نوفل سلامة يكتب/ فيلم ‘زرّيعة إبليس’: أيهما أولى بالاهتمام ظاهرة التصفيح أم رتق غشاء البكارة؟

كتب: نوفل سلامة
الانطباع العام اليوم أن الساحة الفنية تشهد حالة من الرداءة والابتذال مع وجود توجه عام وخيار مقصود نحو تكريس التفاهة وتوجيه ذوق الجمهور نحو القضايا التي لا تشكل أهمية كبرى في حياته..
وهناك قناعة اليوم أن الفن عموما بكل تعبيراته يسير على متن قطار بسرعة قصوى لإيصال أفكار وسلوكيات لا تمثل عموم الشعب التونسي ولا تغطي حقيقة اهتماماته ولا تعكسها ..
فن غير ملتزم
واليوم هناك قناعة أخرى بأن الفن بكل أنواعه لم يعد ملتزما بجملة من القضايا التي تصنع الوعي الحقيقي وتساهم في تثقيف المواطن وهو دوره الذي عرف به قبل الثورة وتخلى عنه لأسباب مختلفة منها مسايرة توجهات القوى التي تتحكم في توجيه الأفكار وترسم السياسات الثقافية والخيارات الفنية في العالم.
نطرح قضية علاقة الفن بالالتزام وقضية الفن بالمواضيع الجادّة التي تعني الشعب وتخدم الناس وقضية علاقة الفن بتوعية الجمهور وتثقيفه وتوجيهه التوجيه الصحيح والسليم لما نشاهده ونسمعه يوميا من أعمال فنية تصنف في خانة الإبداع، وهي في الحقيقة تضليل وتحويل وجهة اهتمام الناس وخلق محاور اهتمام بعيدة كل البعد عن المواضيع والقضايا الحارقة التي تحتاج بذل الجهد لطرحها..
وهذا طبعا لا يعني مصادرة حق من يريد طرح قضايا ومواضيع جانبية و جزئية في حياة الناس في أعمال فنية يراها أصحابها من وجهة نظرهم مهمة وتحتاج الاهتمام كموضوع
‘التصفيح’ مثلا الذي جسده هذه الأيام شريط سينمائي تونسي يعرض في القاعات يتحدث عن ظاهرة تصفيح البنات قبل الزواج حفاظا على عذريتها ومنعها من القيام بأي اتصال جنسي يفقدها أهم شيء يقوم عليه الزواج التقليدي والعلاقات الجنسية المتعارف عليها في ثقافتنا وعاداتها وتقاليدنا التي تميزنا…
عمل إبداعي؟
اللافت للنظر والمحير في شريط ” زرّيعة إبليس ” الذي أعاد الحديث عن موضوع تصفيح البنات قبل الزواج أنه يقدم في وسائل الإعلام وفي حديث الإذاعات على أنه عمل إبداعي يطرح قضية خطيرة مسكوت عنها ويعالج قضية وظاهرة مجتمعية حان الوقت لمناقشتها من جميع الجوانب النفسية والقانونية والدينية بما يعني أن الشريط يقترح على الجمهور التونسي في هذا الظرف الذي نمر به وهذا السياق التاريخي والمجتمعي قضية يجعل منها ظاهرة اجتماعية متفشية وتحتاج أن نعالجها.
تضليل وصناعة رأي عام
الخطير في مثل هذه الأعمال الفنية ليس في طرح موضوع التصفيح من عدمه ولكن الخطير هو فيما يحصل من تضليل وصناعة رأي عام يعتقد بأن المجتمع التونسي ما زال يعرف مثل هذه الظواهر التي قل وجودها أو اختفت بفعل التطور وبحكم التحول الثقافي الذي خضع له المجتمع فـ التصفيح كان ظاهرة عرفها المجتمع التونسي قديما كبقية المجتمعات العربية وحتى الغربية، وبقيت سنوات بعد الاستقلال ثم هي اليوم مندثرة تقريبا ولم يعد لها ذكر خاصة في القرى والبوادي والمدن الداخلية التي تعرف بطابعها المحافظ ثم غاب هذا السلوك تقريبا من مجتمعنا الذي ارتبط بظاهرة أخرى وهي ظاهرة النساء اللاتي يتولين القيام بهذه العملية و فك هذا التصفيح بطقوس خاصة بهن وباستعمال نوع من السحر والشعوذة.
المشكل في مثل هذه الأعمال الفنية التي تطرح أفكارا وظواهر لم تعد هي ما يشغل الشعب ولم تعد تقلق المجموعة الوطنية ولم تعد من أولوياته واهتماماته في تقديمها باعتبارها من المسكوت عنه وجب الحديث عنه ومن المعتم عنه وجاء الشريط لإظهاره والحال أن سبر الآراء واستطلاع رأي الناس قد كشف أن الكثير من المستجوبين لا يعلم بهذه الظاهرة والبعض الآخر لم يسمع عنها وجانب ثالث يعترف بأنها ظاهرة قديمة كانت موجودة واندثرت مع الزمن والتطور والتحول المجتمعي.
قضايا زمن قديم
المقلق في مثل هذه النوعية من الفن وخاصة الأعمال السينمائية أن أصحابها مازالوا يعيشون في زمن قديم وحبيسي قضايا قد ولت وانتهت مع الزمن أو قلّ تأثيرها ويعيدون طرح مواضيع وقضايا استهلكت بكثافة وتم تناولها ومعالجتها وطرحها العديد من المرات واليوم إعادة الحديث عنها مضيعة للوقت وتوجيه اهتمام الجمهور الوجهة الخاطئة وصناعة وعي مجتمعي مضلل، وقد كان من الأجدى في هذه الأوقات التي نمر بها إن كنا نريد فعلا الحديث عن الظواهر الاجتماعية الحقيقية في موضوع الجنس والعلاقات الجنسية التي تثير اهتمام المجتمع أن نتعرض إلى موضوع آخر أهم من التصفيح وطرح قضية ” رتق غشاء البكارة ” مثلا أو ما يعرف في لهجتنا الدارجة بـ ‘التغريز’ بعد عملية الفتق التي تحصل نتيجة علاقة جنسية خارج إطار الزواج أو من وراء العلاقات الحرة..
وهي قضية باتت في السنوات الأخيرة متفشية في مجتمعنا نتيجة ثقافة التحرر الجنسي والتسامح مع العلاقات قبل الزواج وظهور تيار جديد ينادي بربط علاقات جنسية للتجربة قبل الارتباط الحقيقي فهذه هي اليوم من القضايا الحقيقية المسكوت عنها إن شئنا اعتبارها من القضايا المعتم عنها وتحتاج أن نظهرها ونعرضها للنقاش العام في علاقة بعملية الغش والخداع التي تقوم بها الفتاة وأحيانا بتواطؤ مع الأم ومشاركة الطبيب الذي يتولى القيام بعملية رتق البكارة حتى تظهر العروس يوم دخلتها عذراء ولا يفتضح أمرها أمام العائلتين المتصاهرتين.
المطلوب قضايا كبرى
ما أردنا التلميح إليه من خلال هذه الوقفة القصيرة مع شريط ” زريعة إبليس ” الذي يتعرض إلى ظاهرة التصفيح واعتبارها من القضايا المسكوت عنها والتي تحتاج أن نخصص لها فيلما سينمائيا ننفق عليه الأموال والجهد والوقت أن الفنان اليوم والمبدع محمول على عاتقه مسؤولية طرح القضايا الكبرى التي يحتاجها المجتمع ومسؤولية الالتزام بمعالجة المواضيع والقضايا التي تصنع وعيا حقيقيا وتعالج القضايا الحقيقية لا الوهمية أو الجانبية او المتخيلة ..
الفنان اليوم مطالب في أعماله سواء كانت مسرحا، أو سينما أو موسيقا أو رسما أو أي شكل من الأشكال الفنية الأخرى أن يكون ملتزما بإثارة الأسئلة الحقيقية التي يطالب بها الناس وأن يعبر عن حقيقة القضايا التي تثير اهتمام الجمهور وأن يستمر في التوعية والتثقيف لا في تحويل وجهة اهتمامه أو تخديره بأسئلة لا تعنيه وتغرقه في قضايا واهمة متخيلة لا توجد إلا في أذهان أصحابها.
الفن التزام أوّلا
ما أردنا قوله في علاقة الفنان والمبدع بواقعه وقضايا مجتمعه أن الفن التزام قبل كل شيء ولا خدمة لتوجهات وخيارات وأجندات تعمل على إغراق المجتمعات في قضايا وأسئلة غير مطروحة وإلهائها عن قضاياها الحقيقية والكبرى والتي تحتاج فعلا اهتماما متواصلا بالكتابة والصورة والكلمة.
ما أردنا الإشارة إليه هو أنه إذا أردنا أن نترك جانبا القضايا الحارقة للمجتمع وحولنا وجهة اهتمامنا نحو القضايا الجنسية المهووس بها الكثير من مبدعينا فإن الأولى بالاهتمام ليس عملية تحصين الفتاة قبل زواجها من خلال ظاهرة التصفيح التي ولت وانتهت من مجتمعنا وإنما المطروح اليوم للاهتمام هو ظاهرة رتق غشاء البكارة الذي تفشى في مجتمعنا وحوله تعتيم كبير لوجود جهات تدافع عنه من منطلق حرية الفتاة في جسدها ورفض فكرة الحفاظ الشرف قبل الزواج ..
وتلك قضية أخرى يرفض مبدعونا طرحها في أعمالهم التي توصف بـ الإبداعية.