عيسى البكوش يكتب/ مائوية الدكتور زهير السافي (1924-1976): أمهر الجرّاحين في زمانه

كتب: عيسى البكوش
‘إنّي عزمت على منافسة الأطباء الفرنسيين والتغلّب عليهم في نفس مجالاتهم’..
هكذا كان يردّد الطبيب الجرّاح المغفور له زهير السافي الذي تمرّ هاته السنة على ميلاده مائة عام.
هو أصيل قصور الساف ولكنه انتقل صحبة والديه إلى الكاف ثمّ سوسة فتونس العاصمة، حيث التحق بالمدرسة الصادقية واختتم المرحلة الثانوية بإحرازه على شهادة الباكالوريا بمعهد كارنو.
درّس الطب في الخارج
تحوّل من بعد ذلك إلى عاصمة الجزائر لدراسة الطب ثمّ انتقل إلى باريس حيث وقع قبوله كطبيب مقيم بأحد المستشفيات هناك، ثمّ عاد للوطن بعد تخرّجه عام 1957 على الرغم من كلّ الامتيازات التي كان قد يحظى بها لو بقي في المهجر.
وبالرغم من أنه اقترن بزوجة فرنسية فالرجل متيّم بحبّ البلد الذي أنجبه فكان ما لا بدّ منه أي العطاء بعد الآخر.
يقول مواطننا ألبار ممّي في مجال السخاء: ” أعطوا أعطوا لقد أُعْطٍيتم كثيرا”
« Donnez, donnez, vous avez assez reçu »
تلك سمة الرجال البررة الذين نذروا حياتهم لإسعاد أبناء جلدتهم وإنقاذهم عند الحاجة، وذلك هو ديدن الدكتور زهير السافي أوّل طبيب جرّاح تونسي بمستشفى شارل نيكول حيث خلف الطبيب الفرنسي المشهور Demilreau
عميد كلية الطب
أحرز سنة 1964 على التبريز، أي في نفس السنة التي بعثت فيها أوّل كلية للطب في بلادنا والتي انتخب فيما بعد عميدا لها خلفا للمنعّمين عمر الشاذلي والمنجي بن حميدة.
ولقد تطوّع قبل ذلك لمداواة الجرحى في معركة بنزرت سنة 1961 وفي أغادير بالمغرب الأقصى إبّان الزلزال الذي عصف بها، ثمّ في حرب جوان 1967 في مصر وفي حرب أكتوبر سنة 1973 في سوريا ملبّيا للضمير القومي الذي كان يسكنه.
فالرجل كان مهووسا حتى النخاع بنصرة القضايا الوطنية والقومية وبصفة أعمّ قضايا الإنسان أينما ظلم.
اعتداء غير مشرّف
وحتى في الداخل ـ أي داخل الحرم الجامعي ـ كان يذود على حرمة الطلبة وعلى تمكينهم من الحريات الأساسية ـ أي الرأي والتعبير ـ وواجه من أجل ذلك عداء المتنفذين آنذاك إذ أنّ مليشيات الحزب الحاكم لم تتوان إبّان الأحداث الطلابية عام 1967 عن اختطافه ـ هكذا ـ نكاية وعدوانا.
ولقد كنّا آنذاك بباريس وندّد البعض منّا بهذه الفعلة الشنيعة التي لا تشرّف الحزب الذي كنّا ننتمي إليه إذ أنّنا كنّا نأبى تلجيم الألسن وتسميل العيون، وعلى كلّ حال فلقد واصل الأستاذ زهير السافي مسيرته المهنية غير مبال بهذه الانحرافات التي لم تزده إلا إيمانا بالقيام بالواجب تجاه طلبته ومرضاه ومساعديه الذين أسّس بفضلهم مدرسة تونسية للجراحة طبقت شهرتها الآفاق ولم يتوان في إرسال المتميزين منهم إلى الولايات المتحدة لمزيد التخصّص.
لقد كان حضوره في المؤتمرات المحليّة والدولية لافتا للاهتمام نظرا لما كان يميّزه من علم غزير وأسلوب نحرير.
إنّ من يستمع للحديث الذي أجراه الصديق الحبيب بلعيد في إذاعة تونس الدولية والموضوع في “اليوتيوب” كمن هو جالس على ضفاف جدول يسير فيه الماء رقراقا، والماء هنا هو الكلام العذب للسافي، كدت أقول الشافي.
لبّى الدكتور زهير السافي نداء ربّه إثر حادث سير في طريق المطار ليلة العاشر من أفريل من سنة 1976 عن عمر لم يناهز 52 عاما.
بكاه الجميع
يقول محمد علي بالحولة في كتابه المرجع “الطبيب التونسي” : ” لقد أذهل موت السافي الجميع فبكاه مرضاه ومثلهم طلبته أمّا زملاؤه فلقد اعتادوا تنظيم أيّام دراسية تحمل اسمه، ولقد حضر الأيّام الأولى أعلام الطبّ مثل صاحب جائزة نوبل Jean Dausset والأستاذ Alfred Sauvy رائد علم السكان في فرنسا إلى جانب وزراء من الجزائر والمغرب وفرنسا.
رحم الله الفقيد وجزاه خيرا لما قدّمه للإنسانية.