صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ في النقاش حول الاستحقاق الرئاسي: الشعوب والخيارات الراديكالية؟!

slama
كتب: نوفل سلامة

بدأ النقاش منذ فترة حول الاستحقاق الرئاسي المقبل وبدأ الحديث في الفضاء العام والخاص، وفي وسائل الإعلام حول الانتخابات الرئاسية القادمة وموعدها المحدد و المنتظر أواخر هذه السنة ومع هذا الحديث بدأت بعض الأسماء تفصح عن نفسها كمرشح منافس للرئيس قيس سعيد وتقدم نفسها بديلا للحكم…

وفي هذا الإطار من الاهتمام العام بأهم حدث سياسي تعرفه البلاد ظهر إسم الوزير الأسبق في زمن الرئيس بن علي منذر الزنايدي كمرشح عن العائلة الدستورية أو التجمعية، خاصة وأن هناك خلاف كبير حول هذه التمثيلية على اعتبار أن هناك رأي يعتبر أن العائلة الدستورية ليست هي العائلة التجمعية وأن الحزب الاشتراكي الدستوري ليس هو حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وأن الدساترة ينحدرون من الإرث البورقيبي، وهم سليلو دولة الاستقلال وكل التاريخ من النضال ضد الاستعمار..

وهي عائلة سياسية تمتد حتى المؤسس الأول المناضل عبد العزيز الثعالبي في عشرينات القرن الماضي في حين أن العائلة التجمعية هي مرتبطة بالرئيس الراحل بن علي، وتعبر عن القطيعة التاريخية التي حصلت في تاريخ البلاد بعد إقصاء الرئيس الحبيب بورقيبة من الحكم والتنكر له وإهماله في منفاه الانفرادي بعد عملية ‘الانقلاب’ التي قادها الثالوث زين العابدين بن علي والطيب البكوش والحبيب عمار في شهر نوفمبر من سنة 1987…

خطاب التجميع؟

مع بداية هذا النقاش وهذا الاهتمام بالأسماء التي بدأت تعلن عن نفسها مرشحا للرئاسة علق ماهر حنين الناشط السياسي والإعلامي والباحث في علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية على مقطع فيديو يظهر فيه منذر الزنايدي وهو يتوجه إلى الشعب التونسي بخطاب حول الوضع العام بالبلاد ويستعرض لمحة من رؤاه وبرنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعد به فقال إن المتأمل فيما يعرضه الزنايدي يقف عند مسألتين:
الأولى أن الرجل يستعمل معجم لغوي عباراته منتقاة بدقة وكلماته مختارة ومدروسة ويستعمل جملا قصيرة وواضحة وأسلوبه يبتعد عن فكرة التصادم أو تخوين الخصم وفيه توجه نحو التجميع والتوجه إلى عموم الناس بما يجعله خطابا يبتعد عن لغة الحرب والمواجهة، ويجعله مقبولا ومستساغا عند الكثير من الناس وهو في هذا الاختيار قد تميز عن خطاب الرئيس قيس سعيد..
ولكن السؤال هنا هل ما زال هذا الخطاب بهذا الشكل وهذا المعجم اللغوي الذي يعتمد عليه الزنايدي والذي تقبل به جانبا من النخب وجانبا من السياسيين مقبولا عند الشعوب؟
وهل ما زالت الشعوب تقبل بهذا النوع من الحديث الموجه لها و المؤسس على فكرة التجميع والتوافق ولم الشمل ومحاولة تمثيل الجميع والتصالح مع الكل؟ هل مازال هذا الخطاب التوافقي مقبولا؟ هل ما زال هذا النوع من الخطابات التي تبتعد عن تسمية الأمور بمسمياتها وتحاول قدر المستطاع تجنب المواجهة مع الجهات المعطلة للإصلاح والرافضة للتغيير والمانعة من تحسين الأمور والمحافظة على مصالحها بكل الطرق محببا عند الشعوب؟
يقول ماهر حنين إن فكرة المرشح الواحد والوحيد التي يراهن عليها خصوم الرئيس قيس سعيد لهزمه في الاستحقاق الانتخابي المقبل تعترضها معوقات كثيرة منها قدرة منذر الزنايدي على تمثيل التجمعيين وكل العائلة الدستورية وكل العائلة الديمقراطية الاجتماعية الوسطية التي تنضوي تحتها تيارات فكرية عديدة من يسارية وقومية وحتى إسلامية، خاصة وأن الرجل قادم من تجربة في الحكم خلفت وراءها الكثير من المآسي وكانت سببا في قيام ثورة لا نزال إلى اليوم نعيش تداعياتها ومخلفاتها…

المسألة الثانية أن أهم عائق أمام التعويل على فكرة المرشح الواحد والوحيد الذي يلتف حوله جميع المعارضين حتى لا تتشتت الأصوات تكمن في الإجابة على سؤال هل نحن في حاجة اليوم إلى مرشح وسطي ومعتدل بالمواصفات التي ظهر بها منذر الزنايدي؟ هل ما زالت الشعوب تقبل بمثل هذه المواصفات في من تختاره رئيسا لها؟ الإجابة قطعا لا…

الراديكالية حصان ناجح؟

اليوم الترشحات المعتدلة عبر العالم وفي كل التجارب الحديثة مصيرها الفشل وخيار الشعوب اليوم هو الذهاب نحو القوى الراديكالية والتعويل على شخصيات صلبة ليس لها مواصفات المهادنة والتساهل مع الفساد والتعايش مع سياسات الهيمنة والاحتواء.
ما هو ملاحظ اليوم في تجارب الشعوب أن الراديكالية هي مطلب ضروري وهي خيار الشعوب وأن خيار المرشح الوسطي الذي يقبل به الجميع جرب ففشل وهذه الحقيقة تتأكد بكل وضوح في الموقف من القوى الداعمة لما تقوم به الآلة الحربية الصهيونية في غزة حيث التوجه العالمي للشعوب هو النقد الراديكالي للسياسات الغربية، والرفض الكامل لمواقف قوى الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية الشعوب اليوم تريد حلولا جذرية عميقة وواضحة لقضاياها ولكل قضايا الإنسانية أما السياسيات والحلول الترقيعية والمرحلية فقد أضحت مرفوضة.

الإصلاح أولا

اليوم الشعوب تريد من يصلح لها أوضاعها من الجذور وتريد خيارات تصل إلى العمق وتريد مقاربات لا تكتفي بالنظرة السطحية وتغفل على لب المشاكل تريد شخصا يحكمها ويمسك بالأمور من جذورها. الشعوب اليوم تريد إصلاحا اجتماعيا وسياسيا شاملا يفتح حربا على كل مظاهر الفساد ويقضي على كل من يقف وراء عدم تحقيق العدالة بين الجميع، وكل من يحتكر الثروة ويعيق توزيعها بالعدل والانصاف.
الشعوب تريد من يعدها بعالم من دون استغلال ولا جوع ولا فقر ويعيد لها الاعتبار ويحافظ على هويتها ويحقق لها سيادتها الكاملة ويمنع عنها التدخل الأجنبي ولا يقبل بمواصلة الاستعمار حضوره بعد خروجه من أراضيها.

حلول جذرية

من الواضح اليوم أن التوجه نحو الراديكالية وأن خيار الحلول الجذرية التي تعود إلى فكرة الأسس والجذور ليس مجرد نظرية ولا عرض سياسي يقدمه السياسي وانما هو اليوم مطلب الشعوب في البحث عن حقيقتها ومستقبلها…
فهل يعني هذا أن العالم يسير نحو أفق جديد وأن روح العصر الذي نحياه يرفض كل قيم الحداثة وكل فكر عصر الأنوار التي حكمت الإنسانية وهيمنت على الشعوب لفترة وأوهمت الفرد أن سعادته في هذه المعرفة التي تحيّل بها الغرب على العالم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى