مذكرات فؤاد المبزع الرجل الذي حكم أخطر مرحلة عرفتها تونس: الثورة بين مخاوف التأسيس ونزوع الحكم..(1/ 7)

إعداد: نوفل سلامة
كنا قد أعلنا بمناسبة اقتراب الذكرى الرابعة عشر للثورة التونسية 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 عن الشروع في سلسلة من المقالات حول أحداث الثورة التونسية بكل آمالها وخيباتها وكل تقلباتها ومنعرجاتها من خلال مذكرات الرئيس الأول بعد الثورة فؤاد المبزع، وآخر رئيس قبل حدث 25 جويلية 2021 محمد الناصر…
الفهم والتدّبر
غايتنا في ذلك تنشيط الذاكرة واستحضار التاريخ وإعادة فتح النقاش حول مسار الثورة من أجل الفهم والتدبّر والعبرة والتوقف مع شهادة شخصيتين قادهما القدر إلى قصر قرطاج ليكونا شاهدين على التاريخ، وكنّا قد خصصنا للرئيس محمد الناصر أربع حلقات نشرت بـ الصريح أون لاين تباعا، واليوم نواصل الحديث عن الثورة من خلال مذكرات الرئيس فؤاد المبزع…
مذكرات الرئيس فؤاد المبزع التي نحن بصدد الحديث عنها هي حوارات نشرت في حلقات يومية بلغت 215 حلقة بداية من 11 جانفي 2023 إلى 18 أوت 2023، ووقفتنا مع هذه المذكرات سوف تقتصر على كل ما يهم الثورة وأسبابها وتداعياتها وكل محطاتها وأسرارها بداية من المذكرة 104 إلى نهايتها.
يستفتح الرئيس فؤاد المبزع مذكراته بالقول: ” لقد قررت أن أنخرط في المسار الديمقراطي من أجل غد أفضل تطالب به الجماهير الغاضبة ومن أجل البلاد والمواطنين ».. من هنا كان اهتمامنا بهذه الشهادة التاريخية لشخصية هي الأخرى قادها القدر إلى أن تصبح وهي في آخر مشوارها السياسي رئيسا للدولة التونسية، ولقناعة حصلت لدينا أن هناك العديد من الأسرار عن حدث الثورة ما تزال بين أيدي أصحابها من المسؤولين في الدولة الذين باشروا جزءا من قيادة البلاد في اللحظات الأخيرة قبل خروج الرئيس الراحل زين العابدين بن علي من تونس، ومن هؤلاء فؤاد المبزع الذي حكم في فترة حرجة جدا من تاريخ البلاد وتاريخ الثورة التي كثُرت فيها المنزلقات وكانت مهددة بـ المنعرجات التي أدت إلى فشلها…
يوم البوعزيزي!
يبدأ فؤاد المبزع حديث ذكرياته عن أحداث الثورة من يوم 17 ديسمبر 2010 اليوم الذي أحرق فيه محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد بسبب شعوره بالظلم ومنعه من الانتصاب لبيع الخضر، وما صاحب هذا الحدث من تضخم الانطباعية في صفوف الناس وغياب للخبر اليقين ليحل محله التعليق الانطباعي، كان هذا حسب رأيه أحد أسباب تشعب الأحداث وتسارعها ما يؤكد أن هذا الحدث لم يلق اهتماما و لا عرف نقاشا في مجلس نواب الشعب ولا في أطر الحزب ولا في الديوان السياسي للحزب ربما للقناعة بأنه حدث لم يتكهن أحد بمآلاته وأنه سوف يكون مؤثرا فيما عرفته البلاد من تغيير دراماتيكي، وكذلك لإصرار الرئيس بن علي على أن يتناوله هو بنفسه ويشرف عليه بمفرده…
لقد كان بن علي يريد أن يباشر ملف البوعزيزي بنفسه حيث توجه الى مستشفى الحروق البليغة للاطمئنان عليه ويرى المبزع أن هذا الموقف من الرئيس كان خطئا فادحا لأنه كان من الممكن أن يطوق الموضوع على المستوى الجهوي ويتحمل الوالي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع…
البداية بـ أحداث الحوض المنجمي
يعلق المبزع على الأحداث وكيف تسارعت حتى تحولت إلى احتجاجات متواصلة والحال أنه كان من السهل تطويق حادثة كان من المفروض ألا تقع، بأن ذلك كان نتيجة المعالجات الفردية التي أصبح بن علي في آخر عهده يتولاها بنفسه وبصفة مباشرة في حين أن المسألة تهم الدولة واختيارات الحكم، وهي سياسة بدأت منذ أحداث الحوض المنجمي التي تعاملت معها السلطة السياسية بالإنكار وعدم الاكتراث وعدم الاعتراف بوجود أزمة في البلاد…
لم يكن حدث حرق البوعزيزي نفسه مطروحا للنقاش في مجلس النواب لانشغاله بمناقشة الميزانية ولم يُطرح إلا بعد 14 جانفي 2011 ليلتئم المجلس ويعلن عن حل نفسه إيذانا بدخول تونس مرحلة جديدة من تاريخها…
تشعبّت الأمور
يوما بعد يوم بدأت الأمور تتشعب وتتعكر اجتماعيا من دون أي تدخل من الحزب ولا من هياكله حتى أصبح على حالة من الضعف والعجز عن فعل أي شيء بسبب إصرار الرئيس الراحل بن علي على إدارة الأزمة بنفسه خاصة، وأنه لم يشكل خلية أزمة تتولى إدارة الأمور كما هو عادة الحكومات التي تمر بمخاطر من قبيل التمرد والغضب والاحتجاجات…
منعرج خطير
في ذلك السياق من تطور الأحداث بدا بن علي ضعيفا وعاجزا و مترددا في إنهاء نفوذ العائلة والمحيطين بها والأطراف الموالية لها التي كانت تتدخل في كل المشاريع الاقتصادية والتجارية بعد أن استولوا على كل المقدرات، وغابت القرارات الجريئة التي لا تغفل أي جزئية ولا تفصيل في سير الأحداث التي من شأنها أن تطوق الأزمة التي أخذت في التسارع خاصة بعد دخول ولايات أخرى في الاحتجاجات ليبدأ المنعرج الخطير والحاسم ولم يفد معها في شيء دعوة بن علي الديوان السياسي للانعقاد… وهو الاجتماع الذي خصصه لتكليف عضوين منه لكتابة بيان للشعب وحصل المنزلق لما بدأت المواجهة مع المتظاهرين باستعمال الذخيرة الحيّة، وبدأ الارتباك في اتخاذ القرارات وفقدان الرؤية بإقالة والي سيدي بوزيد ووزير الداخلية وبدأت عملية محاسبة أفراد العائلة الحاكمة تتوسع وعرفت البلاد عملية تصعيد أمني كبير في التصدي للاحتجاجات….
وكان خطاب ليلة 13 جانفي 2011 الذي وعد فيه بتشغيل 300 ألف عاطل عن العمل ومحاسبة الفاسدين حتى من كان منهم من ضمن عائلته كان آخر خطاب للرئيس بن علي من دون أن يجد له القبول والاقتناع عند الشعب…
ضحية ‘العائلة’
لقد كانت القناعة عند الكثير من الوزراء بأن بن علي ذهب ضحية ‘العائلة’ وبأن خطابه قد تأخر كثيرا.. بداية من سقوط شهداء ليلة 8 و9 من جانفي 2011 في ولاية القصرين وما تبعها من ردة فعل احتجاجات صفاقس في يوم الثاني عشر من جانفي انقلب الوضع دون رجعة، وانفلت كل شيء ولم يعد هناك مجال للإصلاح وتأكد ذلك بوصول الاحتجاجات إلى العاصمة وتحديدا إلى الأحياء الشعبية المهمشة وبداية حرق مقرات الأمن…
مما دفع النظام مع هذه التطورات إلى تبني المعالجة الأمنية. يقول المبزع كل الأحداث التي تلت اليوم الموالي لـ حرق البوعزيزي جسده وضعت في الميزان كامل الخيارات الاجتماعية لنظام بن علي وحتى خيارات دولة الاستقلال، ومن هنا بدأت محاسبة كل خيارات الدولة.
عمليات ترهيب وتخويف؟
في الاثناء كان بن علي يتابع الأحداث ويديرها شخصيا من قصر قرطاج ويبدو أنه من خلال التقاطعات في مستوى المعلومة فإن الرئيس الراحل بن علي قد يكون تعرض إلى التخويف وخضع إلى عملية ترهيب من تحول المحتجين من الأحياء الشعبية لمهاجمة القصر في الوقت الذي كانت فيه جهة قرطاج هادئة حسب شهادة فؤاد المبزع، ونتيجة هذه المعلومات المضللة وغير الدقيقة اتخذ بن علي القرار بحل الحكومة والتوجه نحو إصلاحات سياسية وتشكيل لجان للإصلاح السياسي والإعلامي والاجتماعي في هذه الاثناء يأتي دور أحمد فريعة وزير الداخلية الذي تسلم مهامه منذ يومين فقط ليطلب من الرئيس إطلاق سراح الموقوفين من حزب العمال المقبوض عليهم في الاحتجاجات، ولم يكن بن علي على علم بوجودهم في السجن وهو الطلب الذي لم يقبل به بن علي إلا إذا كان في إطار مقايضة على ما ذكره أحمد فريعة في إحدى حواراته…
كل هذه الإجراءات المتسارعة والتي حتمت التحاق رشيد عمار بفريق غرفة العمليات بوزارة الداخلية لم توقف الاحتجاجات، ولم تمنع من سقوط النظام …
وللمقال صلة…