صالون الصريح

محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: الأخوان علي وحمودة بن عياد

sallami
كتب: محمد الحبيب السلامي

كنت في الخمسينات أراهما جنبا لجنب في مقهى ‘لريجنس’ بصفاقس وقد لبس كل منهما جبة سكروتة أصلية…عليهما ما يدل على الغنى والأناقة، والذوق الرفيع…لما فكرت في الحديث عنهما كـ علمين مدّني الأستاذ الجامعي قريبهما فتحي التريكي بما يعطيني صورة عنهما تشرّفهما وتشرّف صفاقس…

كبير الأخوين علي، ولد بصفاقس سنة 1903 أخذ حظا من العلم في الكتاب ومن الفرع الزيتوني بصفاقس ثم انقطع، تزوج بنت الشيخ احميد التريكي فأنجب منها رتيبة وعبد السلام، وعبد السلام أحب العلم، وارتوى منه في صفاقس وتونس وفرنسا…
فاز بالشهادات العليا التي أهلته ليكون عنصرا فاعلا في الدولة التونسية الفتيّة، ويتولى مسؤوليات عليا في الداخل والخارج…

قصة شركة ‘باطام’

وجاء دور الأخ حمودة لنقول عنه، ولد سنة 1908 وإنه دخل المدرسة الابتدائية ليفوز بالشهادة الابتدائية وينجو بها من التجنيد حسب قانون الحماية الفرنسية، وبهذه الشهادة أتقن اللغة الفرنسية وقضى بها حاجته، ليتزوج، بروح الأخوة خطب وتزوج زينب أخت زوجة أخيه، وشاء القدر فكانت عقيما، ولأن حمودة كان يحبها ولا يفكر في طلاقها فقد طلبت منه أن يتزوج زوجة ثانية…
تزوج سنية بن عياد، فكانت في البيت ضرةً، وأنجبت أربعة أبناء، وهم أكرم، وماهر، والطيب وهشام، طووا كل مراحل التعليم وفازوا بشهادات عليا وظفوها في الحياة الاقتصادية فكوّنوا شركة سموها (باطام) وله بنتان، نهى وروضةً والشركة نجحت ومدت فروعها وفازت بالشهرة، وخدمت البلاد اقتصاديا واجتماعيا، لكن أصهار بن علي وأذنابه اتفقوا على محاربتها فقضوا عليها، وبقيت صفحة في التاريخ…
عائلة الأخوين كان يجمعهم مسكن واحد، هو مسكن المحبة والألفة، والصغير يقدر الكبير، والكبير يعطف على الصغير…والضرة زينب في البيت وبين أفراد العائلة تعيش محبوبة من ضرتها وسلفتها فكانت الحياة في هذا البيت مثالية، وتوفيت منذ سنوات..

دخلا الفلاحة

للأخوين، علي وحمودة بن عياد حياة اقتصادية فيها الدروس والعبرة هما من أبناء صفاقس، وصفاقس اشتهر فيها الآباء والأجداد بإحياء الأرض، وغراسة الزيتون…
بلغ الأخوان الخبر الذي يقول، في جهة سيدي بوزيد أراض تبحث عن أيد تحييها، وفي باطن الأرض الماء مخزون…
اتفق الأخوان، وسافرا، ووجدا هناك الأرض، ووجدا المالك فاتفقا معه على شركة مغارسة، والعقد كتب باللسان والثقة دون ورق أو شهادة عدلين، شمر الأخوان الذراعين على إحياء الأرض، غرست زيتونا وأشجارا مثمرة، وزرعت بالحبوب..
وأعطت الأرض والأشجار خيراتها، والخيرات وزعوا بعضها في طرق الخير لينتفع بها سكان المنطقة، بنى الأخوان جامعا، ومدرسة، ومواجل للسبيل، وحانوت جهزوه بمواد التموين ليقضي السكان حاجتهم من قريب…
هذه الشركة عاشت ودامت وعُرف موقعها باسم (حفوز) وبها امتدت وكبرت وأهلها كانوا مناضلين، بعد الفلاحة عاد الأخوان بن عياد إلى صفاقس، وفيها تاجرا في تصدير الحلفاء لـ أوروبا، ومصانعها تحتاج للحلفاء منها يصنعون أقمشة وورقا، ومن الحلفاء دخلا سوق الزيت…أسسا معصرة زيتون،وصدرا الزيت…
وفي كل سوق دخلاه معا بروح الأخوة والتعاون والتشاور حققا مكاسب وأرباحا، في الدنيا، وليحققا مكاسب للآخرة كانت أيديهما لا ترد سائلا ولا تتخلى عن محتاج قريب أوبعيد…

ودعا الدنيا

عاشا يستنيران بقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده )…ولما أدركتهما الشيخوخة سبقت الوفاةً لـ حمودة فتوفي سنة 1978، فودعته عائلته وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر، وفي سنة 1994، لحق به أخوه علي، فودعته عائلته وأحبابه وصفاقس بالرحمة وحسن الذكر، فبماذا يذكرهما الأصدقاء لـ نعرفهما ونفهمهما أكثر…وأنا أحب أن أفهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى