صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ فتحي النيفر (1945-2025) تونس تفقد أحد أعلامها

issa-bakouche
كتب: عيسى البكوش

غيّب الموت يوم الثلاثاء 6 ماي 2025 المهندس المتميّز فتحي النيفر وهو من القلائل الذين تخرّجوا من أعتى المدارس العليا في فرنسا أي L’école polytechnique ولقد سبقه إليها المنعّمون محمد علي العنابي (1905-1962) والمختار العتيري (1926-2007) والمكي الزيدي ( 1929-2020).

البدايات

ولد الفقيد فتحي بباردو يوم 14 أوت من سنة 1945 التحق في صباه بالمدرسة الابتدائية والمعهد الثانوي بالمكان.
يقول عنه أحد أترابه أنه كان دوما ينتقل بين الفصول استجابة لطلبات أقرانه لحلّ بعض المعادلات الصعبة فلقد كان ماهرا منذ الصّغر في مجال الرياضيات، وكما هو معلوم فإن النوابغ لا يصبحون كذلك بل يولدون نوابغ.

سافر إلى فرنسا

إثر نجاحه بامتياز في شهادة الباكالوريا عام 1964 سافر إلى فرنسا لإعداد مناظرة الدخول في المدارس العليا وذلك في معهد Pierre de Fermat بمدينة تولوز ولقد نجح سنة 1967 في مناظرة الانتماء إلى المدرسة الشامخة فوق هضبة Sainte Geneviève بباريس.
ولقد كنت كثيرا ما ألاقيه في دار تونس حيث يُقبل للمشاركة في الأنشطة التي كنا نقيمها هناك بين سنتي 1967 و 1968 وكان يروّح عن نفسه -وهو المشغول جدا بنظام دراسي مرهق- باللّعب في المقهى المقابل للدار Le Babel لعبة Baby foot.
ثمّ عاد إلى وطنه إثر تخرجه مثلما كان يفعل السلف للمشاركة في معركة البناء والتشييد، ويجدر بي هنا أن أنوّه بما اقترفته السيدة منى بن حليمة كريمة المنعم محمد العلاني العضو المؤسّس إلى جانبي لنادي الخدمات Kiwanis بأريانة سنة 1983 بانجازها لشريط يروي للناشئة وللآخرين سرديّة البناء بأيدي ما أطلقت عليهم البُناة Les bâtisseurs ويا ليت لو اهتدينا في قادم الأيام أو السنين إلى إنشاء معلم تجمع فيه قصص الكفاح لهؤلاء المؤسّسين الذين آثروا العودة إلى معينهم على الرغم من كل الإغراءات للمكوث في بلاد المهجر.

التحق ببلدية الحاضرة

التحق الفقيد ببلدية الحاضرة وشغل فيها خطة مفصلية وهي الإدارة العامة للمصالح الفنية وأبلى فيها بلاء يشهد به كل من تابع مسيرته. ولقد كانت أقواله مثل أعماله مجرّدة من التسويف والبهرجة.
لم يكن ملتزما بما يطلق عليه الإفرنج le politiquement correct أي في مصطلحاتنا اللغة الخشبية.
روى لي الصديق المؤرّخ الجهبذ عبد العزيز الدولاتلي رئيس دائرة المدينة في فترة المنعّم زكريا بن مصطفى (1980-1986) أنه لما كان يلتقي بالمهندس النيفر وينطلق هذا الأخير في عرض مسألة ما كان يقاطعه سي زكريا مازحا مهلا سأستعين لفهم ما تقول بمترجمي ويعني به سي عبد العزيز. فلله درّ هذا الثالوث من العلماء الظرفاء.

مداخلات رشيقة

لقد أمكن لي المشاركة في عديد اللقاءات التي قدم خلالها الفقيد مداخلات رشيقة وقيّمة في مجال العمل البلدي، وقد كان كثير التنقل بين بلدان العالم لإلقاء المحاضرات والتعريف بالتجربة التونسية.
ثم انتقل بعد ذلك إلى وزارة التجهيز حيث شغل خطة مدير عام للتهيئة الترابية.
ولقد أشرف على عديد الملتقيات المخصصة لهذا القطاع وإني لأستحضر التقرير الذي قدّمه يوم 19 سبتمبر 1989 “من أجل استراتيجية جديدة في مجال التعمير” كما أني أستحضر المداخلة التي ساهم بها في الأيام الدولية للتعمير بمدينة Lille في فرنسا يوم 06 نوفمبر 1989 تحت عنوان “آفاق السيطرة على نمو المدن التونسية” وكذلك مشاركته على امتداد السنوات الأخيرة في اللقاءات التي أعدّتها الجمعية التونسية لمخططي المدن وكنا ننتبه جيّدا لما يقدمه لأنه بكل بساطة من أهل الذكر الذين ويا أسفاه لا نسأله كثيرا عندما لا نعلم.
فكان تشخيصه لواقع التطور العمراني معمّقا وكانت اقتراحاته معللة.
كان دوما يضع الإصبع على الداء فلم يكن يماري ولا يجاري، كان يدعو إلى استرجاع الدولة لدورها الاجتماعي.

قريب من الناس

كان قريبا من الناس وكان قريبا من الخالق “إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ” سورة فاطر الآية 28.
لقد أصدر سنة 2018 على حسابه الخاص كتابا يحمل عنوان Le voyageur dans la tourmente يروي فيه سيرة عالم الرياضيات وصاحب الرباعيات عمر الخيام.
كما أنه أصدر سنة 2011 كتابا من نشر دار أمل للنشر والتوزيع يحمل عنوان Tribulations levantines .
لقد أدار منذ سنة وبالتحديد يوم 05 مارس 2024 حلقة تفكير ونقاشات حول السكن العشوائي المحيط بالمدن الكبرى وذلك على منبر منتدى ابن خلدون من أجل التنمية.
رحم الله الفقيد وأسكنه فراديس الجنان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى