صالون الصريح

يوسف الرمادي يكتب على هامش أيام قرطاج المسرحيّة: المنصف السويسي خُلِق مُمَثِّلا…(2)

aramadi
كتب: يوسف الرمادي

كنّا في شهر رمضان من ستينيات القرن الماضي وكانت الإذاعة الوطنيّة ـ الوحيدة آنذاك ـ تقدّم منوّعة مشهورة جدا بعد الإفطار مباشرة هي ‘من مُغَامرات شَنَابْ’ ولا أتصوّر أنّ هنالك عائلة واحدة تملك مذياعا لا تلتفّ حوله في صَمْت للاستمتاع بهذه المنوّعة…

‘مُغَامرات شَنَابْ’ في القسم

وفي يوم من الأيام كنّا في قاعة الدراسة نترقّب قدوم الأستاذ فإذا بالـ”منصف السويسي” بكلّ سرعة وبخبرة المخرج المحنّك يُقسّم التلاميذ إلى فريقين الأوّل يقول من “مُغامرات” والثاني يذكر اسم الأستاذ بنفس الطريقة ثمّ كلّ التلاميذ يطلقون تلك الضحكة المشهورة التي تميّزت بها المنوّعة، على أن يكون ذلك عندما يطلّ الأستاذ من باب القسم…

استدعاء وليّ!

وكان الأمر كذلك وبنجاح كبير، فما كان من الأستاذ إلّا أن رجع أدراجه وذهب للقيّم العام الذي حاول تهدئته فقال له الأستاذ: »يا سي البشير وَلّاَتَلي مغامرات في القسم »… فرافقه القيّم العام وأخرج بعض التلاميذ وكان ينوي إرجاعهم للقسم في الساعة المواليّة بعد عقاب بسيط، لكن المجموعة المتكوّنة من خمسة تلاميذ فَتَحتْ جوقة قرب قاعات الدراسة وهي تترنّم بـ »المألوف” وكان يقودهم ابن الراشديّة الـ “منصف بن عيسى” رحمه الله، فأُعْلِم القيّم العام بأنّ الجماعة فتحت فرقة مألوف فما كان منه إلّا أن طلب من الجميع الإتيان بأوليائهم…
هنا “تَضْرَبْ المنصف السويسي جاء يَدُورْ” فوالده عزّ الدين إذا سمع بذلك سيكون له معه عقاب عسير، وهنا أستشهد بـ صالح الحاجّة الذي يعرف صعوبة المرحوم والد المنصف…

جدّة المنصف المزعومة

كانت هنالك امرأة عجوز في حيّه تتنقّل من منزل إلى آخر للسؤال إذ ليس لها أي جهد لا للعمل في المنازل ولا لقضاء بعض الحاجات من عطّارة الحومة، فأغراها المنصف بأن وعدها بحكّة ‘نفّة’ وخمسين مليم وأخذها من يدها وهي متّكئة بالأخرى على عكّازها ولا يعلم إلّا الله كيف قطع بها الطريق الصاعدة من الـ »حَلْفَوِين” إلى المعهد وقد أوصاها أن تقول للقيّم العام أنّها جدّته، وأن والده مسافر لكن القيّم العام الذي يعرف المنصف معرفة جيّدة لم تنطلي عليه الحيلة، فقال لها مبتسما وقد رقّ لحالها “تَهَنَّى عَلِيهْ وما تَجِيشْ مَعَاهْ في المستقبل »…
والتفتَ للمنصف وقال له اذهب لقسمك وسأتفاهم معك في ما بعد “وخرجتْ العجوز من مكتب القيّم العام وهي تنادي يا “منصف أين حكّة النفّة والخمسين فرنك ….؟

الزمن الحلو..

رحم الله أستاذنا وغفر لنا عن هذا الطيش إن كان هذا الأستاذ من أحرص أساتذتنا على نجاحنا وعلى مستقبلنا، وكان يبذل في القسم جهدا فوق طاقة البشر بإخلاص وضمير لا مثيل لهما وبعد سنين كنت عندما ألتقي به في الشارع وأحاول الاعتذار له يقول لي: هو فورة الشباب دعك من هذا… حَدِثَنِي عن الدراسة في الجامعة وأين ذهب فلان… وفلان… والمنصف هل التحق بالمسرح؟ وكنت أشعر أنّ الأستاذ يلتذّ بحكاياتي فكأنّني أحدثه عن نجاح أبنائه….
رحم الله أستاذنا فهو من مربّيي الزمن الحلو الذي سوف لن يجود الدهر بمثله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى