قدر هذه البلاد أن تنجو مرّة أخرى من هذا المأزق الذي كاد أن يقطّع أوصال الدولة، بأن آلت زمام الحكم، عبر الانتخاب طبعا و بطريقة ديمقراطية ـ قال الشعب خلالها كلمته – إلى رئيس آمن بهذا الوطن و آمن بقدرات شعبه في تغيير هذا الوضع، رافعا شعار تطهير البلاد من الفساد و الفاسدين وارجاع ما تمّ نهبه من أموال الشعب… 

تواصل المناورات الخبيثة

يبدو و أنّ هذا الشعار الذي رفعه رئيس الجمهورية و المتمثل في ” محاربة الفساد و الفاسدين و محاسبة المارقين عن القانون ” لم يرق للجماعة التي هي، ربما، مورطة في عمليات فساد و خيانة و تواطئ في حق البلاد و العباد، و عليه تحركّت المعاول و تفننت في طرق التصدي لذلك. فبرزت مكونات جديدة و لوبيات خطيرة و قوى ضغط و عمالة و خيانة.
وتقاسمت الأدوار فيما بينها، لعلّها عبر أحد الوسائل تفسد و تطيح بعملية محاربة الفساد و الفاسدين و تعود مجددا لدفة الحكم. و بالفعل أصبحنا في كل يوم نسمع غريبة، حيث حاولوا هؤلاء و بكل السبل لتحقيق ذلك، سواء عبر تهييج الشعب ضدّ رئيس الجمهورية انطلاقا من اختلاق التحركات ليلا من قبل فئات معيّنة تدفع لها هذه اللوبيات مقابل ذلك أو عبر انقطاع المواد الأساسية لعلّ ذلك يؤلب الرأي العام و يثور ضدّ السلطة القائمة. و لكن يبدو و أنّ الشعب مدرك لهذا الفخ.

انكشف أمرهم

وعليه التجأت هذه اللوبيات إلى العمالة و الخيانة و بيع الوطن و وجدت ضالتها في بعض الجهات الأجنبية و لكن انكشف كل ذلك .و عليه، كان التخطيط للانقلاب ضدّ السلطة كلفهم ذلك ما كلفهم، و لكن انكشف أمرهم …
والأيام القادمة ربما ستكون حبلى بالأحداث من أجل مصارحة الشعب بحقيقة هؤلاء الأبناء العاقين الذين سوّلت لهم مصالحهم  من الركوب على الخيانات…ولكن من فضل الله  – أنّهم قلّة  – و في المقابل تبقى تونس في حماية الله أوّلا و في رعاية أبنائها الخلص…

صبرا يا أهل تونس

لنقول في الختام بأن القادم سيكون، إن شاء الله، أفضل، لأنّ الشعب التونسي صبر وتحمّل الكثير،  بل و لم ينساق وراء الأهواء و لم يسقط في الفخاخ واحتكم لضميره و انحاز لوطنه  و لوطنه فقط، و سيعم الخير ان شاء الله و يجبر الله صبر هذا الشعب الذي تحمّل الوزر الثقيل، و ما الغيث النافع إلاّ أحد بشائر هذا الخير المرتقب  فضلا عن مساعدة الجهات الأجنبية الصديقة و الشقيقة  – التي آمنت بهذا الوطن و سيادته – لتجاوز هذه الأوضاع الاقتصادية و المالية الصعبة ، إلاّ بتوفيق من الله…
وعاشت تونس، بلا خونة و لا فاسدين، حرّة أبد الدهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى