نوفل سلامة يكتب/ ماذا نريد من الديمقراطية: جدلية الهيمنة والإتباع والمقاومة…

كتب: نوفل سلامة
عادة ما يطرح السؤال الديمقراطي في راهنيته وفي ظل صعوبات التطبيق التي تعرفها الديمقراطية في العالم بطريقة مختلفة، وتستعمل صيغة مختلفة كذلك للتعبير عن القلق من تعثر المسار الديمقراطي أو لإبداء موقف من انتكاسة الديمقراطية وفشل المشروع الديمقراطي في تلبية حاجيات الشعوب وانتكاسة طموحات من آمن بها…
سؤال محوري؟
هذه الصيغة تقول هل نحن أهل للديمقراطية؟ بمعنى هل أن تبني هذا الخيار هو مناسب لنا ويصلح بنا ونصلح له؟ أم أننا شعوب غير مؤهلة للسير في هذا الطريق؟
وهل نحن شعوب عالم الجنوب نحتاج إلى بناء ديمقراطي على شاكلة ديمقراطية الغرب والشعوب التي أنتجتها والعقل الذي هندسها؟ أم أننا نحتاج فكرة أخرى تناسب ذهنيتنا وثقافتنا ونفسيتنا؟
علاقة حائرة
هذه العلاقة الحائرة مع الديمقراطية تناولها الدكتور جلال التليلي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية والباحث في سوسيولوجيا الاتصال الإعلامي بطريقة مختلفة وعبر عنها بصيغة تقول: ماذا ننتظر من الديمقراطية؟ وماذا نريد منها ؟ وبذلك يكون قد نقل النقاش من سؤال الأهلية إلى سؤال الهدف والغاية من السير في هذا النهج الذي يُسمى ديمقراطية بما يعني أن جلال التليلي يعتبر أن الديمقراطية هي قدر الشعوب في هذا العصر وهي بناء لا مفر منه لتحقيق مجتمع سياسي منظم ودون إحتراب وهي أفضل ما وصل إليه العقل الإنساني لتنظيم الاختلاف وتمكين السلطة من الانتقال سلميا ودون اقتتال…ولكن الإشكال يتمثل في معرفة ماذا نريد من الديمقراطية؟
جدلية الهيمنة والاتباع
يطرح جلال التليلي سؤال الهدف والغاية من الديمقراطية كنظام حكم وتنظيم مجتمع وثقافة تحكم الأفراد وآلية لإدارة الاختلاف في سياق جدلية الهيمنة والاتباع أو ثنائية الاحتواء والمقاومة على أساس أن الفكرة الديمقراطية هي ليست فكرتنا ولا أنتجها العقل العربي ولا هي نابعة من ثقافتنا ولا أفرزتها سيرورتنا التاريخية وإنما الديمقراطية هي في حقيقتها منتوج الآخر المستعمر القديم والمهيمن الحالي بحداثته وفكر أنواره، وبعالمه المركب والمعقد الذي احتوانا ولا نملك أدوات فهمه ولا تفسيره وإنما مطلوب منا أن نسير في هذه الطريق الذي رسمها الغرب المهيمن..
هيمنة الغالب الاستعماري
يطرح جلال التليلي هذا السؤال القلق الحائر في سياق جدلية الهيمنة والاتباع التي لا تمكن فقط كما قال العلامة ابن خلدون من قبول المغلوب المولع أبدا بتقليد الغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، سواء كان مجتمعا أو طبقة أو فئة أو أقلية من الأقليات بهيمنة الغالب الاستعماري أو الطبقي، وإنما تكمن كذلك في جدلية الهيمنة والمقاومة فيما ذهب إليه العلامة ابن خلدون كذلك من أن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها وكلما طال تهميش انسانها يصبح كـ البهيمة لا يهمه سوى اللقمة والغريزة عندها تنهار الأوطان ويكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون والقوالون والصعاليك وضاربو المندل وقارؤوا الكف والطالع والمسيسون والمادحون والانتهازيون…
هذا التشخيص يحيل بالضرورة إلى فكرة المفكر اليساري الإيطالي انطونيو غرامشي عن الهيمنة والسيطرة التي يقع انتاجها في مناخات التسلط والاستبداد ومناخات الانحراف عن العقلانية والبعد عن التنوير ومناخات عودة الاستعمار بأشكال مختلفة، وهذا يفرز بالضرورة قوى مقاومة وجبهات تحرر من هذا الاحتواء وهذه الهيمنة الذهنية والنفسية والشعورية التي لا تخدم إلا الاستعمار الجديد والجهات التي تسنده وتدافع عن مصالحه وفكره وحداثته.
وعي جماهيري
ماذا نريد من الديمقراطية؟ نريد منها أن تفرز وعيا جماهيريا ضد الهيمنة مهما كان مأتاها سواء كانت داخلية أم خارجية و سواء كانت احتواء للعقل والإرادة أم كانت تقييدا وتكبيلا لهما. نحتاج الى الديمقراطية لأنها الفضاء الوحيد الذي يسمح بالحوار والنقاش المفتوح الذي ينتج النقد، والكشف عن التشوهات التي تحصل في المجتمعات نحتاج إليها لأنها تحمل في طياتها وبداخلها مقومات وآليات لمقاومة الهيمنة والتسلط واستراتيجيات الاحتواء والتوجيه.
نحتاج إليها لأنه في غيابها تكون المجتمعات سهلة في اختراقها وطيعة في توجيهها وتفتقد لآليات إنتاج المقاومة فالديمقراطية توفر مناخات لطرح الأسئلة والنقد والمعرفة ومسارات لعدم القبول المكره بكل ما يروج وينشر ويتداول في مختلف المنتجات الثقافية و الإعلامية ووسائل الدعاية والتوجيه الرسمية وغير الرسمية.
واقع الهيمنة
نحتاج إلى الديمقراطية ونريد منها أن تصنع إنسانا واعيا بواقع الهيمنة المسلط عليه بطرق ناعمة وسلسة وهادئة ولكنها في الآن نفسه رهيبة وخطيرة تمثلها مختلف الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسيطر على حياتنا وتوجه سلوكنا وتفرض علينا نمط تفكير وعيش لم نخترهما ودخلت حياتنا دون إرادتنا ولا إذننا وهي أنماط تطوّر في خدمة الآخر وحداثته وهيمنته الاستعمارية الجديدة القائمة على مواصلة التحكم في الشعوب والسيطرة على المجتمعات والهيمنة على كل شيء في هذا العالم المعقد والمركب والمتحول والفاقد لأي معنى.