صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ محمد الجمّوسي (1910-1982): الشاعر الذي نذر عمره للفن (I)

issa bakouche
كتب: عيسى البكوش

الفن الفن
عمري للفن
ما تقول مالك
ولا مالي
أنا الدنيا ما تحلالي
إلا بالفن

لقد اختزلت الذاكرة الجامعة محمد الجمّوسي في خانة المطربين في حين أنه فنان شامل فهو الممثل والملحن والمغني فـ القلم والعود والمصدح والشاشة بحجميها الصغير والكبير كلّ أولئك يعرفهم وعرّف بهم.

ولقد استعرض طوال حياته ما حظي به من نعمة اللّّسان واليد في أرض الله الواسعة، بدأً بـ بلد الزيتونة إلى تونس المحروسة إلى القاهرة أمّ الدنيا إلى مدينة الأنوار باريس فالجزائر البيضاء ثم العودة إلى المعين تربة صفاقس حيث ولد في 12 جويلية من سنة 1910 في بيت آل الجمّوسي الذين اجتهدوا في خدمة الأرض بفضل ما أصبح يُعرف بالمحراث الجمّوسي وهو قبل ذلك وبعده شاعر ينظم كلمات أغانيه بالدارجة ويبوح بوجدانه بالفرنسية لذلك يعده البعض منا من أفذاذ شعراء الفرنكفونية ولو أنه اقتصر على نشر ديوانين يتيمين أودعهما نزر من قصائده.

النشأة

نشأ الجمّوسي في بيئة ديدنها الكدّ والجهد والتقوى. حفظ القرآن وهو هدى وبيّنات ومعين للملكات ومنها ملكة الإنشاء ونظم الكلمات.
كان والده يحفظ الأناشيد الدينية و نوبات المالوف وكان مرافقا للشيخ الكراي المعروف بموشحاته.
عند انتهاء مرحلة التعليم الابتدائي بمدرسة مركز كمون بصفاقس وتحصله على الشهادة الابتدائية سنة 1926 تحول إلى العاصمة ملتحقا بمعهد Emile Loubet – المعهد الفني حاليا – لمواصلة تعليمه التقني فتحصل على ديبلوم في الميكانيك والهندسة الصناعية مما مكنه من الاشتغال في الشركة التونسية للسكك الحديدية قبل أن يحوّل وجهته إلى الشعر والغناء ولعلّ من دوافع انجذابه من العالم الحسي إلى عالم الشعور هو تعلقه بشاعر فرنسي أخذ منه مأخذا غريبا وجرى شعره في وجدانه مجرى الدم في العروق.

رائد في مجال الرومانطقية

هو رائد من روّاد الرومانطقية في الشعر الفرنسي وهو الذي نعته Jean D’ormesson في مدونته عن الأدب الفرنسي بالابن المدلل والشهاب المتألق في سماء الرومنطيقيين في القرن التاسع عشر إذ أنه ولد سنة 1810 وتوفي سنة 1857
هو Alfred de Musset ولقد كان البعض منّا في المدرسة الصادقية يطلق عليه تندّرا اسم ألفريد بن موسى، وهو القائل في إحدى اعترافاته:
Il faut vivre mal pour écrire bien
وهو المعتدّ بنفسه والمتبجّح أمام خليلته Aurore Dupin (1804-1876) المعروفة باسم: Georges Sand
Il faut que le monde sache
Un peu qui je suis et qui il est
وهو القائل أيضا:
L’homme et un apprenti, la
douleur et son maître
Et nul ne se connaît tant
qu’il n’a pas souffert
هذا هو الشاعر الذي ألهم الجمّوسي فيتعلق به إلى حدّ أنه عند إقامته بباريس كان يقف عند قبره في مقبرة le Père-lachaise
هكذا يروى والعهدة على من روى هل يمكن القول أنّ شعر الجمّوسي طبع بأنفاس Musset ؟
اقرؤوا هذه الشذرات من ديوان Le jour et la nuit الصادر عن الشركة التونسية للتوزيع عام 1976
Oui, plus que leur début j’aime
La fin des choses
Les yeux d’un jour mourant
Ne sont jamais moroses
وفي قصيد ” الأمل ”
Puisque notre désir et simplement un songe
Qu’importe qu’il soit vrai
naïf ou fabuleux
Le rêve est toujours beau, même s’il est mensonge
Et le ciel des rêveurs est le plus beau de cieux

وفي قصيد يحمل عنوانا موسيقيا: بعيد عنك قريب منك
Loin de toi, je ne vis que pour ton souvenir
Près de toi, ô regret ! tout mon espoir chavire
ويحيلنا هذان البيتان إلى ما باح به جميل بثينة الشاعر الأموي المتوفى بمصر عام 701 هـ
” يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها
ويحيى إذا فارقتها ويعود ”
وأخيرا وليس آخرا هذه الأبيات التي حوّلتها إلى لغة الضاد.
” عندما ينحت الزمان جدوله
عندما تراوح الطبيعة بين الجدب والخصب.
عندما يكون الصمت همسا
وعندما يولد من الليل النهار …
إنّما هو الله بإصبعه المتحرّك
يبوح لنا
في القبر المظلم والمغلق
تستمر الحياة
كلّ شيء يبعث من جديد”

• يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى