صالون الصريح

محمد المُحسن يكتب: حتى تُصان كرامة المثقف..ويعلو شأنه..!

Mohamed-El-Mohsen-ce
كتب: محمد المحسن

تصدير:
-التكريم الحقيقي للمثقف..هو أن تصان كرامته في وطنه..وأن تحترم كلمته..( الكاتب)

(المثقف أوّل من يقاوم..وآخر من ينكسر..)

كشفت ما تسمى بـ ‘إشراقات الربيع العربي’ القناع عن أشباه المثقفين والمفكرين والسياسيين ورجال الدين والفقهاء الذين انحازوا إلى الظلم والباطل على حساب قول الحق والتصدي للظلم الجائر وإلى الغطرسة والجهل والتمرد على المنطق والواقع.

إشكالية المثقف ودوره وأزمته ومكانته في المجتمع تبقى من الإشكاليات المهمة والرئيسية المطروحة على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية في الوطن العربي.

التفكير والتعبير

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع:
هل من مكانة للمثقف في مجتمع يفتقد لمستلزمات التفكير والتعبير عن الرأي والحوار والمناقشة والحريات الفردية وحرية الصحافة وما إلى ذلك من مستلزمات وضرورات وشروط الإنتاج الفكري الناضج الذي يستطيع أن ينظّر ويؤسّس للتطورات والتحولات المهمة والمصيرية في المجتمع؟.
التجارب التاريخية في الوطن العربي تشير إلى مرض الاغتراب والتهميش والإقصاء الذي عانى وما زال يعاني منها المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان كلها عوامل أدّت إلى اغتراب المثقف العربي وتهميشه سواء داخل وطنه حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي لأنه إذا فعل ذلك مصيره يكون مجهولا، أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع،لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء.والمثقف مهما كانت الصعاب والمشكلات والعراقيل يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للفكر والإبداع.

اغتراب المثقف

إشكال آخر مهم جدا ضمن سياق ظاهرة اغتراب المثقف يتمثل في النقد الذاتي وممارسة الانسلاخ الإرادي والمباشر من المجتمع والعيش في ضفافه وقشوره،وهذا موت بطيء آخر يعاني منه المثقف العربي وهو نوع من الانتحار حيث لا يستطيع المثقف أن يجرؤ على التعبير عما بداخله ولا يستطيع أن يضع أفكاره في خدمة المجتمع وفي خدمة المهمشين والمحرومين.فالإشكال هنا يتمثل في التقرب من السلطة وهذا يعني بعبارة أخرى الانسلاخ عن الجماهير،أو التقرب من الواقع ومن الجماهير وهذا يعني غضب السلطة على المثقف وإسكاته أو تهميشه بطرق مختلفة البعض منها معلن والبعض الآخر سري وضمني.
وفي كل هذا نجد أن المجتمع في نهاية المطاف هو الخاسر الكبير لأن المجتمع الذي لا يحتوي على نخبة من المثقفين العضويين ونخبة من المفكرين تنظّر وتنتقد وتقف عند سلبياته وهمومه ومشاكله وتناقضاته وإفرازاته المختلفة لا يستطيع أن يكون مجتمعا يتوفر على شروط النجاح والإبداع والحوار والنقاش البناء والجاد بين مختلف الفعاليات والشرائح الاجتماعية.

عملية إنتاج فكرية داعمة

وبديهي أن السلطة تحتاج لتثبيت ركائزها إلى عملية إنتاج فكرية داعمة، وتالياً إلى مثقف يصوغ لها أيدولوجيتها من أجل تعضيد النظام الذي تقوده وضمان تأييد الناس لها وقبولهم بها.وليس من المبالغة في شيء لو قلت إن الحكومات المتعاقبة التي حكمت-تونس التحرير-منذ انبلاج فجر الحرية،وطيلة عقد ونيف من الزمن نجحت في استنبات أنواع شتى من المثقفين الموالين لها ممن يصطلح على تسميتهم بمثقفي البلاط..وهذا موضوع آخر يستدعي الحبر الغزير..

ما أريد أن أقول ؟

أردت القول إلى السلط الجهوية بتطاوين: مهما تهمشنا ونال منا الإغتراب في نخاع العظم..سنظل نكتب بحبر الروح ودم القصيدة ولو لم نجد غير أظافرنا وجدران المقابر أدوات للكتابة والنشر..وما على السلطات الجهورية إلا أن تفتتح مكتبها في وجه مثقفي الجهة وتصغي إلى همومهم ومشاغلهم بإعتبارهم قناديل المجتمع ومصابيح الفكر والثقافة..*

وعطفا على ما سبق، فإن على المثقف المعاصر أن يمارس دوره في عملية بناء الأفكار ونقدها بحرية تامة دون أن يكون هناك رادع من سلطة أو حكومة،فعليه أن ينتقد المجتمع والأشخاص والأفكار والأشياء والدولة والسلطة والحاكمين والمحكومين..على أن يكون نقدا بناءً يساهم في طرح الإشكاليات والجواب عليها دون الاكتفاء بمجرد التنظير.
ختاما أقول : لا أعتقد أننا بحاجة إلى المثقف المناضل،بمعنى حامل لواء مشروع سياسي أو المطالِب بالتغيير المجتمعي،فهذا الدور أصبح يضطلع به أكثر النشطاء على اختلاف مجالات اشتغالهم (البيئة،السياسة،حقوق الإنسان،المجتمع المدني…) أعتقد أننا بحاجة إلى مثقف يقف على نفس المسافة من جميع الفاعلين داخل المجال العام،مثقف يقظ يرصد ويندد بالانزلاقات التي قد ترتكب من هذا الطرف أو ذاك،أو كما عبر عن ذلك أحدهم بالقول: “المثقف ضمير الأمة”.
فالمثقف-في تقديري-هو الأقدر على نقد الواقع المهترئ والمساهمة في إصلاح المجتمع والسياسة وتطويرهما،وهو قوي الإيمان بوظيفة الفكر والثقافة وبدور البشر في مقاومة الراهن وقيادة التغيير،ومتحمس بداية للبرهنة على هذه الحقائق وغرسها في وعي الناس ونقلها من الأذهان إلى حيز العمل والتطبيق.

التكريم الحقيقي للمثقف بهذه الربوع الشامخة ( تطاوين)..هو أن تصان كرامته في جهته..وأن تحترم كلمته..ومن هنا تجدر الاشارة إلى أن الكرامة التي أقصد إلى إثارة الانتباه إليها ها هنا،ليست تلك الكرامة التي يربطها البعض برغد العيش وهناء البال،والتي يحققها التمتع بأزاهير الحياة من مطالب طينية،حيوانية،رخيصة،إنما الكرامة التي أقصدها هي مُعْطًى فطريٌّ جاء مع الإنسان إلى هذه الحياة،وليس لأحد أن يَمُنَّ به على أحد. فالتكريم ثابت في حق الإنسان “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء،70)،وهو “ملكية فردية” له،لا يحق له أن يتنازل عنها.ومن فرَّط فيها ضلَّ الطريق،وسار إلى إهانة نفسه،لذلك لا أعتبر الكرامة “مطلبا” بالمفهوم النقابي للكلمة،لأنه لا أحد قادر أن يمنحها لك،ولكنها “مِلْكٌ”من فرَّط فيه،أهان نفسه،وأوردها مهالك الاستغلال،والإهانة،والعبودية.
إن ثورة الكرامة إذاً،هي ثورة الحكم العادل الذي يحترم حقوق الإنسان وقدرة الأفراد على تقرير مصيرهم واختيار نمط الحياة الذي يريدون.
وأرجو أن تستساغ رسالتي جيدا..وأن لايقع إخراجها عن سياقها الموضوعي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى