صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ من طوفان الأقصى وحرب غزة إلى أولمبياد باريس و فوضى الغرائز: صراع الانسان و ‘اللا انسان’

slama
كتب: نوفل سلامة

خلّف الحفل الافتتاحي للألعاب الأولمبية بباريس الكثير من الجدل وردود الفعل الغاضبة في علاقة باللوحات الفنية التي قدمت، والتي اعتبرت من قبل جانب كبير من المتابعين من عموم الناس وحتى من الطبقة المثقفة الفرنسية وغير الفرنسية صادمة ولا تمت بأي علاقة للرياضة…

وجاءت تحمل عديد الرسائل السياسية والفكرية فإذا تجاوزنا عملية الإبهار التي رافقت هذا العرض الافتتاحي والذي اعتبر عملا فرجويا رائعا إلا أن المشاهد التي قُدمت حام حولها جدل كبير وتركت جملة من التساؤلات حول مرامي وغايات هذه الاختيارات الفنية.

فوضى الغرائز

الغضب الكبير جاء في ردة الفعل على اللوحات الفنية التي قدمت والتي اعتبرت إغراق في المثلية الجنسية وإكثار من السخرية من الرموز الدينية ومشحونة برغبة غير مفهومة لاستجلاب الوثنية الإغريقية وفوضى الغرائز والحواس واللذة المحرمة وتجاوز لمنظومة القيّم والأخلاق والآداب وتحطيم لكل الثوابت والمعايير الأخلاقية والإنسانية للإنسان والعودة إلى وثنية أثنية وفوضى الإغريق من خلال استجلاب صورة ديونيسوس أو باخوس إله الخمر والاحتفالات والرب الأمرد المخنث الذي يجمع في نفس الوقت بين الاحتفاء باللذة والنشوة والعنف والرغبة والشذوذ والانتقام وتقديمها في لوحة فنية شاهدها جمهور واسع في كل العالم.
هذه العودة إلى لوحات فنية تجسد الممارسة الجنسية المحررة من كل القيود واستجلاب لوحات فنية ورسوم لرسامين عرفوا بالتمرد على النظام والخروج على نمط العيش المتعارف عليه والرافضين للمعايير والمؤمنين بـ أيديولوجيا فوضى الحواس والعيش حياة الشرود والتيه وحياة اللا معنى، والتركيز الكبير على الشذوذ الجنسي وممارسة الجنس الجماعي هي عودة تعكس عقلية كاملة بدأت تتحكم في أوروبا وتكتسح مساحات كبيرة في حياة الشباب الغربي وتعكس ثقافة وراءها لوبيات رأس المال المتوحش والجهات النافذة فنيا وسياسيا وفلسفيا، والتي تعمل على جعل هذه الأنماط طريقة حياة لكل العالم وخيارات الشعوب بأكملها…

تعميم السلوكيات الشاذّة

وتحويل السلوكيات الفردية الشاذة إلى صورة عامة لكل الشعوب فما حصل في أولمبياد باريس ليس بريئا وإنما وراءه رؤية فكرية لتعميق قيّم الجنس والشذوذ والحرية المطلقة المحررة من كل قيد أخلاقي أو ديني أو تنظيمي تشريعي.
اليوم بات واضحا أن المثلية الجنسية وفوضى ممارسة الجنس وخاصة الجنس الجماعي قد تجاوزت القناعات الفردية والاختيارات المنفردة للشباب اللوطي أو الفتيات السحاقيات أو فئة المتحولين جنسيا ولم تعد مطلبا للاعتراف بهويات جنسية مختلفة من وراء منظومة حقوق الإنسان العالمية والكونية وإنما الذي حصل قد كشف على أن من يقف وراءها له مشروع تحويل كل العالم إلى عالم مثلي وتحويل العلاقات بين الأفراد والجماعات إلى علاقة الشواذ وجعل العلاقات الأسرية علاقات مثلية..

عالم جديد ‘مثلي’!!

اليوم اتضح بكل وضوح أن المثلية أيديولوجية تعمل على اختراق المجتمعات وتعمل على فرض سلوكها وخياراتها ورؤيتها للإنسان والممارسة الجنسية وتحولت من مجرد رغبات ونزوات فردية أو خاصة بجماعات قليلة أو بأقليات من البشر تريد أن تعيش على هذه الصورة إلى حركة مجتمع بكامله وحركة تسندها حكومات وينصرها سياسيون وفنانون ومفكرون ومثقفون وأدباء…
إنهم يريدون تحويل كل العالم إلى عالم مثلي في موقف واضح من الأديان والأخلاق والقيم والثقافات المغايرة كل هذه الأفكار عكستها مشاهد حفل افتتاح أولمبياد باريس التي مررت كل هذه الرسائل بشكل مختزل ومكثف في تحدي صارخ لكل شعوب العالم، وفي خطاب واضح للبشرية بأن القادم سوف يكون مثليا وأن مستقبل البشرية متجه نحو فوضى الحواس وفوضى العلاقات وفوضى الجنس وفي رسالة واضحة من أن العالم تقوده هذه الأيديولوجيا المثلية.

معركة قيّم كبرى

اليوم بات واضحا مع عملية طوفان الأقصى وحرب غزة التي تقودها فصائل المقاومة ضد الكيان المحتّل وآلته الحربية وما يشهده العالم من تحولات مفصلية لهذه الحرب على مستوى الوعي الذي حصل للشعوب تجاه النظام العالمي المتحكم الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وبات واضحا كذلك مع صدمة المشاهد واللوحات الفنية التي قدمت في حفل افتتاح أولمبياد باريس التي جسدت الفوضى الجنسية التي يبشرون بها…

أننا نعيش زمن صراع منظومتين فكريتين ومعركة قيّم كبرى بين قيّم الأخلاق والمبادئ الدينية والإنسانية والحياة الجادة وإعلاء قيم الإنسان الأصيلة، الإنسان المكرّم المستخلف المسؤول ومنظومة الفوضى والتمرد واللا إنسان منظومتان بصدد التشكل والتكوّن منظومة الإنسان المقاوم والرافض للهيمنة الغربية والاستلاب الحضاري وقتل الهويات الدينية وتجاوز الثقافات الذاتية التاريخية والصمود في وجه العولمة ونظامها الكوني الظالم الذي سخر كل شيء لصالحه والصمود في وجه السياسات العالمية الجائرة وشجع نظامها الرأسمالي والتصدي لكل مشاريع الاستعمار الجديد من أجل أن يبقى عالم الجنوب وبلدان العالم الثالث حية بهوياتها الخاصة وثقافتها التي تربت عليها وشكلت وجودها وهويتها وتميزها و قوتها .. وقيم الشرود والتيه وفوضى الغرائز ومنظومة اللا إنسان وضياعه وغربته وقيم العري والنجاسة وقيم عبادة الشيطان.

عالم جديد

ما شهدناه في أولمبياد باريس وما نحى على وقعه منذ عملية طوفان الأقصى هو ميلاد عالم جديد في طريقه للتشكل تشقه منظومتان الأولى الانتصار لمشروع الإنسان القائم على تبني القيم النبيلة والأدب والأخلاق الفضلى والثقافات المناضلة يقوده شباب فتحت المقاومة أمامه مساحات للفعل وآفاق للحركة والفعل البناء واستعادة إنسانية الانسان الحر المكرم والتائق إلى الأعلى .. ومشروع تحويل الإنسان إلى كائن غرائزي مهوس باللذة وبرنامج شذوذ جنسي وتحويل العالم بأسره إلى منظومة تائهة شاردة ضائعة بلا معنى ولا هدف ولا طريق إلا طريق التوحش وعبادة المادة وعبادة الجنس المنفلت وعبادة الشيطان.
هذا ما تبشرنا به الحداثة الغربية وهذا ما وعدت به اللوحات الفنية التي افتتحت بها فرنسا الأنوار والعقل والقيم الإنسانية الألعاب الأولمبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى