صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ نحو مجتمع إنساني جديد: سياسة خارجية مناهضة لأي تدخل أجنبي

slama
كتب: نوفل سلامة

زيارة الدولة التي أجراها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى دولة الصين الشعبية بدعوة رسمية من الرئيس الصيني بمناسبة الملتقى الصيني العربي تزامنت مع الذكرى 68 لتأسيس وزارة الخارجية في 3 ماي 1956…

واحتفاء بهذه المناسبة ألقى السيد نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج يوم الثلاثاء 28 ماي المنقضي محاضرة فكرية احتضنتها جامعة منوبة حضرها العديد من الطلبة وقدماء السلك الديبلوماسي…

انحرافات خطيرة

تحدث خلالها الوزير عن تاريخ السياسة الخارجية التونسية وثوابت المواقف التي حكمتها، والتي لا زالت تحكمها إلى اليوم…والتقلبات التي عرفتها في عديد من المحطات السياسية و المراحل التاريخية التي مرت بها البلاد كان آخرها مرحلة ما بعد الثورة أين عرفت السياسة الخارجية التونسية حسب رأيه انحرافات خطيرة أثّرت على صورة البلاد وأفقدتها توازنها المعهود كبلد معروف بخطه المعتدل الوسطي في التعاطي مع مجمل القضايا التي أثمرت روابط صداقة واحترام مع الجميع ومما جاء في حديثه قوله: ” إن زيارة الدولة التي يجريها الرئيس قيس سعيد إلى الصين لا تعني إبدال شريك بآخر فما تبنيه تونس مع الصين لا يكون على حساب شريك آخر، فمن يحترمنا نتعامل معه ونحن لا نريد أن يفرض علينا أي أحد مع من نتعامل وليس لدينا أي مشكل مع أي شريك ونريد من الجميع معاملتنا بالمثل ولا أحد بإمكانه أن يناقشنا في هذا الخيار…

في معنى السيادة

وأضاف القول: إن السيادة الوطنية تعني التعامل بندية والندية لا تعني تساوي الإمكانيات المادية والعسكريّة بل تعني الوقوف الند بالند عند اتخاذ القرار، وأن لا نقبل بمن يتدخل في شؤوننا الداخلية حتى وإن كان ذلك عبر بعض التونسيين وأن تونس تعمل وفق ثوابت ووفق تفكير رصين في علاقتها بالآخرين، وأنه رغم الانقسام الموجود في العالم فإن تونس لديها علاقات طيبة مع الجميع وليس لديها أعداء..

واعتبر أنه بقدر ما تكون السياسة الداخلية متماسكة بقدر ما تكون السياسة الخارجية قوية ورصينة وهي سياسة تقوم على العقلانية وبُعد النظر والدفاع عن حقوق جميع التونسيين فهي عصارة التلاحم بين الشعب الواحد وتعتبر السياسة الخارجية الخط الأول للدفاع عن تونس »..

فهل في كلام السيد وزير الخارجية ما يوحي بالقطع مع النظرة القديمة في علاقات تونس الدولية؟ وهل في حديثه عن احترام مبدأ الاستقلالية والسيادية ما يوحي بالذهاب في سياستنا الخارجية نحو فضاء آخر يكون أكثر ملاءمة ومصلحة للبلاد وللشعب؟

نحو حلف جديد؟

وفي الأخير وبطريقة أكثر مباشرتية ووضوحا هل ما صرح به نبيل عمار ما يفيد أن تونس سائرة نحو حلف جديد والذهاب نحو الانضمام الى التشكل السياسي الجديد الذي يرشح نفسه لقيادة العالم في المستقبل خلفا للمنظومة الحالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الغربيين وعلى رأسهم فرنسا، وهو التشكل الذي تقوده كل من روسيا والصين والذي يعمل على تغيير النظام العالمي الحالي وابداله بنظام جديد يكون أكثر عدلا واحتراما لاستقلال الشعوب وسيادة الدول؟

في الحقيقة فإن المحاضرة التي ألقاها السيد نبيل عمار عن رؤية الدولة التونسية لطبيعة العلاقات الخارجية والرؤية التي تتبناها تونس في علاقتها مع الدول التي تشكل منظومة العولمة الحالية والنظام العالمي الذي يحكم العالم في هذا السياق التاريخي الذي يشهد تمردا عليه ومحاولات عدة للخروج عن هيمنته يتماهى ويلتقي مع رؤية الرئيس قيس سعيد للمجتمع الإنساني البديل للنظام الدولي الجديد الذي على ما يبدو أن تونس قد قررت الانخراط في مساره حيث جاء في الكلمة التي ألقاها رئيس الدولة أمام الرئيس الصيني ” شي جين بينغ ” والقادة العرب أننا نرنو إلى بناء تاريخ جديد يسوده العدل ويقوم على الحرية وعلى الإرادة المشتركة في التعاون، وأن العلاقات مع جمهورية الصين الشعبية تتجاوز المسائل الاقتصادية والتبادل التجاري وتبادل السلع إلى تكامل الفكر والثقافة والمعرفة…

خيارات جديدة ومتعددة

بما يعني أن الخيار الجديد في الانضمام إلى هذا الفضاء السياسي الجديد من غاياته الانفتاح على أنماط أخرى للفكر والثقافة والمعرفة غير تلك الأنماط التاريخية التي لا تزال مهيمنة ومتسلطة على العقل التونسي والتي ارتبطت بالذهنية والمعرفة الغربية وتحديدا المجال الفرنكوفوني..
وأضاف القول: خيار الذهاب نحو محور صاعد جديد غايته الانضمام إلى مجتمع إنساني بدأ يتشكل بطريقة جديدة وبدأ يتجاوز النظام الدولي الحالي ويكفي النظر إلى المظاهرات التي تسود عواصم الغرب وتعرفها مجتمعاته للوقوف على أن هناك شيئا جديدا بدأ يظهر ويتشكل في تاريخ الإنسانية، وأن هذا البديل الإنساني وهذا المجتمع الدولي الجديد يقوم على منظومة أخلاقية عادلة لضمان حق الشعوب وحق الإنسانية في التمتع بالصحة والعمل و النقل والتعليم والأجور والحصول على خدمات معقولة بما يضمن الكرامة والعيش بالتساوي بين جميع البشر من دون فوارق ولا تمييز بين شعوب الشمال وشعوب الجنوب ويحقق العدالة بين الدول في التمتع بقدر من الثروات الطبيعية…

تقسيم غير عادل

منظومة عالمية جديدة تعيد النظر في تقسيم العمل الذي يعود إلى القرن التاسع عشر والذي هيمن بعد الحرب العالمية الثانية وتحكم نظامه الرأسمالية في الصناعة والتجارة العالمية وسلاسل الإنتاج العالمي، اتضح اليوم أنه تقسيم غير عادل ولا منصف وإعادة النظر في ظاهرة الفقر ومداخله للحد منه بالقدر الذي يحقق الكرامة لأكبر عدد ممكن من البشر وتنظيم الهجرة غير النظامية والحد منها بعد أن تحولت إلى تجارة بالبشر تدر على شبكات متخصصة ولوبيات متحكمة أمولا طائلة..
منظومة إنسانية تبني مجتمعا إنسانيا جديدا يحترم الحقوق الأساسية للإنسان ومن أهمها حقه في العيش في بيئة سليمة من دون تلوث للهواء و الماء أو تدمير للتربة..

عالم جديد برؤية جديدة

بناء عالم جديد برؤية جديدة تحترم الدول وسيادتها وقراراتها ونظام عالمي يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب بعيدا عن فرض أي شروط مسبقة لبناء الشراكات والعلاقات وبعيدا عن استعمال الهيئات والهياكل والمنظمات لمزيد خنق الشعوب والحكومات بـ إكراهات مالية وغيرها…
مجتمع إنساني جديد يحترم السياسات الخاصة للدول وخيارات الحكومات والصالح العام للشعوب، نظام عالمي جديد يوفر فضاءات لدعم الاقتصاديات والشراكات في مجال التجارة والاستثمار والتمويل والبنية التحتية والموارد البيئية والتبادلات الثقافية والمعرفية والصحية والمالية والخدمات من دون تحكم ولا هيمنة من قبل الدول الكبرى التي تقود هذا الحلف الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى