الأمين الشابي يكتب: الدورة 41 لمهرجان بنزرت الدولي ‘لها وعليها’…

قراءة: الأمين الشابي
رضا النّاس غاية لا تدرك، هذا ما يقوله جلّ أعضاء الهيئة المديرة لمهرجان بنزرت الدولي، أمام آراء المتتبعين لهذه الدورة الأخيرة عدد 41 لمهرجان بنزرت الدولي، فمن هؤلاء المتتبعين من يقرّ بنجاحها على كلّ الصعد، ومنهم من يراها من أفشل الدورات التي عرفها هذا المهرجان.
وبطبيعة الحال، لا يمكن مصادرة آراء الآخرين مهما كانت وعليه، في انتظار، أن تلتئم – كما وعد مدير مهرجان بنزرت الدولي، لطفي الصفاقسي، جلسة تقييمية لهذه الدورة الأخيرة، فإنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل هذه الدورة تحت المجهر، على أساس الموضوعية والواقعية. ونرى ما لها من نقاط تحسب لفائدتها، وما عليها من هنات لابدّ من تداركها.
دورة تغيير وصيانة
من أهم الوصف الذي يمكن أن ننعت به هذه الدورة، بكونها تعتبر دورة تغيير وصيانة بامتياز. دورة تغيير، من حيث قانونية الهيئة، باعتبار وأنّها انبثقت عن عملية انتخابية، بعد تخبط وانتهاك لقانون الجمعيات لمدة تفوق العقد من الزمن.
وهذا الوضع السابق، أدّى إلى تجاذبات أوصلت إلى أروقة المحاكم، حيث كلّ طرف يتهم الطرف الآخر، إلى أن أفرزت العملية الانتخابية هيئة قانونية، احترمت كلّ الإجراءات، بقيادة السيد لطفي الصفاقسي.
دورة صيانة، باعتبار وأنّ الهيئة الجديدة بادرت ببرمجة عملية صيانة عامة لـ فضاء مسرح الهواء الطلق حافظ عيسى وكذلك مقر الإدارة ومحيطة، وذلك على ثلاث مراحل، أنجزت منها القسط الأول، وتعلّق خاصة بصيانة الركح والشبكة الكهربائية والمدارج والكراسي ومقر الإدارة وتنظيم محيط مقر المهرجان. فضلا عن اعتماد على التذاكر الإلكترونية عند الدخول.
وهذه الإصلاحات تحسب للهيئة المديرة الجديدة باعتبار أنّها رفعت الكثير من النقاط السوداء بمقر مسرح الهواء الطلق، في انتظار مواصلة بقية عمليات الصيانة المبرمجة حسب الأقساط.
برنامج الدورة 41 لا تشكر ولا تذم
في قراءة موضوعية لـ 17 عرض التي تمت برمجتها خلال الدورة 41 لمهرجان بنزرت الدولي والتي امتدت من 17 جويلية إلى 20 أوت 2024، ما ميّز برمجة هذه الدورة، هو الرجوع إلى تقليد عرفه مهرجان بنزرت، والمتمثل في أن يكون الافتتاح بعمل محلّي بنزرتي، وقد أثثه، في هذه الدورة، الفنان محسن الماطري. وإن كنّا نشدّ على مثل هذا التوجه، فلا يفوتنا أن نشير إلى إمكانية استغلال هذا العرض، الذي تكلّف على ميزانية المهرجان، وبالتالي تسويقه إلى بقية المهرجانات الصغيرة داخل حدود الولاية ولو بسعر رمزي.
العروض المسرحية، اجمالا كانت ناجحة
في المجال المسرحي، رغم إعادة عرضين سبق لهما أن أثثا دورات سابقة، من جملة 4 عروض مسرحية، فإن كلّ هذه العروض نجحت إجمالا من حيث الحضور ومن حيث المضمون، أوّلا، لمسرحية البوابة 52، لـ دليلة المفتاحي. وثانيا من حيث كانت في هذه البرمجة للأطفال نصيب عبر مسرحية “برج الأقحوان الذهبي”
الحفلات الموسيقية “عروض “بايتة” و ” مجمّرة”
إذا استثنينا، ربما، عرض ” سهرة الأغنية التونسية التي أثثها كل من غازي العيادي وأسماء بن أحمد ودرصاف الحمداني، فإنّ بقية العروض يمكن نعتها ” بالبايت و ” المجمر”. فعرض ” الزيارة” تمّ عرضها للمرة التاسعة.
وكذلك حفل لطفي بوشناق، لأكثر من مرّة. أيضا عرض ” مرتضى الفتيتي” الذي سبق أن اعتلى مهرجان بنزرت الدولي. ولكن رغم جلب هذه العروض الجماهير الغفيرة، إلى درجة نفاد التذاكر قبل عدّة أيام من بدء العروض، على الهيئة البحث عن غيرها من أجل التنويع والانفتاح على بقية الأنواع الأخرى من الموسيقات، في حين يمكن القول وأنّ العرض الجديد واليتيم بعنوان هذه الدورة عدد 41 ، كان لنجلاء بعنوان ” الزردة”
عروض الفن البديل
صحيح أنّ مثل هذه العروض للفن “البديل” – التي أثثها كل من ” سمارة” و ” و علاء / جحنون ” و ” نوردو” – أنعشت ” كاسة ” المهرجان ولكن أيضا جلبت الكثير من المشاكل من حيث المقذوفات وانخرام النظام، خاصة إذا ما علمنا وإنّ شريحة الجمهور لمثل هذا الفن ” البديل ” هم من شريحة عمرية معينّة. وبالتالي ما هي العبرة التي قدمناه لشبابنا، غير ” قذف القوارير ” والتدافع والخوف وانخرام النظام. من هذا المنطلق لابدّ من إعادة النظر في مثل هذه العروض وترشيد اختيارها، حتى لا يقع الفأس في الرأس؟
ما معنى عرض ” يلاّ بنزرت نغني “
قد نكون محدودي الفهم وقد نكون لا نفهم مثل هذه ” الطلعات ” التي يأتيها البعض من منظمي الحفلات، ولكن وحقيقة لم نتمكن من استيعاب ماهية هذه سهرة ” يلاّ بنزرت نغني”، حيث حضرت عناصرها الموسيقية بمختلف آلاتها الكلاسيكية والعصرية، لتعزف ألحان بعض الأغاني على غرار بعض مقتطفات من أغاني أم كلثوم وعبد الحليم وبعض ألحان للأغاني التونسية وتطلب، بالتالي، من الجمهور أن يكون هو الفنان والمطرب والمؤدي والعنصر الفاعل في مثل هذه السهرة؟ فقط ما فهمته وأن الجمهور دخل العرض بالمال وغنّى بنفسه ولنفسه والفرقة هي من قبضت كلّ المال؟؟ لله في خلقه شؤون؟؟ و لم نر في هذه لسهرة – العجيبة و الغريبة – إلاّ ” الضحك على الذقون”.
دورة لهــا وعليهــا
اجمالا، يمكن القول وأنّ عامل الزمن الضاغط، لم يمنح للهيئة الجديدة الوقت الكافي للبحث والتدقيق عند برمجة عروض هذه الدورة عدد 41 وقد ألمح إلى ذلك مدير هذه الدورة لطفي الصفاقسي خلال الندوة الصحفية التي سبقت انطلاق الدورة. ولكن هذا لا يمنعنا من ابداء بعض الملاحظات حول هذه الدورة سواء من ناحية التنظيم أو البرمجة أو التأكيد على جوانب بعينها.
1/في التنظيم عموما:
لا بدّ من إعادة النّظر فيما يسمى بالمنّصة الشرفية، الذي من المفروض أن يعمّها الهدوء والتنظيم أكثر من غيرها. ولكن الواقع أثبت عكس ذلك تماما. حيث أصبحت حكرا على أفراد بعض أفراد عائلات بعض أعضاء الهيئة المديرة وبعض الوجوه الإعلامية المقربة من الهيئة وبعض أفراد أعوان الأمن. وليختلط هنالك الحابل بالنابل وتفقد تلك المنصة هيبتها وشرفها. فالبعض يرقص والبعض يتحرك في كلّ الاتجاهات والبعض يعربد والبعض يأكل ويشرب ويلقي بما تبقى أرضا؟؟
التدقيق في اختيار لجان التنظيم التي لها الخبرة وصفة الانصات عند التعامل مع مرتادي المهرجان، بعيدا عن النرجسية والتجاوزات و ” زيد الماء زيد الدقيق ” و ” من راسي تقرع” فالمجال مجال فرح وترويح عن النفس لا مجال اثارة المشاكل مع المواطن.
العمل، مع مزيد من التناغم بين أفراد الهيئة المديرة، بعيدا عن التجاذبات الشخصية وإرساء جوّا من التفاهم بطرق حضارية حول أي طارئ، فالكل مسؤول عن جانب من التسيير. فالترفع والنجاعة في تحقيق المطلوب هي أساس أي عمل جمعياتي. أمّا التفرّد بالرّأي أو محاولة وضع العصا في العجلة، فهي وراء كل فشل.
ضرورة تخصيص مكان لرجال ونساء الصحافة والإعلام وتمكينهم من تسهيلات في التنقل في أرجاء فضاء المسرح، بعيدا عن تقسيم الأماكن التي يمكن أن يرتادها أو يمنع من ارتيادها، الصحفي أو الإعلامي. فضلا عن إعادة النّظر في قرار حذف الشخص الثاني المرافق للإعلامي من على شارة الدخول للعروض ( البادج ) و هي ” المزية ” الوحيدة له خلال فترة المهرجان. وهذا، من بين ما وعد به، مدير المهرجان الحالي في أجل حلحلة هذه النواحي.
مزيد من العمل على تنظيم مواقف السيارات المحيطة بمقر المهرجان من حيث إعادة هيكلتها، حتى تكون فعلا صالحة لركن العربات وتسهيل ولوجها ومغادرتها بطريقة سلسلة وغير معطلة لسيولة حركة المرور.
2/في البرمجة واستشارة أهل الذكر
في البداية، نسوق ملاحظة عامة وهي المتعلقة بكون مهرجان بنزرت هو مهرجان دولي. وهو ما يفرض جلب عروض دولية، وهو ما يمكن من تمكين المقبل والمواطن عموما من الاطّلاع على ثقافات الآخر. وهذا لا يعني البقاء في نفس الدائرة في جلب الأسماء العربية المعروفة والمتداولة على جل المهرجانات التونسية. بل لابدّ من توسيع هذه الدائرة ” الدولية ” ثقافيا. وبالتالي الاطلاع على العروض الدولية الهامّة، سواء موسيقيا أو مسرحيا أو غيرها.
عند اختيار البرمجة، لابدّ من مراوحة بين ما هو ثقافي وفرجوي وتجاري. وذلك حتى لا يحيد المهرجان عن الأهداف التي بعث من أجلها. فـ المهرجان ليس جمعية تبحث عن الربح. بل الدور الأساسي لمثل هذه الجمعيات الثقافية هو نشر الوعي وصقل الذوق العام، تثقيفا وترويح عن النفس، والابتعاد به عن كل الانحرافات الخطيرة. وحتى نحقق ذلك لابدّ من استشارة أهل الاختصاص، في شتى المجالات، بعيدا عن المحاباة و ” العرابن”.
الابتعاد الكلّي عن إعادة سياسة برمجة ” البايت والمجمّر” لأنّه بعرض سريع للعشرية السابقة نلاحظ في كل ما تمّ برمجته تواجد تقريبا نفس العروض ونفس الوجوه لأكثر من مرّة، بعيدا عن التنويع وتكافؤ الفرص بين الجميع من المطربين والمسرحيين. بل التداول، بين العروض التي ترقى إلى مستوى معين، لابدّ منه وذلك على أساس مقاييس موضوعية عند اختيار العروض والتدقيق فيها. مع النظّر في إمكانية تشريك رجال الاعلام في لجان اختيار العروض؟
وعــــد الحـرّ ديـن
في آخر تغطية لنا لحفل الاختتام للدورة 41 لمهرجان بنزرت الدولي، وعدنا بالعودة إلى هذه الدورة بمقال تقييمي، يقف على نقاط القوة ونقاط الضعف لهذه الدورة، وها نحن نفي بوعدنا ووعد الحرّ دين، ولنقول في الختام عموما وأنّ الدورة 41 للمهرجان قطعت خطوات عملاقة خاصة على مستوى الصيانة. ولكن مازال الكثير من العمل على مستوى التنظيمي واختيار برمجة الدورات القادمة. ومن اجتهد وأصاب فله أجران. فشكرا لكل أعضاء الهيئة المديرة التي عملت جاهدة لحلحلة الوضع بالمهرجان نحو الأفضل.
ونتمنى أن نكون قد ساهمنا بهذا العمل المتواضع في مساعدة هيئة المهرجان، و على رأسهم المايسترو لطفي الصفاقسي، على مزيد من التنظيم على أكثر من صعيد وذلك خدمة للثقافة والجهة عموما. ولا خاب من استشار؟؟