صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: أي مستقبل للعمل النقابي وأي دور للمنظمة الشغيلة في سياق التحولات السياسية الكبرى؟

slama
كتب: نوفل سلامة

نظم قسم الدراسات والتوثيق التابع للاتحاد العام التونسي ” المنتدى النقابي ” وهو فضاء فكري وثقافي وعلمي وذلك أيام 24 و 25 و 26 جوان المنقضي تناول فيه أهم القضايا وأهم التحديات والمشاكل التي يعرفها العمل النقابي وترهق الدولة والحكومة ولا تزال محل نقاش وجدل في الأوساط الفكرية والثقافية…

تحولات كبرى

وهي كلها قضايا ناتجة عما يعيشه الوضع الداخلي من تحولات كبرى ومؤثرة في شتى المجالات و ما يعرفه المناخ العالمي من سياق متقلب ومتحرك وخطير وفاقد للوضوح، جراء التوترات التي تعرفها العديد من الدول وخاصة تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية والحرب الظالمة على غزة من قبل دولة الاحتلال والحرب السياسية والاقتصادية بين جماعة النظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الأوروبيين ودول المشروع الجديد للعولمة بقيادة الصين وروسيا ومجموعة البريكس.
في هذه الندوة الفكرية قدمت ورقات فكرية حول المشاريع والبرامج التي أعدها قسم الدراسات والتوثيق التابع للاتحاد العام التونسي للشغل التي لها صلة بالطابع الاجتماعي والاقتصادي حول جملة من الملفات تناولت موضوع التشغيل والإصلاح الجبائي و الشفافية الجبائية والنفاذ إلى المعلومة ومشروع مراجعة الجدول الضريبي للأداء على دخل الأشخاص الطبيعيين، ودراسة حول مستقبل العمل في ظل التحولات العالمية التي يشهدها كما تم تقديم الخطة المناخية والانتقال العادل ( هو برنامج عالمي لتحقيق الانسجام بين ما تتطلبه الإجراءات المناخية الملحة مع الاحترام الكامل للعمل وحقوق العمال) والحد من مخاطر التحولات المناخية.

من المواضيع الأخرى التي تناولتها هذه الندوة العلاقة الاستراتيجية بين كل هذه المواضيع ذات الطابع الاجتماعي ومستقبل العمل النقابي والواقع السياسي وما يُعرف من عودة الشعبوية في الكثير من دول العالم، وفي هذا السياق تم تقديم بعض التصورات للخروج من أزمة تعثر الحوار مع السلطة والمجتمع المدني من أجل ضمان الاستقرار المجتمعي وتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على ما تحقق من الحقوق السياسية والدستورية وتجنب الإنفراد بالسلطة من أجل إرساء دولة عادلة وصالحة تقوم على احترام القانون ويخضع له الجميع من دون ظلم ولا حيف.

حلحلة الانسداد

وفي هذا السياق من البحث عن حلول لحلحلة الانسداد الحاصل بين المنظمة الشغيلة والسلطة الحاكمة والتوتر القائم بين الجانبين، أعدّ الاتحاد وثيقة مرجعية تحت عنوان ” تضامن وحدة، وضوح الرؤية ” تضمنت عدة نقاط في علاقة بمتطلبات المرحلة منها كيفية التعامل مع السلطة التنفيذية وتحديد الموقف من برامجها سواء في موضوع الإصلاح التربوي أو قضية رفع الدعم عن المواد الأساسية من محروقات وغيرها وملف إصلاح المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية والوضع السياسي المتعلق بالوضع الداخلي الذي يراه الاتحاد متأزما والتحديات المستقبلية التي تنتظر البلاد ومقترحات أخرى في ملفات دقيقة على غرار التغيرات المناخية والانتقال العادل والتحول التكنولوجي والطاقات المتجددة والبيئة والهجرة الوافدة…

رهانات أمام اتحاد الشغل

وحول إشكالية مستقبل العمل النقابي وواقع المنظمة في ظل التحولات التي يشهدها الواقع السياسي الداخلي والأفكار الجديدة التي تطرح في السياق الغربي حول مفهوم العمل النقابي ودوره في السنوات القادمة تم عرض الوثيقة التي أعدها الاتحاد تحت عنوان ‘ديمومة الاتحاد العام التونسي للشغل وتحصينه وتعصيره والارتقاء به’، تحدث فيها على مستقبل المنظمة الشغيلة و الأدوار المنوطة بـ عُهدتها على جميع المستويات استئناسا بالتجارب المقارنة للنقابات العالمية الأخرى وهي وثيقة تعدّ من أهم الوثائق التي اشتغل عليها الاتحاد وأعدّها، تناول فيها أهم التحديات والرهانات المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء تعلق الأمر بتقييم الأداء النقابي الذي يتطلب القيام بعملية تحديث شاملة وضرورية للمنظمة مع وضع التصورات الكفيلة بالارتقاء بها وبسط كل الإشكاليات لبلورة رؤية واضحة وشاملة وغير قابلة للتجزئة تتماشى مع مواقف و مبادئ الاتحاد العام التونسي للشغل التاريخية الثابتة والتي تأسس عليها في كل القضايا وكل القطاعات المهنية والمجالات الحيوية للمجتمع من صحة ونقل وتعليم وتربية وجباية وتحولات مناخ وغيرها …أهم المخرجات التي انتهت إليها كل الدراسات التي أعدها الاتحاد العام التونسي للشغل في علاقة بالوضع الاجتماعي وعرضها في ورقات فكرية للنقاش والتفاعل تتلخص في سبع تحديات:

التحدي الأول: هو ملف كبير وخطير وشائك ويتطلب وقفة حازمة ورؤية واستراتيجية مختلفة عما هو مطبق الآن يتعلق بمقاومة الفساد المستشري بشكل جدي و مستفحل بشكل كبير طال كل المجالات والميادين حتى خرج من المجتمع ووصل الى هياكل الدولة ودواليبها.
التحدي الثاني: منوال التنمية الذي شهد الجميع بأنه عقيم وأدى إلى تفاقم معدلات البطالة وزاد من الفوارق الاجتماعية وهو غير قادر على الاستغلال الأمثل للطاقة الكامنة في الاقتصاد فهذا المنوال وعلاقته بمنظومة الإنتاج وتوزيع الثروة لم يقدر على خلق النمو بالإضافة إلى انعكاساته المباشرة على التنمية الجهوية.
التحدي الثالث: يتمثل في تغييب الدولة شبه الكلي للمسائل الاقتصادية والاجتماعية الحارقة وافتقاد الحكومات لرؤية واضحة للإصلاح واستشراف المستقبل وضعف فادح في التخطيط الاستراتيجي.
التحدي الرابع: مسألة الاستثمار وضعف جاذبية البلاد للمستثمرين وهي إشكالية غير مرتبطة بالأوضاع التي عرفتها البلاد بعد الثورة، وإنما لها علاقة مباشرة بالفلسفة العامة القائم عليها فكرة الاستثمار والتي تتلخص في ثلاثة إجراءات أساسية مهمة ومن الضروري توفرها وهي تهيئة المناطق الصناعية وتوفير الامتيازات الجبائية ومنح الإعفاءات من المساهمة في الصناديق الاجتماعية.
التحدي الخامس: يتعلق بمسألة تمويل الاقتصاد من قبل القطاع البنكي والمالي بصفة عامة والذي نلاحظ أنه لا يموّل الاقتصاد الوطني بالقدر المطلوب وبما فيه الكفاية.
التحدي السادس: التقليص من عجز صناديق التقاعد الذي بلغ في سنة 2017 حدود 677 مليون دينار ومن المنتظر إذا ما تواصل الحال على ما هو عليه أن يبلغ العجز في موفى سنة 2025 حدود 3475 مليون دينار مما يتطلب مواصلة العمل بخيار الترفيع الوجوبي في سن التقاعد بسنتين للتقليص ولو نسبيا في هذا العجز.
التحدي السابع: تحقيق نظام حماية اجتماعية بالتوازي مع تنامي الاقتصاد الموازي من أجل حياة كريمة للمواطنين عند إحالتهم على التقاعد مع إيجاد الحلول لتمويل هذه الأنظمة وضمان ديمومتها في علاقة بواقع التطور الديمغرافي ونسب النمو وارتفاع معدلات البطالة وتطور مؤمل الحياة.

ديمومة العمل النقابي

هذه أهم عوامل القلق التي تشغل بال قيادة المنظمة الشغيلة والهموم الفكرية التي انكب عليها قسم الدراسات والتوثيق التابع للاتحاد العام التونسي للشغل والتي تم تقديمها في عديد الملتقيات الفكرية كان آخرها
” المنتدى النقابي الأخير ” وهي كلها رؤى وأفكار تندرج في إطار التفكير الاستراتيجي والاستشرافي، وفي سياق البحث عن حلول لديمومة العمل النقابي وفي سياق الإجابة على سؤال حارق كيف يمكن المحافظة على العمل النقابي وعلى دور الاتحاد كما عرف به تاريخيا وتأسس عليه منذ فرحات حشاد في زمن الاستعمار وفترة بناء دولة الاستقلال رغم التقلبات والتحولات السياسية التي يشهدها العالم وتأثرت بها بلادنا؟

ولكن رغم أهمية هذه الأفكار التي يطرحها الاتحاد فإن المشكل الذي يعترضنا ونحن نستعرض هذا الجهد الذي بذله في إعداد كل هذه الدراسات المستقبلية الاستشرافية التي تشتمل على حمولة مضمونية في غاية من الأهمية والإفادة أن المنظمة الشغيلة مازالت تعتقد وتؤمن بأن لها دور ثابت، واضح ومركزي في المساهمة في إنجاح الاستحقاقات الوطنية وأنها لا تزال شريكا فاعلا مع السلطة في رسم السياسات والخيارات الوطنية وأن من ثوابتها تقديم الرؤى والأفكار في كل ما يهم البلاد ويخص الشعب في حياته اليومية ومستقبله في القضايا التي تمس مقدرته الشرائية وكل القضايا الاجتماعية والتوازنات المالية العمومية ومشكلة تفاقم العجز التجاري والعلاقة بصندوق النقد الدولي وأن دوره النقابي لا يمنعه من إبداء رأيه في كل الجوانب السياسية والاقتصادية ويقترح البدائل والبرامج لمعالجة كل الأزمات التي تمر بها البلاد ويتدخل لتقديم تصوره في الخيارات السياسية وهذا ما يفسر الندوة السياسية التي نظمها سنة 2022 بالحمامات حول تنقيح الدستور ونظام الاقتراع…

دور الاتحاد انتهى؟

في الوقت الذي نجد فيه أن النظام الحالي والقيادة السياسية ترى أن هذا التصور لدور الاتحاد قد انتهى، وأن مهمته التي يذكر بها كل مرة في حاجة الى مراجعة جذرية لتقديم تصور جديد لمكانة الاتحاد في النسيج الاجتماعي والمشهد السياسي بما يلائم مع ما شهده العمل النقابي في العالم الذي يحدد دوره في حل المشاكل العمالية لا غير ويجعل من مهمته التدخل لفض قضايا الشغل فقط، ويعتني بكل ما هو ظروف عمل وعلاقات شغلية أما المسائل السياسية والاقتصادية وخيارات الدولة في هذه المجالات فإن الاتحاد لا دخل له فيها…
وتبعا لذلك فإن
المنظمة الشغيلة وفق هذا التصور الجديد ليس من دورها التدخل في اختيار نظام الحكم ولا علاقة لها بالخيارات السياسية ولا من مهمتها المشاركة في تشكيل الحكومة واختيار أفرادها، وهي غير معنية بإجراء حوارات وطنية وتفاهمات مع الحكومة حول كيفية إدارة الشأن العام.
وهذا المخاض الذي تعيشه المنظمة الشغيلة في تحديد دورها ومهمتها قد ألقى بظلاله على أدائها الذي عرف تراجعا كبيرا منذ التحول التاريخي لمسار 25 جويلية 2021…
ليبقى السؤال مطروحا أي دور وأي مستقبل للمنظمة الشغيلة في ظل هذه التحولات وهذا السياق الذي لا يخدم العمل النقابي؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى