صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ لقاء مع المترجم العراقي بسام البزاز: ‘أدب الدكتاتور’ نصوص إبداعية من أمريكا اللاتينية

slama
كتب: نوفل سلامة

ضمن نشاطها لنادي القراءة نظمت مؤسسة روزا لوكسمبورغ مكتب شمال إفريقيا بتونس لقاء حواريا مساء يوم السبت 26 أكتوبر 2024 مع الأكاديمي والمترجم العراقي بسّام البزاز المتخصص في ترجمة أدب أمريكا اللاتينية إلى العربية…

وهي نوع من الترجمة تتعرض إلى شخص الدكتاتور وتتناول صورته في المخيال شعوب أمريكا اللاتينية التي عانت طويلا من الحكم الاستبدادي والأنظمة الديكتاتورية وخضعت إلى مسارات تاريخية عرفت أنظمة تسلطية قمعية ودموية انتجت أدبا وروايات غزيرة عرفت اصطلاحا بـ ‘أدب الدكتاتور’ وهو أدب يشبه ما يعرف عندنا في السنوات الأخيرة بأدب السجون الذي يحكي روايات وقصص معاناة المساجين السياسيين مع الأنظمة العربية الاستبدادية…

اضطهاد وتنكيل

في هذا اللقاء أوضح المترجم العراقي باسم البزاز الذي يزور بلادنا لأول مرة أن الأدب والروايات التي ترجمها إلى العربية عن أعمال لأبرز كتاب أمريكا اللاتينية من أمثال الكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز وماريو بارغاس يوسا من دولة البيرو و خوليو كورتاثر من الأرجنتين وكارلوس فوينتس من المكسيك وغيرهم من الذين كتبوا أدبا ونشروا روايات الشخصية الرئيسية فيها هي شخص الديكتاتور الذي حكم دول أمريكا اللاتينية بعد خروج المستعمر الأوروبي منها، وتسلم السلطة مباشرة بعد حروب الاستقلال التي كانت لها تداعيات كبيرة وتأثيرا عميقا في إضعاف مؤسسات الدولة وإضعاف روح المقاومة التي انهكت في حروب التحرير ما سمح لبعض القادة السياسيين من الاستحواذ على السلطة والاستيلاء على الحكم وما تبع ذلك من اضطهاد الشعوب والتنكيل بالمعارضين.
هذا المسار التاريخي الذي خضعت له شعوب أمريكا اللاتينية دفع الكثير من الكتاب والأدباء إلى التخصص في كتابة روايات تهتم بالواقع السياسي والاجتماعي وإنتاج أدب يعتنى بالدكتاتور وبشخصية الحاكم المستبد المتسلط وهي روايات حاولت التحدث عن واقع شعوب أمريكا اللاتينية وما تعرضت له في مرحلة من تاريخها من اضطهاد على أيدي أحد قادتها السياسيين وهي ظاهرة تخصصت فيها أمريكا اللاتينية رغم النفس الثوري الذي عرفت به وانتماء طبقتها المثقفة إلى الفكر اليساري والثقافة الماركسية التي عرفت بـ مناهضتها للديكتاتورية ومقاومتها للاستبداد.

نقل المعاناة واللوعة

هذا الأدب وهذه الروايات التي ازدهرت في سنوات الستين و السبعين من القرن الماضي والتي تحكي سيرة حكاما وقادة سياسيين عرفوا بـ استبدادهم واتباعهم لنهج تسلطي في حكمهم وسلوكا عنيفا دمويا مع شعوبهم وظلما وقمعا كبيرين حاول المترجم العراقي باسم البزاز نقله إلى القارئ العربي واطلاع المثقف العربي عليه لتشابه الواقعين العربي في فترة من تاريخه وواقع شعوب أمريكا اللاتينية بعد حروب التحرير ولتقارب الأوضاع بين العالمين من حيث الممارسة الاستبدادية والحالة الديكتاتورية وتداعياتها ونتائجها وأثارها على المواطن سواء كان عربيا أو من بلدان أمريكا اللاتينية.

تأثيث ذاكرة الشعوب

ما يمكن الخروج به من هذه الندوة أن ما قام بترجمته العراقي باسم البزاز من أدب الديكتاتور لبلدان أمريكا اللاتينية هو تقليد قديم عُرفت به هذه البلدان وثقافة روائية تخصص فيها كتابها الكبار الذين وصلوا إلى العالمية بفضل حركة الترجمة لـ منجزهم الأدبي الروائي، وهي حركة فنية لتأثيث ذاكرة هذه الشعوب وتأريخ أحداثها في مراحل تاريخية فارقة عرفت فيها اضطهادا كبيرا وظلما اجتماعيا لا يطاق عكسته هذه الروايات وهذه الأعمال التي وإن كانت روايات تمتزج فيها تقنية الخيال بالمعطى الواقعي ويختلط أسلوب التورية والتخفي والرمزية بالأحداث الحقيقية للدكتاتور إلا أنها تبقى أدبا يستحق الاطلاع عليه وروايات مهمة تحتاج القراءة.
والسؤال الذي طرحته هذه الندوة عن أدب الديكتاتور في معرفة الأسباب التي جعلت عالمنا العربي وحتى العالم الافريقي لا يعرفان هذا النوع من الأدب المتمحور حول شخص الحاكم الديكتاتور رغم أن العالم العربي وعالم الجنوب قد عرف في فترة طويلة بعد حصوله على استقلاله وبعد بناء الدولة الوطنية وخروج المستعمر الأجنبي أنظمة حكم تسلطية استحوذت على الحكم والسلطة والغت الحريات وسجنت المعارضين ونكلت بالشعوب؟

نص فريد

الإجابة التي قدمها مؤثث هذا اللقاء أن اغلب كتاب أدب الديكتاتور من بلدان أمريكا اللاتينية قد كتبوا رواياتهم خارج بلدانهم الأصلية وكتبوها بعد استقرارهم في مختلف الدول الأوروبية بما سمح لهم بهامش من الحرية وهامش من الديمقراطية والأمان مكنهم من نقد الدكتاتورية وكتابة أدب وروايات عالمية صنفت ضمن الأدب الملتزم بقضايا الشعوب وهو شكل من الكتابة تفوقت به عن الأدب الأوروبي ما جعل منه نصا فريدا ونوعا جديدا من الأدب فهو رغم تسليطه الضوء على كل ما هو محلي لدى هذه الدول وهذه الشعوب إلا أنه استطاع أن يجلب له القارئ العربي والافريقي واهتمام المثقفين في عوالم بلدان الجنوب.

هل من استفادة؟

وفي سؤال حول أي معنى وأي قيمة لكل هذه الترجمة المكثفة التي ناهزت قرابة 25 عملا لهذا الأدب القادم إلينا من أمريكا اللاتينية والذي يعكس واقع وحياة شعوب هذه البلدان؟ وهل من استفادة و تأثير لهذه الروايات على المناضل العربي الرافض للاستبداد والديكتاتورية ولكل حكم تسلطي؟ وهل من حضور لهذا الأدب في ثقافتنا الديمقراطية نحن العرب والمسلمين؟
كانت الإجابة المقدمة هي أنه رغم تشابه واقع الشعبين وتشابه سلوك الديكتاتور سواء في العالم العربي أو في بلدان أمريكا اللاتينية فإن طبيعة الحكم العربي المسنود بأحزاب وطنية قومية وماركسية وبحزام من مثقفين في غالبيتهم من الماركسيين الداعمين للانقلابات العسكرية والتنكر للديمقراطية هي أحد الأسباب التي جعلت العالم العربي لا يعرف هذا النوع من الأدب على عكس الدكتاتور الأمريكي اللاتيني الذي لا يتمتع بحزب سياسي يدعمه ولا مثقفين واقفين في صفه وإنما الذي جاء به إلى الحكم والسلطة هي المؤسسة العسكرية والانقلابات.

جرأة كبيرة

كلمة أخيرة حول هذا اللقاء الفكري الذي خُصص للحديث عن نوع من الأدب اشتهرت به أمريكا اللاتينية اصطلح على تسميته بأدب الديكتاتور أن هذه النصوص الإبداعية المترجمة إلى العربية قد اتسمت بجرأة كبيرة في نقد الديكتاتور وزخرفة وتنميق فني بديع مع مساحة من قلق رائع مصحوب بنوع من الجنون الذي يتناقض مع الواقعية الأوروبية وعدم التكيف مع واقع النمط الأمريكي في الكتابة حيث أطلقت هذه الحركة الأدبية العنان لحرية الخيال وكانت أعمالهم تميل نحو كل ما هو تجريبي وذو طابع سياسي فـ الظروف التي أحاطت بالوضع العام في أمريكا اللاتينية في الستينات والسبعينات، قد أنتجت ظاهرة أدبية عالمية فريدة من نوعها عرفت بأدب الديكتاتور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى