صالون الصريح

الأستاذ الطاهر بوسمة ينعى الراحل:..عندما أنقذت مكالمة هاتفية البشير بن سلامة من السجن…

كتب: الأستاذ الطاهر بوسمة

بكل حسرة وتأثر علمت بخبر أزعجني كثيرا ودفعني للكتابة بما تيسر وما أعرف وأعلم عن صديق كبير مثقف أديبا وكاتبا وسياسيا وزيرا، الراحل البشير بن سلامة كان صادقا ووفيّا عرفته منذ عقود خلت ولم يتبدل.

كنت منذ أكثر من ستين عام أراه من بعيد ومنذ أن كنّا ندرس ببناية واحدة، كانت قبل الاستقلال ناديا لسامي ضبط العسكر من الفرنسيين وتقع بشارع فرنسا رقم واحد، استقرت بها المدرسة العليا للترشيح الأساتذة والمدرسة العليا للحقوق في وقت واحد.
كان كل واحد منّا يدرس في اختصاصه وكانت تجمعنا وقتها كتابة عامة مشتركة ومدخل ورواق واحد.

تفرّقت بنا السبل…

تفرّقت بنا السبل واشتغل كل منا فيما تخصص، فالتحق هو بالتدريس في المعاهد الثانوية، أما أنا فقد انخرطت في العمل بالادارة المحلية والجهوية، لنجتمع بعدها في النشاط الثقافي والسياسي وانتخبنا في اللجنة المركزية للحزب  الاشتراكي الدستوري في مؤتمره سنة  1981 في زمن محمد مزالي.  

اختاره محمد مزالي زمن تحمله للوزارة الاولى وزيرا للشؤون الثقافية اين وجد نفسه في الإطار الذي كان يشتهيه ويحلم به، ففعل بالثقافة ما لم يفعله السابقون ولا اللاحقون وانجز ما لم تنعم به الثقافة اصلا.  

كانت ايامه بتلك الوزارة ربيعا للثقافة متفتحا على كل الكفاءات والابداعات وأنشأ خاصة بيتا للحكمة مازالت على وقته وزمانه تشهد.

كان مغرما بالكتابة وجرب القصة والاقصوصة وذلك بعدما قام مع المرحوم محمد مزالي بتعريب كتاب تاريخ شمال إفريقيا لـ شارل اندري جوليان الذي بقي لسنين المرجع الأساسي للتاريخ يدًرس في المدارس ويرجع إليه للتثبت.

اما في السياسة فقد اختاره مزالي بالاضافة للوزارة عضوا بالديوان السياسي لمدة انتهت بإقالته من وزارة الثقافة ضمن ممن أقيلوا زمن مسلسل الاثنين تهيئة لاقالة الوزير الاول من الوزارة الأولى باشهر، وأُسقط اسمه من عضوية اللجنة المركزية قبل الانقلاب على بورقيبة…

لم يتأثر…

لم يتأثر البشير بن سلامة وبقي مواكبا للاحداث وخاصة للادب والثقافة ولم يكن يبخل بالنشر والكتابة والمشاركة بما تتيح له الظروف.

لقد امتحن بعد إقالة المرحوم محمد مزالي من الوزارة الأولى والأمانة العامة للحزب وعلقت به قضايا كيدية كان من ورائها خصوم الوزير الأول الذي أُقيل انتهت مهمته بالإقالة وفراره بجلده بالهجرة، لما تأكد من المؤامرات التي كان يحيكها له خصومه في فترة خرف الرئيس الحبيب بورقيبة.

كنت محامي المرحوم البشير بن سلامة  في زمن الشدّة واطلعت على جميع القضايا التي علقت به وتتلخص في إفراطه في الانجازات الثقافية ومنها مؤاخذته على الإفراط في الدعم والانجاز، وتلك عادة باتت من المسلمات التي يُلتجأ إليها في الأزمات.

مكالمة أنقذته من السجن..

واتذكر انه كان مدعو للمثول أمام عميد حكام التحقيق وقتها المرحوم حسن بن فلاح يوم السابع من نوفمبر 1987 وكنت استعد لمصاحبته بصفتي محاميه، حتى رن  هاتفي يومها صباحا فوجئت بحاكم التحقيق يعلمني بتأجيل الاستماع اليه لوقت سوف يعينه لاحقا، كان ذلك بعد أن تحول الحكم الى زين العابدين بن علي.
فكانت له فرصة، شفعت له وجنّبته السجن الذي كان في تقديري مؤكدا بحكم الظروف التي مرّت بأمثاله من جماعة المرحوم محمد مزالي.  

ذلك ما بقي بذهني وقد تواصلت صداقتنا ولم تتبدل، إذ كان دائما على وفائه لـ محمد مزالي وخاصة بعد عودته لتونس بعد غيبة تواصلت سنين وزوال الأسباب وكل القضايا المرفوعة ضده وبطلان الأحكام بالتعقيب، وقد انتهت بالتفاوض والصُلح وكنت شاهدا عليها.

واني بهذه المناسبة الاليمة أترحم عليه وعلى محمد مزالي راجيا من الله ان يتقبلهما بعفوه وغفرانه يسكنهما فراديس جنانه، ويرزق عائلة المرحوم البشير بن سلامة الصبر والسلوان وكل احبته وأصدقائه وكل من انتفع من عمله في هذه الدنيا الفانية…
وانا لله وانا اليه راجعون.

تونس في 26 فيفري 2023  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى