صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب: مائويّة الشهيد الحسين بوزيان (1925-1956)

issa-bakouche
كتب: عيسى البكوش

شهدت تونس المستقلّة أوّل اغتيال سياسي ستة أيّام بعد توقيع اتفاقية الاستقلال يوم 20 مارس 1956، وكان المستهدف أحد كبار المقاومين الشيخ الحسين بن أحمد السهيلي بوزيان المولود يوم 18 ماي 1925 بمدينة ڤفصة وهو أصيل مدينة القصر الأحمر التي أضحت تحمل اسمه ‘منزل بوزيان’.

زاول تعليمه بجامع الزيتونة حيث أحرز على شهادتي التحصيل والعالمية وعاد إلى موطنه للتدريس بالفرع الزيتوني بڤفصة.

من أعتى القادة

في الحاضرة انغمس في الحراك المجتمعي الذي كان رافدا للحركة الوطنية فانضمّ إلى الكشّافة، ويعدّه المنعّم عبد المجيد المسلاتي في كتابه ‘تاريخ المنظمات الشبابيّة’ الصادر عن دار سيريس عام 1989 من أعتى القادة ” الذين خدموا الحركة الكشفية في الفترة الثانية أي بين سنتي 1933 و1936″.
كان شغوفا بالمسرح وقد انضمّ إلى فرقة ‘الأنصار’ وسافر معها إلى الجزائر لتقديم بعض العروض، كما أنه آزر المنعّم أبي القاسم محمد كرّو في تأسيس جمعية “شباب ابن منظور” فشغل خطة كاهية رئيس.
وفي كتابه ” حصاد العمر” – المجلّد الأوّل – الصادر عن دار المغرب العربي سنة 1998 يذكر كرّو أنّ الحسين بوزيان كان ألقى على منبر الجمعية مسامرة عنوانها: “الإسلام دين التقدّم والرقيّ” ص 390

التحم بزعماء الحزب

وفي الحاضرة أيضا تعرّف على زعماء الحزب الدستوري: الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وجلولي فارس وعلي البلهوان، فالتحم بهم هو وصفوة من أبناء الهمامّة والجريد من أمثال أحمد التليلي وأحمد السنوسي ومحمد قلنزة وموسى الرويسي والإمام صميدة.
كان مثل أترابه الزيتونيين الأفذاذ خطيبا يلهب مشاعر السامعين، ولقد كان أوّل خطاب ألقاه في رحاب الجامع خريف عام 1944 أدّى إلى خروج مسيرة تعرّض لها بوليس المستعمر وجُرح فيها.
ولقد قام في أحد أيّام سنة 1952 خطيبا في ساحة المسيلة في قلب مدينة ڤفصة داعيا إلى إذكاء جذوة الثورة المسلحة التي اندلعت يوم 18 جانفي فكان ما ليس منه بدّ، أي السجن، فعرف المحتشدات إلى جانب المناضلين الطيب السحباني والهادي البكوش.
لم يكتف بوزيان بالنشاط داخل الأطر التنظيمية مثل الشعبة التي أسّسها سنة 1949 ثمّ الجامعة الدستورية لڤفصة والهمامّة، ثمّ المجلس المحلي الذي انتخب صلبه في مؤتمر الحزب بصفاقس عام 1955، بل إنّه تحرّك في ساحة الوغى.

فجر المقاومة

لقد كان لقاؤه بالزعيم أحمد التليلي مبشّرا بانبلاج فجر المقاومة في ربوع الجنوب الغربي، فتكوّنت الخلايا والمجموعات التي ضمّت بالخصوص القادة: الأزهر الشرايطي وأحمد الردّاوي والحسين بالأخضر والعيد لونقو.
وبالموازاة كان إلى جانب أحمد التليلي من بين المشرفين على دعم الثورة الجزائرية التي انطلقت غرة نوفمبر 1954 وذلك بتمرير السلاح القادم من مصر عبر ليبيا.
وعندما انجلى ليل الاستعمار على تونس وعاد الحبيب بورقيبة مظفّرا غرة جوان 1955 كان الحسين بوزيان في طليعة وفود المناضلين والشباب القادمين من ڤفصة لاستقباله في ميناء حلق الوادي.

انحاز لـ ‘المجاهد الأكبر’

لم يكن يُخفي انحيازه “للمجاهد الأكبر” فيما يخصّ التمشّي نحو الاستقلال التام ولقد كان منسجما مع رؤيته منفّذا لطلباته وخاصّة تلك المتعلّقة بتسليم الأسلحة وهو ما لم يكن أمرا هيّنا آنذاك اعتبارا للتصدّع داخل الحزب جرّاء الموقف المناهض للزعيم صالح بن يوسف الذي كان يعتبر الاستقلال الداخلي ‘خطوة إلى الوراء’.
ومع ذلك فقد آلى الحسين بوزيان على نفسه السعي نحو رأب الصدع بين الزعيمين فانضمّ إلى الوفد الذي ترأسه جلولي فارس والذي توجّه إلى القاهرة لحثّ صالح بن يوسف للعودة ورصّ الصفوف.
ولكن، وعلى الرغم من رجوع بن يوسف يوم الخميس 3 سبتمبر 1955، فإنّ هذه المحاولة باءت بالفشل دفع ثمنه الشعب فيما يسمّى بـ”الفتنة اليوسفيّة”.

الحقبة الحاسمة

ثمّ جاءت الحقبة الحاسمة في عمر هذا الرجل الهمام.
جرت كما هو معلوم أوّل انتخابات تشريعية في البلاد يوم 25 مارس 1956 تلبية لدعوة الأمين باي بمقتضى الأمر العليّ المؤرخ في 29 ديسمبر 1955 لإرساء المجلس التأسيسي فكانت قائمة ڤفصة للجبهة الوطنية ـ الحزب الدستوري والمنظمات القومية ـ في مواجهة لقائمة الحزب الشيوعي التي ترأسها المنعّم محمد النافع، وقد تكوّنت قائمة الجبهة الوطنية من أقطاب الجهة: أحمد التليلي وعثمان بن عليّة والأمين الشابي وأحمد السنوسي وحسونة بن الطاهر والحسين بوزيان الذي لم ينعم بالانتماء لهذا المجلس إذ نالته يد الغدر في اليوم الموالي.

اغتيال جبّان

يذكر الصديق المكي العلوي ابن المناضل محمد علي العلوي في كتابه “مسار وذكريات” الصادر عن دار نقوش عربية سنة 2024 : ” حوالي الساعة الثامنة ليلا أي 24 ساعة من انتخابه عضوا بالمجلس التأسيسي، وبعد أن أنهى اجتماعا مع أعضاء الجامعة الدستورية معلما إيّاهم بضرورة سفره من الغد إلى العاصمة لحضور اجتماع افتتاح المجلس، وأثناء رجوعه إلى مسكنه اقترب منه شخصان وتقدّم أحدهما مسلّما عليه مادّا يده لمصافحته بينما مدّ يده الأخرى التي تحمل مسدّسا وأفرغ فيه أربع رصاصات أسقطته صريعا”.

جنازة مهيبة

ويضيف: ‘ومن الغد انتظمت جنازة مهيبة شيّعه فيها أكثر من عشرة آلاف من أبناء ڤفصة إلى مثواه الأخير. ولقد أبّنه الحبيب بورقيبة بنفسه، ولقد تحوّل إلى ڤفصة صحبة الباهي الأدغم والمنجي سليم وعلي البلهوان وأعلنت ڤفصة الحداد لمدّة ثلاثة أيّام.
ولقد اعترف القاتل بانتمائه إلى مجموعة يوسفيّة مسلحة. (ص 214)
جاء في كتاب “شهادة للتاريخ” للمنعّم أحمد المستيري الصادر سنة 2011 عن دار الجنوب (ص80): ” أصدر الديوان السياسي يوم الخميس 13 أكتوبر 1955 قرارا برفت صالح بن يوسف ممّا أحدث انشقاقا في صفوف الحزب.
وبدأ مسلسل الاغتيالات فسقط الضحايا الأبرياء من الجانبين ممّن أبلوا البلاء الحسن أثناء الكفاح ضد المستعمر من أمثال الحسين بوزيان في ڤفصة إثر انتخابه في المجلس القومي التأسيسي والمختار عطيّة في دكّانه في العاصمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى