هادي دانيال يكتب: أمريكا تسوق مجدّداً إلى الحرب التي لم تتوقف على الدولة السورية

كتب: هادي دانيال
ما يُسمّى “قوات التحالف الدولي” في سورية هي ذاتها “قوات الحلف الأطلسي” أو “الناتو” وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية دائما، هذه القوات التي تزعم أنها موجودة لمكافحة الإرهاب المتمثل بتنظيم القاعدة تارة وبتنظيم “داعش” تارةً أخرى تحرص دائماً على إبقاء “داعش” في الصحراء السورية و”القاعدة” التي صار اسمها “جبهة النصرة” في إدلب وريف حلب كي تبقى ذريعة بقائها في الأجواء وعلى الأراضي السورية قائمة.
خاصة وأنّ الوجود الأطلسي في سورية غير شرعي وغير قانوني، خلافا للوجود العسكري الروسي الذي حصَل استجابةً لطلبٍ من الدولة السورية وحكومتها الشرعية بدمشق.
نهب ثروات السوريين
عندما نقول “قوات حلف الشمال الأطلسي” نعني بذلك القوات التركية أيضاً، فـ أنقرة عاصمة حلف “الناتو” في المنطقة.
“حصان طروادة” الذي من خلاله تسللت قوات الحلف الأطلسي الأمريكية والفرنسية خاصة إلى الأراضي السورية كانت الميليشيا الكردية المسماة pyd، والتي تقود ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” أو “قسد”. ومنذ وطئت القوات الأمريكية الشمال السوري باشرت بنهب ثروات السوريين الطبيعية من نفط وقمح وقطن ناهيك عن سرقة الآثار وحرق المحاصيل الزراعية التي تحت سيطرة الدولة السورية مستكملة ما قامت به القوات التركية وأدواتها المحلية من تفكيك المصانع في حلب ونقلها إلى تركيا.
إذا كان أعضاءُ الحلف الأطلسي أتراكاً وغربيين، أمريكيين وأوربيين، مُتفقين على تدمير الدولة الوطنية السورية وتمزيق الشعب السوري ونهب ثرواته، وعلى مدى الثلاث عشرة سنة الأخيرة لم يفعلوا غير ذلك، فإنّ واشنطن التي أدرجت حزب العمال الكردستاني pkk ضمن لائحة المنظمات الإرهابية كرمى لعينيّ أنقرة، فإنّ واشنطن نفسها تتحرك على الأراضي السورية في ظلّ رايات الpyd الذي يُعَدّ امتداداً كرديا سوريا للـ pkk الكردي التركي.
فكيف يكون التنظيم نفسه إرهابيا داخل أراضي تركيا العضو في الحلف الأطلسي، و ديمقراطيا داخل الأراضي السورية التي تحتلها القوات الأطلسية الأمريكية؟
التكيّف الحربائي
على الأراضي السورية تضاربت مصالح الدولتين العضوين في الحلف الأطلسي (الولايات المتحدة وتركيا) وأنقرة لن تسمح بأن تُقيم واشنطن وتل أبيب على حدودها مع الدولة السورية كياناً كردياً منفصلاً عن دمشق وإنْ تطلّب ذلك استقواء بإعادة العلاقات مع دمشق المدعومة من موسكو وبكين وطهران، وربّما إسراع أردوغان إلى الصلاة في المسجد الأموي ولكن بدعوة “كريمة” من الرئيس بشار الأسد و برفقته.
خاصة وأنّ أردوغان بارع في قراءة المتغيّرات الإقليمية والدولية والتكيّف الحربائي معها. لذلك واستباقاً لهكذا سيناريو تعود واشنطن مجددا إلى الضغط باتجاه التخلص من حكم الرئيس بشار الأسد الوطني في دمشق الذي على الرغم من إضعافه بما شنته وتشنه عليه من حروب إرهابية وتكفيرية وعقوبات اقتصادية تجويعية، لقتل شعبه لايزال صخرة عثرة أمام تنفيذ مخططاتها التدميرية في سورية والمنطقة والعالم.
النفاق والازدواجية
إنّ واشنطن التي تنعم القيادة السياسية لحركة “حماس” بالأمن والأمان بالخليج العربي بينما تضع كل إمكاناتها المالية والعسكرية واللوجستية لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة تحت شعار اجتثاث حركة حماس من القطاع وتدمير وجودها العسكري فيه، واشنطن نفسها تدعم أنقرة في حربها الشرسة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تركيا وفي ذات الوقت تحمي نظرائهم على الأراضي السورية. فالنفاق والازدواجية هو ديدن السياسة الخارجية الأمريكية، وكما تخلى الأمريكان عن حلفائهم في أفغانستان وتركوهم تحت “رحمة؟ طالبان” سيتخلون عن “قسد” ويتركونها لمصير تحدده تداعيات “لقاء الضرورة” المرتقب بين أردوغان والرئيس الأسد. وهذه حقيقة يعرفها خونة الرفيق السجين عبد الله أوجلان في الـ pyd ويتجاهلونها، وسيفُوت الأوان على تداركها مستقبلا.
مزيد من العقوبات
إذن واشنطن الآن تريد استباق المعطيات الراهنة إقليميا ودوليا وتنفذ سيناريو المزيد من الضغط لإحداث تغيير في دمشق لصالح سياساتها ومصالحها، يتضمن في الأساس فرض المزيد من العقوبات التي تمكنها من مصادرة الأموال والممتلكات السورية في الخارج، خاصة تلك التي تعود إلى رجال أعمال “يُشْتَبَه” بأنهم يمدون يد العون إلى دولتهم وشعبهم الذي يئنّ تحت تداعيات ما أقدمت عليه حرب الإبادة الإرهابية التكفيرية من جرائم ضد الإنسانية و تدمير البنى التحتية الصناعية والزراعية وخفْض عدد السكان في الدولة السورية بقتلهم إما بالأسلحة العسكرية الأمريكية أو بالتجويع والأمراض الفتاكة وتجريدهم من شروط الحصول على الغذاء والعلاج والتداوي وإما بتهجيرهم بدواعٍ أمنية أو اقتصادية عززتها عقوبات “قيصر” وغيره من السياسات الأمريكية الشريرة.
الدولة الأكثر رعبا
ولأنّ الولايات المتحدة الأمريكية “ليست الأقوى فحسب، بل هي الدولة الأكثر رعبا” حسب الرفيق الروسي “ليون تروتسكي” فإنها “لا تذهب إلى الحرب إلّا وكلّ كلابها معها” كما قال الرفيق الصيني “ماو تسي تونغ”، ولذا فهي تنتهز فرصة دعم الرئيس بشار الأسد لإعادة الممتلكات العقارية التي يمتلكها رجال أعمال سوريون إلى الدولة الرومانية والتي يريد الحلف الأطلسي ضمها إلى معسكراته هناك بذريعة أن مالكيها مُوالون للدولة السورية والرئيس الأسد، تنتهز واشنطن ذلك كي تحشد دول الحلف الأطلسي الملطخة أيديها بالدم السوري خلفها بغية تنفيذ سيناريو عدواني جديد على الدولة السورية وشعبها المُضام…
وفي هذا السياق استأنفت الحكومات الغربية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا خاصة تسويق ما يُسمّى بالمعارضة السورية في الفضاء الألكتروني، وعادت هذه “المعارضة” المأجورة لدوائر المخابرات الأطلسية خاصة إلى خطابها الرخيص المتهافت الذي لا يعدو أن يكون نُباحاً نَمَطياً مُقزّزاً على النظام في سورية عبر وسائط الاتصال الاجتماعية، وفي هذا السياق يمكن مثلا إدراج ما تشهده بلادنا بَدْءاً من التحرّكات المشبوهة في جنوبها وصولاً إلى تحرُّش البعض بالممثل السوري القدير بسّام كوسا و”مساءلته” عن حضور لقاء الفنانين السوريين برئيس دولتهم الدكتور بشار الأسد!.
قهر الشعوب
لم يَعُد خافياً أنّ ما يُسمّى “الربيع العربي” و”ثوراته” المزعومة، خططت لها الدوائر الأمريكية وتمّ تنفيذها في سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في الدول العربية المُستَهدَفة، بل إنّ سفيري واشنطن وباريس تصدرا علناً بعض المظاهرات “الربيعيّة” في مدينة حماة السورية، وبعض رموز “تنسيقياتها” كان ينشط من داخل السفارة الأمريكية بدمشق كما تفاخَرَ في حديث أدلى به لصحيفة “النهار” اللبنانية (لأنّ الكهرباء والماء متوفّران في تلك السفارة على مدار الساعة!؟). كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقف مباشرة وراء معاناة الشعب السوري من جراء الأضرار التي ألحقها الجيش الأمريكي وحلفاؤه في “الناتو” بالزراعة والصناعة السوريتين، وهو الذي لا يزال يسرق النفط السوري ويهرّبه إلى إقليم كردستان شمالي العراق، ومن هناك يذهب إلى الكيان الصهيوني. وواشنطن بقانون “قيصر” وما سبقه وتلاه من عقوبات اقتصادية هي التي أفضت إلى الوضع الاقتصادي الصعب وما ينجرّ عنه من تجويع وقهر المواطن السوري، (وتاريخ الولايات المتحدة وحشيٌّ حافلٌ بقهر الشعوب وبالجرائم ضد الإنسانية منذ تأسست على جماجم سكانها الأصليين “الهنود الحمر” مروراً بحروبها الاستدماريّة في الفيتنام وأفغانستان ولبنان والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا وغيرها عبْر العالم وصولاً إلى سورية وغزّة).
إبادة ممنهجة
إنّ هذا التدمير الممنهج للدولة السورية ومؤسساتها وبناها التحتية الاقتصادية الزراعية والصناعية والمالية والصحية والتعليمية والثقافية والسكنية، وهذه الإبادة الممنهجة أيضا للإنسان السوري وقتله بالمزيد من إثارة الفتن والتجويع والمرض والتضليل والتجهيل، للحؤول دون عودة سورية إلى بلد قابل للعيش، يقتضي من الوطنيين السوريين أينما وُجِدوا مقاومة الوجود العسكري الاستدماري لحلف الشمال الأطلسي بقيادة الجيش الأمريكي على الأراضي السورية بأشكال المقاومة كافة، ومطالبة هذا الحلف الشرير عبر المحاكم الدولية المعنية بالتعويض ليس فقط عن الأضرار التي ألحقها برجال الأعمال السوريين في ألمانيا بل وأن تشمل المطالبة بالتعويض عن كل الأضرار المادية والمعنوية التي ألحقتها واشنطن وحلفها الأطلسي وكيانها الصهيوني ببلادنا وشعبنا منذ 20 مارس 2011 إلى هذه اللحظة، على الأقلّ.