صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: اليوم جاء دور النخب لصناعة الوعي بالانتصار الفلسطيني

slama
كتب: نوفل سلامة

بعد ما يقارب عن السنة ونصف من الحرب الإسرائيلية والاعتداءات الظالمة على قطاع غزة المدعومة من القوى الأطلسية والمؤيدة تأييدا كاملا من القوى العظمى في العالم وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية وبصمت من حكومات الغرب الحداثي وعواصم فكر الأنوار وحقوق الإنسان…

قتل وتدمير

وبعد ما يزيد عن الخمسة عشر شهرا من عمليات القتل المتعمد والتدمير الممنهج للأحياء والمساكن والمدارس والمستشفيات وكل البنية التحتية والتهجير القسري للسكان والاعتداءات الصارخة على هيئات الإغاثة الإنسانية والصحافيين وصل الى حد اعتقال العاملين بها واستهداف البعض الآخر بالقتل المتعمد وبعد كل الخراب والدمار الذي ارتكبته الآلة الحربية الإسرائيلية وما حصل من إبادة جماعية شهد بها كل أحرار العالم ونددت بها الشعوب الحرة واعترفت بها محكمة الجنايات الدولية رغم ما تعرضت له من ضغوطات حتى لا تصدر قرارها القاضي بإدانة حكومة دولة الإحتلال الصهيوني واتهام رئيس حكومتها نتنياهو بارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الغزاويين…

اتفاق بعد طول معاناة

بعد كل هذه المعاناة التي عاشها سكان غزة وإجبارهم على العيش في خيام في العراء، توصلت حركة حماس إلى اتفاق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يقضي بوقف إطلاق النار من الجانبين وخاصة من الجانب الإسرائيلي أو كما تم التعبير عنه باتفاق هدنة لإيقاف العدوان وفق خريطة طريق تنفذ على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى تبدأ من يوم الأحد 19 جانفي 2024 وتدوم ست أسابيع يتم خلالها إدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين في سجون الاحتلال بحساب 50 امرأة فلسطينية معتقلة مقابل محتجز واحد من المدنيين لدى حركة حماس و 30 معتقل من الرجال في السجون الإسرائيلية مقابل محتجز واحد من المدنيين لدى المقاومة والمرحلة الثانية تشمل تبادل الأسرى العسكريين الإسرائيليين الموجودين عند حماس والمرحلة الثالثة تخص إعادة الإعمار والتي سوف تتطلب تمويلا ووقتا طويلا.

أسئلة عالقة

اليوم وبعد التوصل إلى اتفاق رسمي على هدنة لوقف الحرب لا تزال هناك عدة أسئلة عالقة في علاقة بمصير المهجرين وعودتهم إلى غزة وأسئلة أخرى حول طبيعة هذه الهدنة هل ستفضي إلى نهاية كاملة للحرب أم أن الذي حصل هو مجرد توقف ظرفي ووقتي إلى حين الإفراج على الرهائن لدى المقاومة حتى تستأنف إسرائيل عمليات القتل والاعتداءات، ويعود كابوس الحرب المخيف من جديد خاصة وأن إسرائيل قد تلقت وعدا من طرف الرئيسين بايدن وترامب لاستئناف الحرب في كل وقت تراه إسرائيل خاصة في صورة حصول خرق من الجانب الفلسطيني لوقف القتال بما يعني أن الجانب الإسرائيلي وحلفاؤه من الغربيين كانوا مكرهين على المضي في الاتفاق على قرار لوقف النار حتى تتم عملية تبادل الأسرى الموضوع الذي يشغل بال الغرب أكثر من وضعية الفلسطينيين ومأساتهم.

تغيّرت المعادلة

اليوم وبعد أن أنجزت المقاومة الفلسطينية ما هو مطلوب منها من أجل قضية شعبها العادلة وإعادتها إلى صدارة الأحداث العالمية وما هو مطلوب لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي بعد قيامها بعملية طوفان الأقصى التي غيّرت معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي و أوقفت لفترة عملية التطبيع العربي مع الكيان المحتل و كشفت مخططات الغرب الأطلسي المتحالف مع اسرائيل، وما كان يرتب للمنطقة من وضع جديد وإقامة خرائط جديدة للمنطقة العربية من شأنها أن تغير الحدود والمعادلات وبعد أن كشفت عملية 7 أكتوبر حقيقة هذا الغرب الاستعماري وزيف شعاراته و فكره وحداثته وعدم حيادية مبادئه ومؤسساته ومنظماته، وكشفت عن خواء منظومة العولمة ومنظومة الحقوق الكونية التي يحكم بها العالم وكشفت حقيقة هذا العالم المتفوق العنصري والمخادع والكاذب، وكشفت أنه لا يعترف بعوالم بلدان الجنوب واليوم بعد أن تكثف الحديث عن مقاومة مسار الاستعمار الجديد الذي تنتهجه القوى المهيمنة وخاصة ما تعلق بجانبه المعرفي الفكري وصعود موجة الديكلونيالية وانزياح الكثير من المثقفين الأحرار عبر العالم لمقاومة المركزية الغربية في المعرفة وعدم الثقة في منجزها الفكري والثقافي فإن مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق المثقف العربي الحر ودور كبير يتعين أن يلعبه في هذه المرحلة من الصراع العربي الإسرائيلي.

دور المثقف العربي

اليوم جاء دور المثقف العربي للقيام بمهمته التاريخية في تشكيل رأي عام واسع مساند للمقاومة وما حققته من مكاسب وصناعة وعي بالانتصار الفلسطيني بعد اتفاق الهدنة على الغرب الأطلسي المساند للاحتلال الإسرائيلي .. واليوم ينتظرنا عمل كبير في مواصلة المساندة للقضية الفلسطينية وإظهار مواقع النصر الذي تحقق وبالاساس في مسألة أحقية الشعب الفلسطيني في دولة حرة مستقلة وإبراز أن طريق الحرية له كلفته التي لا تقدر بأي ثمن وأن الوطن غال حتى وأن تطلب الأمر التضحية من أجله بكل شيء والرد على كل الذين يشككون في اختيارات المقاومة وطريق تحرير أرضها و كل من الأصوات الانهزامية الوظيفية التي تروج أن ما حصل من دمار وخراب لا يقابل ما تحقق من نتائج سياسية والتشكيك في عمل المقاومة واتهامها بأنها لم تحقق أهدافها.

تعرية المعرفة الغربية

ما هو مطلوب اليوم هو مواصلة تعرية المعرفة الغربية ومبادئها لحقوق الإنسان وكل القضايا التي تروجها للعالم وتحكم بها البشرية ومواصلة المقاومة الفكرية للهيمنة المعرفية الغربية والتشكيك في كل ما تنشره فالمعركة المقبلة معركة مهمة لإبقاء حالة الوعي عالية جدا وحالة الرفض لكل ما ينشره الغرب و يروجه من معرفة في قضايا تهم شعوب عوالم الجنوب ومنها القضية الفلسطينية اليوم المطلوب هو التحدث بكثافة عن عوامل النصر الذي حققته المقاومة ومواطن الهزيمة التي حصلت للعدو وأبرزها أن إسرائيل لم تقدر أن تهزم المقاومة ولم تقدر أن تحرر الأسرى رغم الدعم العسكري الكبير الذي تحظى به ولم تقدر أن تتحكم في معادلة المعركة ولم تقدر أن توقف سقوط قتلى وجرحى في صفوف جنودها وتعرت ولم تعد تختبئ وراء موضوع المحرقة التاريخية التي حصلت في زمن النازية والتي بقيت تبتز بها الغرب وتكسب عطف شعوبه عليها…

ولم تعد الشعب المدلل بعد أن تشوهت صورتها وبدأت الشعوب الحرة تنظر إليها على أنها دولة مارقة ومجرمة و بعد أن استفاق العالم على بشاعة هذا الكيان المحتل المغروس في أرض ليست له، وبعد أن وجهت لها تهما صريحة بارتكابها جرائم قتل وإبادة بحق شعب أعزل يدافع عن أرضه ويقاوم محتله ومن اغتصب حقه في الحياة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى