محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ أعلام عاشوا في صفاقس ثم ودعوا: موسى الطرابلسي

كتب: محمد الحبيب السلامي
أيها الأصدقاء…أرجوكم أن تطلعوا وتطالعوا قصة (عمي موسى) لتعرفوا لماذا قدمته مع الأعلام…(عمي موسى) هكذا كنا نناديه…لا يعرف متى ولد، والثابت أنه ولد في نهاية القرن التاسع عشر…
هو من إفريقيا السمراء، ولكنه لا يذكر اسم البلد الذي ولد فيه…(عمي موسى) لم يتعلم القراءة والكتابة، ولكنه تعلم رعي الغنم في افريقيا السمراء، كان يخرج مع الرعاة الأطفال خلف غنم لا يملكونها، ولكن أولياء أمورهم يأخذون أجر الرعي من مالكيها…
(عمي موسى ) يروي طرائف الرعاة الصغار وهو يضحك…يروي أن راعيا صغيرا كان عليلا امتد يوما قرب طرف جبل فمد إليه راع كبير يديه وشدّه من رجليه ورفعه وهو يهدده بإلقائه من أعلى الجبل والراعي الصغير يصيح ويبكي ونحن نضحك، ثم ألقاه في المكان الذي كان فيه…وما هي إلا أيام مرت حتى أخذ ذلك الراعي العليل يتعافى من علته وكأن الرعب والخوف دواء لدائه…
رحلة إلى طرابلس
(عمي موسى) يقول ويروي، كان الرجال البيض يخطفوننا ليستعبدونا…وفي يوم جاء من حدثنا عن طرابلس بخيراتها فاتفقنا على الذهاب إليها دون إعلام أهلنا…وقطعنا الطريق في أيام، ووصلنا
وفي طرابلس قضينا سنوات…وتعوّدنا على لغة طرابلس، (عمي موسى)، يقول ويروي أن الطليان نزل في طرابلس…وخفنا من الطليان الأبيض أن يأخذنا فقررنا أن نهرب…فلمن نهرب؟
من طرابلس إلى صفاقس
(عمي موسى) يروي ويقول: حدثونا عن بلد قريب..حدثونا عن صفاقس فيها الزيتون وفيها العمل…فتوجهنا إلى صفاقس خفية، وبعد أيام قضيناها في الطريق وصلنا (عمي موسى) يروي ويقول: وجدنا من ينصحنا بالبقاء في مكان يجتمع فيه من يبحثون عن شغل ويأتي إليه من يبحثون عن عمال، فذهبنا إليه وارتحنا…
(عمي موسى) يروي ويقول: إليه جاء من أخذني عاملا في جنانه…إليه جاءني وأخذني من عرفته (سيدي احميد التريكي) ومعه اتفقت على أن أبقى أجيرا عنده…
يوفر لي الطعام والشراب، ويكسيني كدرونا، ويوفر لي عباءة…وفي نهاية السنة يعطيني أجر سنة…يعطيني عشرة فرنكات…وأتممت السنة وقبضت أجري، ويظهر أنني لم أعجبه أو أنه لم يكن في حاجة إليّ لذلك قال لي: هل تقبل أن تعمل عند غيري؟ قلت: إن كنت تعلم أنه يعطيني حقوقي أقبل؟ قال لي سيدي احميد: يعطيك حقوقك (عمي موسى) من هنا دخل جنان محمد بن الحاج محمد السلامي بطريق العين بصفاقس، دخل ليكون أجيرا سنة…والسلامي وفر له ما يريحه، والأجير أثبت في خدمة الفلاحة كفاءته لذلك لما انتهت السنةً ماطله السلامي ولم يعطه أجره…وذلك ليبقى معه أجيرا…
عاش سنوات في صفاقس
وتمر السنوات و(عمي موسى ) مع السلامي…في برج السلامي تزوج مسعودة السمراء بنت ساسية السمراء وكانت معينة في دار الحاج احميد التريكي…في دار السلامي أنجب من أولاده السبعة ولدين: محمد والحبيب، وكان السلامي يستظرفهما فيتعشيان معه على مائدته…ولما بلغا سن الدراسة أدخلهما زاوية العالية..من دار السلامي قدم له السلامي برجا حوله جنان يعيش فيه مع عائلته وترعى زوجته مسعودة أرملة كفيفة…
وفي هذا المسكن أنجب من البنات أمينة وزينب، ومن الأولاد الذكور ثلاثة…وتتزوج أمينة…ويدخل المرض بعد الفرح والعرس الذي كانت تشرف عليه أمي…بعد العرس تصاب زينب بمرض السل وتموت، ويصاب الحبيب الذكي الناشط العامل في ميكانيك السيارات بمرض السل ويموت…وتصاب أمينة بعد العرس والفرح بعامين بمرض السل فتموت، ويلتحق بها أخوها سالم، وبقي محمد ليخرج ويتعلم البناء ويتزوج وينجب أولادا فيهم من تعلمت وصارت معلمة…
يحتفل حسن بختم القرآن في الزاوية ويخرج إلى ميادين العمل فيثبت وجوده في مواقع كثيرة وينجب من الأولاد من تعلم وعلم ….وضاع علينا صالح…لا أعرف نهايته وإن كنت أعرف أن البرج والجنان تم بيعهما بعد أن تزوج محمد في غرفة بناها وقبل وفاة عمي موسى وأمي مسعودة…
تعلّم التقطير..والمردومة
وتعود بنا حوادث القصة إلى (عمي موسى)…فقد وجد في برج السلامي ابني السلامي (محمد وعلي)، وهما أصغر منه، ومنهما تعلم الصلاة وحافظ عليها إلى آخر حياته، ولما فتحا متجرا لتقطير الزهور كلفاه بمحل التقطير وعلماه قواعده، وعلماه الحساب حتى يعرف كمية الزهور، وكم من (فاشكة) يستخرجها من الزهور…
وبذكاء (عمي موسى )تعلم كيف يبني المردومة ليستخرج من الحطب فحما…واشتهر بهذه الصناعة التي لم يكن يتقنها مثله فصار يدعى من كان يطلبه لمردومة في حطبه وجنانه…ولأنه كان يبقى ليالي وأياما يسهر على المردومةً فكنت مع أولاد عمي نسهر معه، ليالي المردومة في جناننا ليحكي لنا حكايات عن الأفارقة وعن أبي زيد الهلالي…
كان راوية، وندمت لما كبرت لأنني لم أسجل له مروياته…عاش عمي موسى معنا، عاش مع عمي وأبي، وعشنا معه وتزوجنا، عاش مع حرث أراضينا، ومع فلاحة زيتوننا، ومع أعراسنا، ومع جيرانه، ومع حي العالية يتمتع بالتقدير والرعاية…
مرض ‘عمي موسى’
مرض يوما في بيته وكان مصابا بمرض الفده، جئته بطبيب أجنبي على عجل فاستغرب أمري وسألني هل هو أبوك؟ قلت: أننا تربينا على محبته، ففي يوم من صغري لاعبني فرفعني ووضعني على ظهره…رأنا أبي فغضب لأنه تصور أنني أهنته …ومن هذا التقدير كنا نناديه (عمي موسى) وقضى حياته لا يشعر باحتياج…شاء القدر أن يموت في الستينات وأنا في جندوبةً، فتم توديعه من أهله وأهلي وأحبابه من جيرانه وحيه بالرحمة وحسن الذكر ودفن في نفس المقبرة التي دفن فيها البعض من أقاربي…
فبماذا يذكره الأصدقاء بماذا يعلقون على قصة حياته لنزداد به معرفة وفهما…وأنا أحب أن أفهم ؟