الأمين الشابي يكتب: كرهت عروبتي التّي أتعبتني كثيرا

كتب: الأمين الشابي
تقول “آنا الينور روزفلت Ana Eleanor Roosevelt ” – 1884/1962 – ” العقول الكبيرة تناقش الأفكار والعقول المتوسطة تناقش الأحداث والعقول البسيطة تناقش الأشخاص”، ويبدو أنّ هذا الوصف الأخير هو ما ينطبق علينا نحن العرب…
وما ردود الفعل للشعوب العربية حول ما يجري من أحداث خطيرة في ربوعنا العربية – سواء في صفوف سياسييها أو مثقفيها أو إعلامييها و العامّة أيضا – لا يبشّر بخير لهذه الأمّة العربية ومستقبلها ومستقبل أجيالها.
فالكلّ يكتفي بالسطحية في تحليل ما يجري وهو منشرح لسقوط أحد زعماء هذه الأنظمة العربية باعتبار دكتاتوريتها في الحكم والتضييق على الحريات وعدم اعتمادها على الديمقراطية لاختيار زعمائها. كلّ هذا تأتيه الأنظمة العربية، إلى درجة وأن كل هؤلاء الزعماء العرب لا يغادروا سدّة الحكم إلاّ بانقلاب عسكري أو بالموت أو بالسجن أو “بالطخ” أو بالفرار. وقد ذهب ضحية ذلك الكثير منهم سواء بالموت مثل أنور السادات وصدام حسين والقذافي وعلي عبد الله صالح أو بالفرار على غرار بن علي وحاليا بشار الأسد.
من يغنم من كلّ هذه الفوضى؟
هذا السؤال لابدّ من طرحه من قبل من يهلّل ويكبّر لسقوط هذا النظام أو ذاك. ولا يعني أنّي مع هؤلاء الزعماء الجبابرة أو مدافع عنهم. بل ما أريده هو الإجابة عن هذا السؤال لنعرف من المستفيد من كل هذه الأوضاع تحت يافطة ‘الربيع العربي’ الذي عاد مجددا تحت عناوين أخرى؟
ومن هذا المنطلق، علينا أن نعي من هو عدّونا الحقيقي؟ وما هي مخططاته لهذه الأمّة العربية التي أصابها الوهن وقصر النّظر، بل وصل بها الوضع إلى حدّ الارتماء في أحضان العدو الحقيقي؟ فهل يعلم بعض المهللين والمكبرين بأن الكيان الصهيوني يعمل على قدم وساق من أجل زرع كيان، في شكل دويلة للأكراد لخدمة مصالحه و تأتمر بأوامره في شمال سوريا؟
وهل يعلم هؤلاء أيضا وأنّ الغرب يجد في مثل هذا الفوضى فرصة للمضي قدما في تحقيق بعض أحلامه وخاصة ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد بزعامة بني صهيون؟
مشاريع أمريكية
وهل يعلم هؤلاء المطبلين لسقوط سوريا وأن الغرب أيضا يستحث الخطوات لتمرير مشروعه المتمثل في مرور الغاز نحو أوروبا عبر سوريا، وهي التي كانت سدا منيعا لتحقيق ذلك؟ فكل هذه الدول الغربية تفكر جيدا في استغلال هذه الفوضى العارمة في الدول العربية، بعد أن مهدّ الكيان الصهيوني لها الطريق بحروبه واضعافه لكل مقدرات دول الممانعة والمقاومة من العراق إلى سوريا الآن مرورا بفلسطين وحزب الله بلبنان؟
هل اتعظ العرب من أحداث سابقة؟
و “الحمد لله” لنا من التجارب المرّة في إطار ما يسمى بالربيع العربي من خسارة دول عربية وازنة بأكملها وانتشار الفوضى فيها. فالعراق وليبيا والسودان واليمن وسوريا شواهد على ذلك والأكيد وأن نهم الغرب وشهيته مازالت في حاجة إلى المزيد من تفتيت بعض الدول العربية ليسهل عليها تنصيب حكومات موالية لها وتنجز ما هو مطلوب منها؟
الحرية والديمقراطية؟!
والسؤال هل ستشذّ سوريا عن هذه القاعدة، بعد ما حدث من سقوط نظام بشار الأسد. وهل ستعم الحرية والعدالة والديمقراطية التي يتعطش إليها الشعب السوري بل كلّ الشعوب العربية، التي ابتلت بأنظمة في جلّها كلية ودكتاتورية؟
كلّ ما أتمناه شخصيا أنّ يكون ما حدث بسوريا نابعا من قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الحقيقية، بعيدا عن وصية الدول التي تدعمها من وراء الستار؟ فحذار من السقوط في فخاخ الأعداء التي تسوق للفوضى تحت عباءة الحرية والديمقراطية، وهي بذلك تعطينا بطرف اللسان حلاوة وتروغ منها كما يروغ الثعلب؟ وحذار أيضا من الثعالب والذئاب المتربصة بسوريا بعالمنا العربي عموما، وعلى رأس هذه الثعالب رأس الحربة الكيان الصهيوني ومن ورائه رعاة البقر…
فهؤلاء لا يدرك حبالهم وألاعيبهم وفخاخهم إلاّ القليل. وبالتالي حذار، من بعد التخلص من الدكتاتورية الارتماء في أحضان الأعداء.
بل لنقول وأنّنا بقدر التمنيات باستقرار سوريا وشعبها بقدر الخوف من أصل مكونات هؤلاء الفاتحين الجدد؟ فمن هي هذه الفصائل بالتالي؟ وما هي انتماءاتها؟ وهل فعلا ستحافظ على وحدة التراب السوري؟ وهل سيتغير نحو الأفضل الوضع في سوريا؟ وكثيرا من الأسئلة تراودنا باعتبار التجارب السابقة من تدخل الغرب في توجيه أوضاعنا العربية، خاصة أمام غياب كلّي للجانب العربي وأخص بالذكر الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات الإقليمية؟
العالم يمرّ بتحولات عميقة
تحت هذا العنوان الفرعي، نقول ماذا أعددنا، نحن كعرب لمجابهة كلّ هذه التحولات التي يشهدها العالم؟ فبعد كل هذا السقوط المدوي لبعض أنظمتنا العربية وبكل تلك الانسيابية والسهولة، ماذا نحن كعرب فاعلون لمسايرة هذه التحولات العميقة التي تدوس الضعيف ولا تأبه له؟ وهل تعي دولنا العربية وأنّ أهم ركائز القوّة لاستمرار وجودنا ككيان عربي قوي، له كلمته وله مواقفه وله وزنه، تتمثل بالخصوص في التحكم في التكنولوجيا الحديثة، والحجم الهام الديمغرافي والاقتصادي لبلداننا العربية، وأيضا على أساس عملة قوّية لا تتأثر سلبا بكل الانزلاقات الاقتصادية، وأخيرا بدولة عسكرية قوية تحمي كلّ ما سبق من الركائز التي تمّ ذكرها؟ أعتقد جازما وأنّ حكوماتنا همّها الوحيد هو الحفاظ على كرسي الحكم، ولهذا تقع كل هذه الكوارث في دولنا؟
صدق الزعيم القذافي
ومثل هذا الكلام يذكرنا، بالعقيد معمّر القذافي حين قال مخاطبا الزعماء العرب، وقد ضحكوا عليه وقتها ووصفه البعض بـ ‘المجنون’، ويا ليتهم كانوا مجانين مثله. لقد قال وحرفيا ” بعد تصفية القضية الفلسطينية سيتم تصفية الشعب السوري واللبناني ثمّ المصري والأردني ثم الاندفاع للاستيلاء على مكة ثم المدينة. أمّا الإسرائيليون فهم قادمون إلى مصر .. لابدّ من احتلال وادي النيل، هذا الخط الأزرق. وقتها العرب سيركبون الحمير والجمال فرارا من الموت”
ولكل ما يجري الآن في عالمنا العربي، كرهت عروبتي التي أتعبتني كثيرا، خاصة أمام عدم انتباه دولنا العربية وأنظمتها لمثل هذه المخاطر التي نعيش مقتطفات منها كل مرّة في دولة عربية. لذلك قلت منذ البداية وأنّنا كعرب نهتم بالأشخاص بدل الأفكار التي ترسم مستقبلنا وتقي أجيالنا.
بل وكل عجبي لكل المهللين بمشاريع إبادتهم. وهذا يؤكد مرّة أخرى وأننا أصحاب العقول الصغيرة، الذين يهتمون بالأشخاص بعيدا عن نظرة استشرافية ومستقبلية ترسم المستقبل الجميل بدل السقوط في فخاخ الأعداء بكل تلك السهولة؟