الأمين الشابي يكتب: الوضع في فلسطين بين العجز العربي والتواطؤ الدولي والبلطجة الاسرائيلية؟

كتب: الأمين الشابي
إنّ ما يجري في غزّة وفي عموم فلسطين، لا يمكنه أن يقبله العقل ولا الأخلاق والعُرف ولا العلاقات الدولية ولا الإنسانية. إنّ ما يجري، هو ضرب من جنون العظمة لدى الاسرائيليين والتدني المدقع للقيم لدى الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة والحريات وبالتالي التواطؤ والمشاركة في التصفية العرقية للفلسطينيين.
ولكن الأمر والأدهى هو هذا العجز العربي أو التواطؤ العربي أو الخيانة العربية لبني جلدتهم.
لا شفقة ولا رحمة
بل أخطر فيما يجري من قتل وهدم وخراب بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية هو نعت من يقاوم من أجل حرّيته وأرضه وعرضه بالإرهابي والحيوان سواء جهرا كما جاء على لسان الصهاينة المحتلين أو ماما أمريكا الراعي رغم واحد للبلطجة العالمية. أو سرّا كذلك لبعض أبناء جلدتنا من العرب الذين فقدوا الشيم والأخلاق العربية والإسلامية السمحة التي تدعو إلى حماية ذوي القربى إن كانوا مظلومين؟ والسؤال هنا مفاده هل هو العجز العربي؟ أم التواطؤ الدولي أم أنّ المواطن الفلسطيني لا حقّ له أن يعيش في هذه الدنيا ومآله القتل والتصفية والرضوخ إلى الاستعمار الصهيوني؟
البلطجة الصهيو / أمريكية
بداية، دعنا نقولها صراحة وأنّ منطق البلطجة هو الذي يحكم سلوك الكيان الصهيوني، ولسنا في حاجة إلى تقديم الأدلة على ذلك. فيكفي الوقوف على الأرقام من الآلاف التي حصدتهم الآلة العسكرية الصهيونية والآلاف أيضا مما مازالوا تحت الردم والآلاف من الجرحى الفلسطينيين واللبنانيين، والآلاف من البيوت المهدمة بل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ليقف الإنسان على مدى بلطجية وإجرام هذا الكيان حكاما وشعبا ولا نستثني أحدا.
عمليات تطهير عرقي
فـ سلسلة الغارات العنيفة التي شنّتها المحاربات الإسرائيلية استغلالا لما حدث يوم 7 أكتوبر 2023، فهي في ظاهرها إضعاف قوى المقاومة وتدمير قدراتها وتصفية قيادتها، وفي باطنها، ليست إلاّ مقدمة لتطهير الدولة الفلسطينية من العنصر الفلسطيني والقضاء ووأد القضية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها.
ورأى الكيان الصهيوني في تلك المناسبة (7 أكتوبر 2023) فرصة ذهبية لتحقيق ذلك البعد الاستراتيجي و البدء في مدّ نفوذه على كل الأراضي الفلسطينية، خاصة في ظل حكومة متطرفة.
حاضنة الكيان
ولكن أيضا لو لم تكن الولايات المتحدة ( الذي صرّح رئيسها “بايدن” خلال لقائه نظيره الإسرائيلي في البيت الأبيض بالقول ” التزامنا تجاه إسرائيل صارم ونحن نتشارك صداقة عميقة”) هي الحاضن لهذا الكيان، وتزويده بكل ما يستحق من العتاد والمال والخدمات الاستخبارتية، خاصة تلك القنابل الغبية التي تزن بين 2000 رطل و400 رطل من المتفجرات، ما كان لهذا الكيان أن يصمد كلّ تلك الفترة التي تجاوزت 400 يوما وهو يمطر الشعب الفلسطيني الأعزل بكل تلك القنابل الفتاكة. ومثل هذه المساعدات بلا حدود لا تدل إلاّ على أنّ كل من الكيان وماما شريكان في كل هذه البلطجة والإجرام الذي يغرق الأراضي الفلسطينية مزيدا من الدماء ومزيدا من الجثث المتطايرة أشلاؤها في السماء ومزيدا من الجثث المتفحمة ومزيدا من الدموع في مآقي الثكلى والأرامل من النّساء، ولكن يزيد في هذا الوضع حيرة، هو صمت المجتمع الدولي؟
التـــــواطؤ الدولـــي
السؤال المحيّر والصريح يقول، ما سرّ كلّ هذا التواطؤ الدولي لما يحدث من إجرام في حق الفلسطينيين؟ بل والخطير في الأمر وأن بعض الدول العربية أسهمت في فرض هذا الوضع العسير في فلسطين من قتل وتجويع وهدم ولم ينجو منه لا الطفل الفلسطيني، ولا النساء ولا رجال الإعلام، ولا الطواقم الطبية، ولا رجال الدفاع المدني، ولا الأبرياء العزل عموما؟
بل الأخطر، أن نرى هرولة لانتقاد ما يجري على الساحة الأوكرانية في حربها مع روسيا وتنافسا على سرعة الإدانة لقتل الأرواح هنالك. وفي المقابل نجد ترددا في إدانة نفس الفعل (القتل) في غزة…
بل البعض من الدول تجد المبررات لهذا القتل تحت يافطات مختلفة على غرار من حق الكيان الدفاع عن نفسه وغيرها من المسوغات، التي لا تمت للإنسانية بأية علاقة. بل يمكن التأكيد وأنّ الحرب الجائرة على الفلسطينيين بيّنت بما لا يدعو للشك، وأنّ المجتمع الدولي، بان عجزه لا على مستوى الهيئات الأممية بمختلف مهامها، بل وأيضا على مدى انخراط جلّ الدول ولو بالصمت، فما بالك بمن يمدّ الكيان الصهيوني بوسائل القتل والإبادة للشعب الفلسطيني، فيما يجرى على الساحة الفلسطينية.
وقوف مع الجلاّد
ومثل هذا الوضع، من الوقوف مع الجلاد على حساب الضحية، يدل على أزمة قيمية وأخلاقية تجتاح كل العالم. وهذا يتطلب مراجعة شاملة لكل المنظومة الدولية والأممية وهيئاتها المختلفة حتى يكون الاستقرار الدولي هو السائد والعدل هو المقياس.
عدا ذلك سنكون على موعد من العودة إلى قانون الغاب والاقتتال والبقاء للأقوى، وذلك بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي التي تشهده الإنسانية عموما. ولكن مع تنامي أيضا عالم الأشرار والبلطجة والسيطرة والروح الاستعمارية القديمة التي ظن الجميع أن حقبتها قد ولّت وانتهت. ولكن يبدو وأنّ الحنين إليها بدا واضحا وما يحدث بالشرق الأوسط وتحديدا بفلسطين الجريحة إلاّ دليل على هذا الفكر الاستعماري القديم والذي بدأ يزحف رويدا رويدا…
العرب بين العجز والصمت والتواطؤ
بالنسبة لإخواننا العرب، سأكتفي بسرد الأرقام التي تعكس حجم الكارثة التي يعيشها اخوتنا بفلسطين ومدى همجية هذا الكيان وبلطجته، على أمل تحريك ما بداخلهم من مشاعر الأخوة ولو شيئا صغيرا من التعاطف معهم ومدّ يد مساعدة لهم واغاثتهم من عالم مجرم تغيّرت كل مقاييسه وقيمه وأخلاقياته…
فيكفي أن نذكركم أيها العرب، بأنّ تقديرات واحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أنّ إسرائيل دمرت 92 بالمئة من شوارع غزة، و 84 بالمئة من المنشآت الصحية، واضطر أكثر من 90 بالمئة من سكان غزة إلى النزوح أكثر من مرّة واحدة وأصبحت ظروفهم المعيشية لا تُطاق فيما تتأرجح غزة على حافة المجاعة.
ودمرّ الكيان 75 بالمئة من مباني غزة بالكامل و 90 بالمئة من المباني الحدودية في رفح من الحدود مع مصر. وهاجمت القوات الصهيونية غالبية مستشفيات قطاع غزة الـ 36 والتي بقي منها 16 فقط في الخدمة بنصف طاقتها.
وتظهر أيضا هذه الاحصائيات تدمير 60 بالمئة من مساجد غزّة. وبخصوص المدارس أحصت منظمة ‘ يونيسيف’ تضرر 477 مدرسة وهو ما يمثل 85 بالمئة من جملة 564 منشأة تعليمية. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، لحقت الأضرار بحوالي 68 بالمئة من الأراضي الزراعية مع ارتفاع هذه النسبة إلى 78 بالمئة بشمال غزة. و لا نريد هنا تذكيركم بعدد الشهداء و الجرحى التي تجاوزت حتى الخيال.. وبعد كلّ هذا يحيرني سؤالا واحد ماذا ينتظر العرب لاغاثة اخوتنا الفلسطينيين؟ هل تنتظرون أن يفنوا جميعا؟
المقاومـة هي الحــــــل
لنختم بالقول، أ ليست المقاومة في النهاية هي الحل خاصة أمام بلطجية الصهاينة ومساندة الإدارة الأمريكية لهذا الكيان، وتواطؤ المجتمع الدولي، وصمت العرب وعجزهم حتى لتوفير الغذاء للفلسطينيين. أ لم يصدق الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي حين قال : ” عش عزيزا أم مت وأنت كريم / بين طعن القنا وخفق البنود / فاطلب العزّ في لظى ودع الذلّ / و لو كان في جنان الخلود”.