نوفل سلامة يكتب: الاتحاد لم يعد شريكا في الحكم ودوره منحصر في المسائل النقابية الضيقة

كتب: نوفل سلامة
يبدو أن الجدل حول دور الاتحاد في علاقة بمنظومة الحكم الحالية قد حُسم، ويبدو كذلك أن كل النقاش حول مهمة المنظمة الشغيلة في السياق الذي تمر به البلاد ويمر به العالم قد انتهى اليوم بعد صدور المرسوم عدد 2 المؤرخ في 16 سبتمبر 2024 المنظم للمجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي نص عليه دستور 2022 في فصله 135…
وحدّد مهمته في إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل، بما يعني أن المجلس الأعلى للتربية من مهامه الأساسية رسم الخيارات والسياسات العامة للدولة والاستراتيجيات المستقبلية التي تخص التربية والتعليم والتشغيل…
اتحاد الشغل ‘خارج التركيبة’
وهذه المهمة الدقيقة قد أوكلها المرسوم الجديد إلى جهات محددة الاتحاد العام التونسي للشغل ليس من ضمنها، وهو غير معني بها حيث نص الفصل الرابع من المرسوم على أن تركيبة مجلس التربية تتكون من ممثلين عن وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتشغيل والتكوين المهني والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشباب والرياضة والشؤون الدينية والشؤون الثقافية بالإضافة إلى سبعة خبراء في مجال التربية يتم تعيينهم بأمر باقتراح من الوزراء المعنيين ومن رئيس هيئة الخبراء ورئيس هيئة التقييم..
وبالإضافة إلى الممثلين عن الوزارات وممثلين عن الخبراء يتكون المجلس من ممثل عن النقابات الأكثر تمثيلا في مجالات التربية، تتم دعوته لاجتماعات المجلس كلما دعت الحاجة إلى ذلك..
وكان جدول الأعمال يتضمن مسائل تتعلق بالحق النقابي بما يعني أن تمثيلية الاتحاد العام التونسي للشغل في مجلس التربية والتعليم ليست دائمة ولا قارة، وإنما هي ظرفية ووقتية وحضوره يكون كلما كانت هناك مسائل تهم الشأن النقابي ضمن أعمال المجلس..
مسائل نقابية فقط
وهذا يعني أن حضور ممثل النقابة أعمال المجلس مرتبط بمسائل نقابية تخص الموظفين وتهم الأساتذة والمربين في قضايا ذات علاقة بظروف الشغل والعلاقات الشغلية وحقوق العمال من موظفين إداريين وإطار تربوي.
وهذه قضايا منحصرة أساسا في النظرة القديمة لتدخل النقابات وفي علاقة النقابة بصاحب العمل وفي علاقة النقابة بالسلطة التنفيذية، بما يعني حصر تدخل النقابة وحضورها في المسائل ذات العلاقة اللصيقة بالعمل والشغل وظروف التشغيل من توقيت عمل وظروف عمل ومسائل الأجور وكل مطالب العمال الكلاسيكية والتقليدية التي تأسست بسببها ومن أجلها النقابات في بداية ظهور الصناعة والحركة العمالية والحركة النقابية في العالم الغربي في بداية القرن التاسع عشر وانتقل تأثيرها إلينا…
وهذا يعني بكل وضوح أن المجلس الأعلى للتربية ينعقد ويباشر مهامه وأعماله بصفة عادية بتركيبته الأصلية من دون حضور للطرف النقابي الذي كان عادة ما يحضر في الجلسات التي تهم هياكل الدولة ومؤسساتها في جميع القطاعات، ولا يتم استدعاؤه في هذا المجلس إلا إذا كان من ضمن جدول أعماله مسائل تهم ظروف العمل ومطالب الموظفين لا غير..
عملية ‘إقصاء’؟
وهذا التمشي الذي أقرته السلطة واختاره نظام الحكم القائم في علاقة بالمنظمة النقابية والذي اعتبره الاتحاد العام التونسي للشغل عملية إقصاء له من التركيبة وابعاده عن المساهمة في قضايا تهم مرفق عام من أخطر وأدق مرافق المجتمع قد حدد بصفة نهائية دور النقابة وضبط نطاق تدخل المنظمة الشغيلة.. وهي المطالب النقابية التقليدية لا غير..
الاتحاد ‘شريك’ أصبحت من الماضي
أما التدخل وإبداء الرأي كما كان يفعل في الخيارات الكبرى للدولة والمساهمة بالتفكير أو بالمقترحات في القضايا الاستراتيجية والسياسات المتبعة، والتي تحدد مستقبل البلاد ومستقبل الشعب فهذه المجالات لم تعد اليوم من مهام الاتحاد ولا من مشمولات المنظمة النقابية..
بما يعني أن فكرة أن الاتحاد شريك أساسي في الحكم قد انتهت وأن فكرة أن الاتحاد يلعب دورا محوريا وضروريا في إدارة الشأن العام من خلال تواجده وحضوره وتشريكه في السياسات العامة التي تضبطها الدولة قد ولى وانقضى وأصبح من سياسات الماضي…
اليوم بعد المنشور عدد 20 لسنة 2021 المؤرخ في 9 ديسمبر 2021 المتعلق بمنع التفاوض مع النقابات قبل مراجعة الحكومة، والذي فرض على القائمين على المؤسسات والمنشآت العمومية عدم الشروع في التفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل في المسائل المالية والزيادة في الأجور إلا بعد العودة إلى الحكومة وأخذ موافقتها، وبعد دراسة الطلبات المقدمة من النقابات ومراعاة التوازنات المالية وهو المنشور الذي اعتبر وقتها حدا من تدخل النقابة وتقليصا من دورها وبداية فك العلاقة والارتباط بين السلطة التنفيذية والنقابة، وارهاص على تغيير التعامل مع المنظمة الشغيلة…
المشهد تغيّر
وبعد المرسوم الأخير الذي أبعد الاتحاد من عضوية المجلس الأعلى للتربية وأقصاه من لعب دور الشريك في مجال من أدق وأخطر المجالات المؤثرة في مستقبل البلاد قد تأكد رسميا ونهائيا، أن الدولة في ظل منظومة الحكم الحالية قد غيّرت المشهد وغيّرت الصورة وأنهت أسطورة الاتحاد شريكا في حركة التحرير الوطني وشريكا في بناء دولة الاستقلال وشريكا دائم في الحكم وسردية الحضور الدائم والضروري في رسم السياسات والخيارات الاستراتيجية للمجتمع.
ما حصل اليوم مع المرسوم عدد 2 المؤرخ في 16 سبتمبر 2024 الذي ضبط تركيبة المجلس الأعلى للتربية والتعليم وضبط مهامه أن موقف السلطة من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كشف عنه منشور رئيس الحكومة عدد المؤرخ في 9 ديسمبر 2021 حول التفاوض النقابي قد حسم الجدل حول العلاقة القديمة التي يريدها الاتحاد أن تتواصل بين الطرفين وحسم القضية في مسألة حضور الاتحاد في كل المحطات السياسية وانهى فكرة أن للنقابة دورا فاعلا في الحكم وشريكا متقدما في ممارسة السلطة…
اليوم بعد المرسوم الأخير لم يعد هناك من معنى للحديث عن دور الاتحاد في الشأن السياسي وانتهى النقاش حول فكرة أن الاتحاد شريك في الحكم، وحسم كذلك النقاش حول الاعتراف بمكانة الاتحاد في حل الخلافات السياسية وتجاذبات السلطة والحكم والمطالبة بحوار وطني يكون طرفا فيه لحلحة الأوضاع الراكدة كما يقول..
عصر جديد..
اليوم السلطة الحاكمة قد قالتها بكل وضوح أن السردية التي يرددها الاتحاد دوما حول دوره السياسي إلى جانب دوره النقابي قد انتهت في مقابل سردية أخرى جديدة، وأن دوره التاريخي الذي لعبه في فترة حرب التحرير من الاستعمار وبداية الاستقلال وبناء الدولة هو خيار قد فرض نفسه حينها واستهلك بما فيه الكفاية وانتهى.. ولا يمكن أن يتواصل أكثر…
أما اليوم فإن الاتحاد العام التونسي للشغل عليه أن يفهم أن دوره كهيكل يدافع عن العمال يقتصر على التدخل في نزاعات الشغل وحل الإشكاليات العالقة بالعمل، وأن مهامه مختزلة في المسائل النقابية الصرفة وأن النظرة التي يتبناها الاتحاد من أن المسائل النقابية والمسائل الأخرى من سياسية واجتماعية واقتصادية لا تتجزأ هي نظرة قديمة قد ولت وانتهت ولا تتماشى مع التحولات العالمية والتحولات التي تمر بها بلادنا ولا تتماشى مع التفكير الجديد لدور النقابات ومهامها..
على الاتحاد أن يتغيّر
إنه عصر جديد وواقع جديد وتفكير مختلف ونظرة مغايرة لعلاقة السلطة بكل ما هو أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وأجسام وسيطة من إعلام وغيره ونقابات مهنية والمشكلة أن الاتحاد ما زال يفكر بالعقلية القديمة التي تجعل منه شريكا في الحكم، وما زال يأمل أن تستدعيه السلطة للحوار معها وأن تطلب منه المشاركة في سياساتها وخياراتها واستراتيجياتها..
والحال أن السلطة القائمة واضحة في كونها لا تقبل به شريكا معها وتطلب منه أن يلتزم بدوره الأول الدفاع عن المسائل النقابية الصرفة المتعلقة بالشغالين لا غير.
المشكلة أن النظام الحالي يفكر بطريقة جديدة والاتحاد يفكر وفق نظرة يبدو أن العالم قد تخلى عنها..