عيسى البكوش يكتب/ الشيخ محمد الكلبوسي (1901-1982): إمام الجامعين: الزيتونة للتراويح و’سبحان الله’ للخطابة

كتب: عيسى البكوش
وشيخنا الكلبوسي
مجلسه شفاء للنفوس
علاّمة الرواية للقرآن
فهّامة الدراية في بيان
كلّ القرّاء عالة عليه
كلّ الروّاد جلسوا لديه
ليس له في عصرنا من قد سبق
يا حبّذا لو خيرنا به اتسق
هكذا خصّه المنعم عبد المجيد البراري (1927-2022) في قصيده الذي عدّد فيه مناقب أهل بيت الحديث بأريانة.
ولد محمد الكلبوسي يوم 14 جويلية سنة 1901 بحي الحلفاوين بمدينة تونس، وجّهه والده الشيخ علي بن الشاذلي الكلبوسي إلى الكتّاب الكائن بكوشة طاباق وكثير هم الذين حفظوا القرآن في هذه الكتّاب ولعلّ أشهرهم العلامة محمد الطاهر بن عاشور (1879-1973) ثمّ التحق بالزيتونة حيث تتلمذ على المشائخ: النجّار وجعيط ومناشو والزغواني وبلقاضي إلى أن تحصّل على شهادتين: الأولى في مختلف العلوم والثانية في علوم القراءات.
عيّن مدرّسا بالجامع سنة 1920 كما شارك في التدريس بالمدرسة العرفانية الكائنة بنهج الورغي.
علم التجويد
لقد تخصّص شيخنا في علم التجويد وحسن التلاوة ولقد تخرّجت على يديه أجيال من النجباء ولعلّ أشهرهم المقرئ الشيخ عثمان الأنداري.
وممّا يذكر في هذا المضمار أنّ المنعم محمد الكلبوسي دُعي من طرف وزير الشؤون الثقافية الشاذلي القليبي للتدريس سنة 1968 بمعهد الموسيقى بنهج زرقون في قسم تجويد القرآن.
كما أنّه أسندت له رئاسة لجنة التحكيم بمسابقة تحفيظ القرآن بالقيروان بمناسبة المولد النبوي الشريف وكان يساعده آنذاك الشيخ محمد الهادي بالحاج رئيس الرابطة القومية لحفظ القرآن، كما أنّ الكلبوسي كان إلى آخر رمق عضوا قارا ببيت الحديث بأريانة المدينة الذي كان من مؤسّسه سنة 1969 إلى جانب محمد الزغواني (1896-1972) ولم ينقطع العمل في بيت الحديث منذ ذلك التاريخ على الرغم من نقلة مقرّه مرات ورحيل المؤسّسين والتابعين، فطوبى لمن حرص على بقاء هذا الأثر وطوبى لأريانة بإيوائها هذا البيت.
منبر الخطابة
إلى ذلك كان الشيخ محمد الكلبوسي اعتلى منبر الخطابة في جامع ‘سبحان الله’ بباب سويقة من سنة 1958 إلى سنة 1970 حيث خلف الشيخ إبراهيم النيفر، والمعلوم أنّ خطيبنا خلفه صهره المنعم حسن الورغي مؤسّس مدرسة “عمر ابن الخطاب” بسكرة لتكوين الأئمة في تونس وفي إفريقيا.
كما أنّه في ذات الفترة تولى إمامة المصلين بالجامع الأعظم عند صلاة التراويح في شهر رمضان وذلك من سنة 1972 إلى سنة 1980 عندما خلفه الشيخ الخطوي دغمان.
يقول الشيخ البراري في خصوص خطب الشيخ الكلبوسي: “كان واعظا مؤثرا ومرشدا حكيما عالج في خطبه قضايا اجتماعية متنوعة من ذلك مقاومته للبدع مثل غلاء المهور الذي يعطل الزواج ومن ذلك مقاومة الفساد، كان الناس يعتقدون فيه الصلاح وأنّه مستجاب الدعاء.”
كان الشيخ منشغلا طوال حياته بحضور مجالس الذكر سواء بجامع الشربات أو بمنزل الشيخ محمد الزغواني برأس الدرب حيث ينعقد مجلس الموطأ.
رحيل الشيخ
توفي رحمه الله يوم الأربعاء 14 جويلية من سنة 1982 ولقد شيّعت جنازته في موكب مهيب شقّ وسط مدينة أريانة انطلاقا من مقر إقامته بنهج خليفة النفاتي المحاذي لمدرسة سيدي الجبالي وكانت ألسن المشيّعين تلهج بورد الإمام الشاذلي، ودفن بمقبرة الجلاز.
ولقد أعطى المجلس البلدي الذي تشرّفت برئاسته عندئذ اسمه إلى أحد الأنهج بالمدينة ملاصقا للمدرسة الابتدائية بشارع الحبيب ثامر.
جازاه الله خيرا عنّا وهو الذي لم ينقطع عمله إلى يوم الناس.