صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ قانون حماية البنايات المتداعية للسقوط: الانتظارات والتحديات

slama
كتب: نوفل سلامة

بعد طول انتظار ونقاش معمّق وجدل قانوني وفني وواقعي صدر أخيرا الإطار التشريعي المنظم لـ وضعية البنايات الآيلة للسقوط والمساكن القديمة التي باتت تمثل خطرا واضحا على حياة ساكنيها وحياة الأجوار…

خاصة وأن هذه البنايات قد شكلت منذ سنوات إحراجا كبيرا للدولة والسلط المحلية التي تجد من حين إلى آخر نفسها أمام وضعيات قانونية واجتماعية صعبة بعد الإعلان عن سقوط بناية قديمة يعود تشييدها إلى فترة الاستعمار، وحتى إلى فترة عهد البايات وما يترتب عن هذا السقوط من مشاكل في إيجاد حل لأصحابها أو متسوغيها.

قانون حماية البنايات

إذن صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ضمن العدد 81 المؤرخ 2 جويلية 2024 القانون عدد 33 المؤرخ في 28 جوان 2024 المتعلق بحماية وصيانة البنايات الآيلة للسقوط، الذي تضمن 41 فصلا حاول من خلالها المشرّع التونسي معالجة مشكل المساكن والبنايات المتداعية للسقوط ووضع إجراءات لـ تعهدها بالصيانة أو إزالتها بالكامل إن تطلب الأمر ذلك، وإعادة بنائها والإجراءات المرافقة لضمان حقوق أصحابها أو شاغليها.

وبهذه المناسبة ونظرا لأهمية موضوع البنايات القديمة المتواجدة في عديد المناطق والمهددة بالسقوط نظرا لقدمها ولـ غياب تعهدها بالصيانة اللازمة وفي اتجاه التعريف بهذا القانون الهام وبالجهد الذي بُذل حتى يرى النور نتيجة الصعوبات التي وجدها الفريق المكلف بإعداده في التوفيق بين مواقف الجهات المتداخلة والتوصل إلى أرضية توافقية ترضي الجميع حيث شارك في صياغة هذا القانون البلديات الكبرى والمعهد الوطني للتراث و وزارة التجهيز والإسكان، تم تنظيم يوم دراسي يوم 2 أكتوبر 2024 دعيت إليه كافة البلديات إلى جانب المنشآت الحكومية وهياكل الدولة.

تقديم القانون الجديد

قدمت في هذا اليوم الدراسي للتعريف بهذا القانون الجديد ومناقشة مختلف الإجراءات التي جاء بها وكذلك الاستماع الى هواجس ممثلي البلديات الجهة الرئيسية المكلفة بتنفيذه مداخلتين واحدة تناولت الجوانب القانونية وثانية تعرضت إلى المسائل الفنية..
ومن خلال هاذين العرضين و النقاش الذي تبعهما نقف على جملة من الملاحظات أولها أن القانون الجديد جاء استجابة لما تتطلبه التطورات القانونية الحاصلة في مجال صيانة البنايات القديمة حيث اتضح أن المنظومة القانونية الحالية التي يحتكم إليها لفض المشاكل التي يُحدثها موضوع البنايات القديمة أصبحت غير مجدية ولا تفي بالحاجة وغير فاعلة مما يعني أن الرهانات كبيرة والآمال عريضة في قدرة هذا التشريع الجديد لإنهاء معضلة البناءات القديمة وحل النزاعات المتولدة عنها.
من الملاحظات الأخرى أن القانون الجديد قد استثنى المعالم التاريخية والبناءات الراجعة بالنظر إلى المعهد الوطني للتراث وهي منشآت لها تشريع خاص وإجراءات خاصة موكول تنفيذها إلى جهات أخرى غير البلديات، حيث تم حصر نطاق تطبيقه في البناءات المدنية لا غير وهي مساكن ومبان أكثرها تعود ملكيتها إلى الجاليات الأجنبية التي سكنت في فترة من الفترات بلادنا ثم لأسباب مختلفة غادروا نحو أوطانهم الاصلية لتصبح هذه البنايات في تصرف مواطنين تونسيين يستغلونها من دون صفة قانونية.

تحديد المفاهيم

الملاحظة الأخرى تتعلق بصعوبة تحديد المفاهيم والمصطلحات التي جاءت في هذا القانون من مثل مفهوم التداعي للسقوط، وكيف يحدد الخطر المهدد للحياة ومفهوم الخطر المحدق بالسكان ومفهوم التدخل الثقيل في حالة الحكم بالهدم وإعادة البناء وإشكالية تحديد السقوط الموجب للهدم..
من الإشكاليات الأخرى ما تثيره مرحلة التشخيص والمعاينة التي تقع أولا من قبل لجنة تتكون من أعوان البلدية ووزارة الإسكان والمعهد الوطني للتراث حيث يتعين اتفاق جميع أعضاء اللجنة على التشخيص وعلى الإقرار بوجود خطر وشيك ومؤثر مما يتعين معه التدخل السريع سواء بالإصلاح أو بالهدم وإعادة البناء ومما تثيره مرحلة المعاينة الميدانية مسألة تحديد طبيعة العقار هل هو تاريخي أم تراثي أم مدني؟ وصعوبة تحديد المالك في الوضعية التي يكون فيها الأجانب قد غادروا بلادنا.

الواجبات والمسؤوليات

من المشاكل الأخرى التي أثارتها مناقشة هذا القانون مسألة تحديد الواجبات وتحديد المسؤوليات بين المالك الأصلي للعقار والمتسوغ والبلدية ومسألة الأذون القضائية لتعيين خبير والقرار القاضي بالإخلاء للشروع في البناء وما يتطلبه من واجب توفير سكنى لشاغلي العقار أو توفير معين كراء، وهي قضية من أصعب المسائل التي سوف تعترض القانون وخاصة البلدية الجهة المكلفة بتوفير مساكن للإيواء حيث تمت الإشارة إلى أن البلديات ليس لها ما يكفي من الموارد المالية لإعادة إيواء شاغلي البنايات القديمة المهددة بالسقوط وتوفير محلات سكنى لهم..
وفي هذا السياق تم الوقوف على وجود صعوبة في إقناع شاغلي البنايات بضرورة مغادرة المكان لوجود خطر محقق وخطر تعرض البناية للسقوط.
من المؤكد أن هذا القانون الجديد هو خطوة هامة كان لا بد من القيام بها لتعويد المواطن على ضرورة فرض صيانة المباني القديمة و منع حدوث كوارث كبيرة و الحفاظ على الرصيد العقاري القديم الذي يعد بالمئات في مختلف جهات البلاد خاصة في المدن الكبرى كتونس العاصمة ومدينة سوسة وصفاقس الكثير منها له خصوصية رمزية وطابع معماري تاريخي يروي سردية أجيال من أبناء الشعب وتاريخ جهات بأكملها ويمثل ذاكرة البلاد…

قطيعة مع الإهمال

ومن المؤكد أن هذا القانون سوف يُحدث قطيعة مع ثقافة الإهمال وعدم المبالاة، ومرحلة جديدة للانتهاء مع ظاهرة وجود مبان قديمة آيلة للسقوط في وسط حضري حصري وما تعكسه من صورة مسيئة للبلاد ومظهرا غير لائق ولا مقبول ولكن المشكل الكبير الذي يطرحه هذا القانون فيما اعتبر اثقال كاهل البلديات بملف كبير في ظل غياب الاعتمادات المالية والعناصر البشرية التي سوف تتولى السهر على تطبيق هذا القانون وخاصة مسألة تعهد البلديات بتوفير مبان للإيواء في انتظار القيام بالإصلاحات أو إعادة البناء وكذلك الوضعية التي تجد فيها البلدية نفسها قد حلت محل المالك الأصلي في القيام بالأشغال الضرورية من ترميم وبناء وإعداد الدراسات ومخطط البناء وإجراءات الصفقات العمومية.
من المؤكد أن هذا القانون الجديد على أهميته البالغة سوف يحدث مشاكل في التطبيق وسوف يعرف الكثير من الإحراجات وسوف يثير الكثير من الجدل ويفتح نقاشا كبيرا حول الرؤية المستقبلية لموضوع البنايات الآيلة للسقوط والمساكن القديمة التي لم تعُد صالحة للسكنى لما تمثله من أخطار محدقة على أمن وسلامة أصحابها، ولكنها في المقابل تمثل ذاكرة الشعب وتاريخ البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى