صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي: أي دور لدول العبور؟

slama
كتب: نوفل سلامة

أعلم أن الحديث في موضوع المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى بلادنا من بلدان جنوب الصحراء بأعداد كبيرة وبطريقة حولها الكثير من الأسئلة الحائرة هو حديث حسّاس والخوض فيه في هذه الظرفية التي تمر بها البلاد عملية محفوفة بكثير من المنزلقات والتأويل وسوء الفهم…

مسألة متداخلة

خاصة وأن المسألة يتداخل فيها الجانب القانوني الحقوقي بالمعطى المحلي المجتمعي ويتجاذبها صراع معلن بين الحفاظ على الهوية والمصلحة العامة للناس وبين ضرورة الانفتاح على الآخر والإقرار بحق الأفراد في التنقل والعيش بسلام في أي مكان يريده الإنسان، من دون التغافل عن الضغط المسلط على الدولة والسلطة الحاكمة من قبل قوى الخارج التي تفرض عليها قناعاتها وخياراتها، وضغط آخر مسلط من طرف المجتمع و أفراده الخائفين على حياتهم وعلى هويتهم و نمط عيشهم وعلى تركيبتها الديمغرافية المتوارثة.

كشف المخفي

إن اهتمام التونسيين بملف المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء وموقف جانب من الشارع التونسي بظاهرة التدفقات الكبيرة الوافدة إلينا من بلدان إفريقية، والأحداث المتسارعة التي رافقت هذا الملف في علاقة بالتطورات الخطيرة التي حصلت في الأماكن التي وجهوا إليها وما حصل من تصادم مع الأهالي الخائفين على ممتلكاتهم وأرزاقهم يكشف عما كان مخفيا في هذه القضية..

عدم قبول الآخر..

ويكشف كذلك عند بعض المراقبين لظاهرة الهجرة غير الشرعية حقيقة الفرد التونسي في علاقته بالقيم الإنسانية وخاصة ضعف تأصيل المبادئ والقيم الديمقراطية لديه وضعف استبطان ثقافة الاعتراف بالآخر وعدم القبول بفكرة الحريات الفردية كلما تعلق الأمر بأمنه وحياته وخصوصياته.
ما تمت ملاحظته بخصوص هذا الموضوع أن جانبا كبيرا من الشعب التونسي موقفه متماه مع الموقف الرسمي، ومع خطاب نظرية المؤامرة التي تتغذى من مشاعر الخوف من المهاجرين الوافدين إلينا بأعداد كبيرة ومن فكرة التوطين وتحول المهاجرين العابرين نحو الضفة الأخرى من المتوسط إلى أقليّه مستوطنة جاءت الى بلادنا لتبقى بعد أن اتخذت من بلادنا منطقة بقاء دائم.
هذا الوعي الجمعي المشترك الذي بدأ يتشكل اليوم عند جانب كبير من الشعب التونسي القائم على التنبيه من خطر تكاثر المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلينا من بلدان افريقيا جنوب الصحراء وخطرهم على طبيعة التركيبة السكانية للبلاد، وهذا الخطر المهدد للنموذج المجتمعي الذي اكتسبناه وتكوّن عبر تاريخ طويل توارثته أجيال كثيرة من التونسيين ونوعية نمط عيشهم، وخطر أن تتحول تونس إلى بلاد غير متجانسة فاقدة لوحدتها التي عُرفت بها كبلد موحد دينيا ولغويا وعرقيا بعد أن تتكوّن أقلية عرقية واثنية لها عاداتها وتقاليدها وديانتها ولغتها ونمط عيشها ونوعية سلوكها وطباعها التي هي في الغالب مختلفة عن هويتنا وخصوصيتنا..

هذا الوعي الذي تشكل تلقائيا وبفعل الضرورة وهذا المزاج العام المتصالح مع خطاب القيادة السياسية، والذي قد يتحّول إلى حالة عامة تفرض نفسها على المجتمع لا يجب أن يفهم على أنه نوع من التفكير المغذي للكراهية أو العنصرية ولا هو دعوة للعنف أو التطبيع مع أفعال غير قانونية أو عنصرية ضد المهاجرين، ولا هو موقف معاد من الفارين من إكراهات بلدانهم والهاربين من واقع الفقر والحرمان والبطالة بناء على لون البشرة..

مشروع أوروبي إيطالي

وإنما التمثل الذي حصل عند جانب كبير من الشعب لموضوع المهاجرين وراءه مقاومة لمشروع أوروبي إيطالي يسعى إلى اقناع الدولة التونسية بتحمل جانب من مسؤولية الهجرة غير النظامية وحملها على تقاسم أعباءها وجعل بلادنا حارسا للحدود الأوروبية، وبلدا يستقر فيه المهاجرون الأفارقة لفترة غير محددة حتى تتضح وضعياتهم وتحويل الحدود التونسية إلى خط متقدم للحدود الإيطالية ومحطة لتجميع وفرز هؤلاء الوافدين في مراكز تنشؤ لغرض معالجة ملفاتهم بعد أن يتم إنقاذهم في عرض البحر، حيث صادق البرلمان الأوروبي في دورته الأخيرة على حزمة من القوانين والتشريعات تخص الهجرة غير الشرعية من أهمها إنشاء مراكز تجميع في بعض البلدان التي لها حدود بحرية مع أوروبا مثل تونس وموريتانيا ومصر تتولى مهمة درس طلبات هؤلاء المهاجرين الأفارقة الراغبين في العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط واتخاذ قرار ترحيل المرفوضين منهم من دخول أوروبا وإعادتهم من حيث جاؤوا والسماح للبقية إما بالعبور نحو أوروبا أو بالبقاء في بلد العبور…

بلد تجميع؟

والفرز بما يعني أن أوروبا تريد من تونس أن تتحول إلى بلد لتجميع الأفارقة القادمين من بلدانهم والعابرين نحو أوروبا عبر ترابنا في مراكز تجميع وفرز، وأن نقبل ببقاء جزء منهم غير مرغوب فيه في أوروبا فوق ترابنا أو بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
ميثاق الهجرة واللجوء الذي صادق عليه الاتحاد الأوروبي مؤخرا وإن جاء في سياق الخوف من صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا بعد توقعات بفوزهم في الانتخابات الأوروبية القادمة والخوف بعد فوزهم أن تنسف كل هذه التشريعات الأوروبية وكل هذه الإصلاحات التي تخص الهجرة غير النظامية، إلا أن المشكل الذي تثيره مثل هذه الإجراءات في كونها تحمّل بلدان العبور ومنها تونس طاقة فوق طاقتها و عبئا كبيرا ومسؤولية وضع لا تتحمل وزره ولا أسبابه وتفرض عليها إجراءات هي خطر على شعبها وسلامته وفيها تهديد للاستقرار وأمن البلاد…

الخطير في الملف

والأخطر من ذلك أن تتكوّن عندنا أقلية تمثل هؤلاء المهاجرين لهم هويتهم الخاصة بهم ولهم نمط عيشهم وثقافتهم التي توحدهم أقلية لا يقبل بالاندماج داخل النسيج المجتمعي التونسي ويتحولون الى مجتمع صغير داخل المجتمع الكبير ومع الوقت سوف يطالبون بالاعتراف بهم كأقلية لها حقوقها في بناء أحياء يسكنونها ومدارس لتدريس ثقافتهم وهويتهم، وأن تكون لهم دور عبادة خاصة بهم لممارسة شعائرهم الدينية…
وهكذا مع الوقت تتحول تونس من بلد متماسك ومتجانس دينيا وعرقيا ولغويا إلى بلد تقطنه العرقيات والإثنيات، وهذه هي استراتيجية القوى النافذة المتحكمة في العالم والتي تعمل على السيطرة وتوجيه الشعوب من خلال إضعاف حصانتها وافقادها لمناعتها وما تبقى من مقومات قوتها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى