نوفل سلامة يكتب/ مذكرة التفاهم حول الهجرة: مخاوف تصدير الأزمة إلى تونس والخيارات الممكنة

كتب: نوفل سلامة
أجرى وفد عن المفوضية الأوروبية زيارة رسمية إلى تونس موفى شهر أكتوبر المنقضي للاطلاع وتقييم ومتابعة مسار التزام الدولة التونسية بما جاء بمذكرة التفاهم حول ‘الشراكة الاستراتيجية والشاملة’ الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي في 16 جويلية 2023..
وتتعلق الاتفاقية أساسا بمكافحة الهجرة غير النظامية وكيفية مراقبة الحدود البحرية المشتركة للحد من تدفقات المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، والمرتكزة أساسا على المقاربة الأمنية ودعم جهود حراسة السواحل التونسية حيث من المقرر أن يتم مناقشة الخطوات التي تم إنجازها إلى حد الآن والنظر في الخطوات القادمة التي يجب اتخاذها لمواصلة تطبيق البنود الأخرى للاتفاقية، سواء ما تعلق منها بالهجرة أو بمجالات مرتبطة بهذا الموضوع…
محتشدات المهاجرين
وهي زيارة مهمة تأتي في توقيت دقيق تمر به أوروبا في علاقة بالجدل الكبير الدائر اليوم بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بعد ذهاب بعض الدول إلى إنشاء مراكز أو محتشدات لتجميع المهاجرين عبارة على سجون ومعتقلات إلى حين أخذ القرار بخصوص مصيرهم إما بإرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية أو السماح للبعض منهم من العبور نحو القارة العجوز أو بإبقائهم في بلدان المحتشدات.
الواضح اليوم أن بقاء المهاجرين الأفارقة فوق الأراضي التونسية بات يشكل عبئا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا على الدولة و إحراجا ومشكلة كبرى للكثير من الأهالي في الجهات التي تتكاثر فيها أعدادهم مثل منطقة العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس مما يستدعي الأمر لـ البحث عن حلول أخرى لهذه الأزمة من خارج مذكرة التفاهم مع الجانب الأوروبي حيث مكن هذا الاتفاق حسب ما صرحت به المفوضية الأوروبية من تخفيض في نسبة عبور المهاجرين إلى الضفة الأخرى من المتوسط وتحديدا إلى إيطاليا بنحو 60 بالمائة مقارنة بسنة 2023، معتبرة أن الاتفاق الممضى مع تونس قد قلص بشكل كبير وملحوظ من تدفق المهاجرين غير النظاميين مثنية على الجهود التي تبذلها السلطات التونسية في تنفيذ الاتفاق مع ملاحظة غياب الحماية لطالبي اللجوء، وهي تخوفات أبلغ بها الطرف الأوروبي المراقب للاتفاق السلطات التونسية.
هذا ما يُقلق تونس
المشكل الذي يقلق الدولة التونسية بعد مرور ما يزيد عن سنة على إمضائها على مذكرة التفاهم حول الشراكة الشاملة حول الهجرة غير النظامية في نتائجها المباشرة الحاصلة إلى حد الآن، وهي مخاوف تحويل تونس إلى ‘حارس حدود السواحل الأوروبية’ والمقلق الآخر في اعتماد سياسة تقوم على الترحيل القسري إلى بلدان المصدر أو بلدان القدوم بعد احتجاز المهاجرين في مراكز تجميع على غرار ما يحصل مع مركز سيسيليا ومركز ألبانيا وينتظر حسب اتفاق الشراكة هذا إنشاء مراكز أخرى في بلدان شمال إفريقيا على غرار تونس وليبيا و ومصر…
والمقلق الآخر أن هذه الاتفاقية التي استفادت منها إيطاليا قد نقلت أزمة الهجرة غير النظامية التي كانت تعاني منها البلدان الأوروبية وخاصة إيطاليا وصدرتها إلى فضاءات أخرى وخاصة إلى الفضاء التونسي وحولت الأراضي التونسية وسواحلها البحرية إلى نقطة حدودية متقدمة وحاجزا مانعا من وصول المهاجرين الأفارقة وكل التدفقات القادمة إليها من الجهات الثلاث الحدود الجزائرية والحدود الليبية والحدود البحرية مع أوروبا.
نجاح لـ ميلوني
لقد بات واضحا اليوم بعد مضي أكثر من سنة على إمضاء اتفاقية الهجرة التونسية الأوروبية أن ملف الأفارقة القادمين إلينا و الراغبين في عبور حدودنا نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل ومستقبل لم يجدوه في بلدانهم الأصلية، ويعتقدون أنه متوفر لهم في دول أوروبية يرغبون في الالتحاق بها من منطلق ما يعتبرونه حقهم الشرعي عن سنوات الاستعمار المهينة التي خضعوا لها وتعويضا لهم عما قام به المحتل الأوروبي من نهب خيراتهم وثرواتهم ولا يزال، بات واضحا إن المقاربة الأمنية على أهميتها وجدواها غير كافية لوحدها رغم ما حققته من نتائج أرضت الطرف الأوروبي وطمأنت الجانب الإيطالي على حدوده البحرية وجعلت جورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية تفتخر بتحقيق وعدها الانتخابي بتقليص تواجد الأجانب فوق الأراضي الإيطالية، وأن الحل الأمني والتعويل على بناء المحتشدات ومراكز التجميع والفرز أو ما يسمى بمراكز الاستقبال خارج الحدود على غرار ما فعلته إيطاليا مع ألبانيا التي انشأت مركز استقبال نقلت إليه المهاجرين الذين تم القبض عليهم في المياه الايطالية رغم ما يشهده هذا القرار من خلاف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ليس هو الحل المناسب والنهائي.
مقاربة أشمل
كما أن عملية مراقبة الحدود البحرية مراقبة صارمة واغراء بعض الدول بالمساعدات المالية والمعدات والأسلحة مقابل لعب دور شرطي الحدود أو حراس السواحل البحرية، وإن اعطت أكلها وخفضت من أعداد المهاجرين إلا أنها إجراء لا يكفي لوحده وقد يكون حلا ظرفيا آنيا يحتاج إلى مقاربة من نوع آخر تكون أشمل و أكثر إنسانية في التعامل مع هؤلاء المهاجرين وتذهب إلى معالجة المشكل من جذوره والبحث عن البدايات الحقيقة لمسألة الهجرة الإفريقية والجواب على سؤال ما الذي يجعل شباب بلدان افريقيا السمراء يتخذون قرار مغادرة أوطانهم الأصلية ويخيّرون الهجرة الخطرة وتكبد كل المعاناة التي يعلمون بها مسبقا؟
مسار تونس ـ روما
ما تقترحه الحكومة التونسية على الوفد الأوروبي الذي قدم إلى بلادنا في زيادة دامت يومين لتقييم مذكرة التفاهم حول الشراكة الشاملة حول الهجرة هو إيجاد حل سريع وناجع ضمن ما يعرف بـ ‘مسار تونس روما’ الاجتماع الذي انعقد في مدينة روما الإيطالية بتاريخ 23 جويلية 2023 وجمع عددا من الدول المتوسطية وناقش معالجة الأسباب الحقيقية الجذرية للهجرة غير النظامية وانتهى إلى وضع آليات لمواجهة هذه التدفقات من المهاجرين منها توفير التمويل اللازم لتنمية دول الانطلاق طالبي اللجوء وكذلك دول العبور وتضييق الخناق على تهريب البشر وإنجاز استثمارات أوروبية في الدول الافريقية في مجالات مثل الزراعة والبنية التحتية والطاقة المتجددة لخلق الثروة وتوفير مواطن شغل تشجع المواطن الافريقي على بلاده و بناء حلمه في موطنه الأصلي مع دعم الخدمات الأساسية في البلدان الأفريقية مثل التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومكافحة الفقر والحماية الاجتماعية والصحة والمياه والسكن وطرق الهجرة القانونية.
خيارات محدودة؟
يبدو أن هذا اللقاء الأوروبي التونسي الذي تناول تقييم ومراقبة ما تم التوصل إليه في مذكرة التفاهم حول الحد من الهجرة غير النظامية لا يوفر اليوم لتونس الكثير من الخيارات لإدخال تعديل ضروري على ما تم الاتفاق عليه ومراجعة بعض بنوده المراجعة المتأكدة بعد أن اتضح أن فكرة تحويل تونس إلى منطقة تجميع وفرز للقادمين من إفريقيا نحو أوروبا ومكان استقرار وقتي لهذه التدفقات غير مجدية، واتضح أن ضررها كبير وواضح على الجهات التي يتواجدون بها من حيث الجانب الأمني والاجتماعي وخطرا آخر على التركيبة السكانية للشعب بعد أن تصبح البلاد منطقة استقرار دائم لهم إذا ما تم رفض السماح لهم بالعبور نحو أوروبا.
المقلق اليوم في هذا الملف الشائك والمتداخل والمعقد أن البلاد ليس لها خيارات كثيرة متوفرة، وإن الخوف كل الخوف أن نكون قد كبلنا أنفسنا و قيدناها بهذه المذكرة حول الشراكة الشاملة حول الهجرة غير النظامية.