نوفل سلامة يكتب: من طوفان الأقصى إلى طوفان الوعي

كتب: نوفل سلامة
الطريقة التي حصلت بها عملية الإفراج عن الرهائن الثلاث لدى ‘كتائب القسام’ في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه لإنهاء الحرب والشروع في إجراءات تبادل الأسرى لدى الجانبين، وظهور عناصر القسام بتلك الصورة المشهدية يدل دلالة واضحة على أن حماس قد كسبت معركة الصورة..
معركة الصورة
بل وأعدت حماس نفسها جيّدا للمعركة الإعلامية وظهرت أمام شاشات العالم أنها قد قرأت لكل شيء ألف حساب ومن المسائل المهمة في المعارك الحربية معركة الصورة التي أظهرتها قوية متحكمة في المشهد وقادرة على الفعل والتأثير.
معركة الصورة قد أكدت أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد فشلت في عزل سكان غزة عن قيادته العسكرية ولم تنجح في عزل كتائب القسام وفصائل المقاومة عن الحاضنة الشعبية التي تحملت بمفردها ويلات الحرب وما حصل من دمار…
تلاحم تاريخي
الصورة أظهرت تلاحما تاريخيا بين الشعب ومقاومته ونجاحا في المعركة الإعلامية التي خاضتها حماس وانتصرت فيها أثناء تسليم الرهينات بطريقة فيها الكثير من الحرفية والثقة في النفس والتحكم في الميدان حينما ظهر عناصرها بتلك الصورة المشهدية المهيبة اللافتة التي ابهرت العالم وحيرت قادة الاحتلال، الصورة أظهرت أن قوة المقاومة في حاضنتها الشعبية وقوة هذه الحاضنة في سلاح مقاومتها…
لقد فشلت إسرائيل في كسر هذا الالتفاف الأسطوري حول المقاومة، وكشفت أن المجتمع الفلسطيني يراهن على سلاح مقاومته من أجل تحرير الأرض والعرض والمقدسات.
انهيار اسرائيلي
إسرائيل انهارت على المستوى الأخلاقي العالمي فما حصل في هذه الحرب قد أكد أن دولة الاحتلال قد خسرت صورتها التي اعتادت أن تظهر بها أمام العالم على أنها الدولة التي تم تاريخيا إبادة شعبها وتعرضه إلى مجازر وجرائم لا إنسانية أثناء حكم النازية وتم تقزيم فكرة معاداة السامية والتقليل من حدة من ينتقد إسرائيل، فعملية طوفان الأقصى قد صدّعت الجدار الحديدي الذي بناه اليهود لمنع الاقتراب منه وذلك انهارت سردية الشعب المدلل والدولة التي يهابها الجميع ويجري الكل في خدمتها.
عادة الانتصار في الحروب يتم بتغيير السلطة ويحصل بعزل القيادة المنهزمة وانهاء السيادة القديمة على الميدان لكن ما حصل مع حرب غزة أن لا شيء من كل هذا قد حصل حيث ظهر عناصر المقاومة بأعداد كبيرة منتشرين في كل مكان وسط الجموع التي تنادي بأسمائهم وترفع شعارات المقاومة والنصر في عملية احتضان شعبي غير مألوفة.
أهمية اتفاق الهدنة
إن المتابع للإعلام العبري يقف على أن هناك اعتراف داخل الكيان الإسرائيلي بأهمية اتفاق الهدنة في إعادة الرهائن إلى أهاليهم، ولكن بالتوازي مع ذلك هناك اجماع في المجتمع الإسرائيلي بأن قيادته العسكرية بزعامة ناتنياهو قد فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى من وراء خوض حرب مع جماعات مقاومة مسلحة، وفي معركة غير متكافئة من حيث القدرات العسكرية ومن حيث الدعم الكبير والمتنوع الذي حصلت عليه إسرائيل وخاصة فشلها واخفاقها في القضاء على حماس وتدمير جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام كما وعدت.
471 يوم من القصف
اليوم هناك نقاش كبير داخل إسرائيل حول اتفاق الهدنة وحول الكيفية والطريقة التي ظهرت بها كتائب عز الدين القسام وهم يسلمون الأسيرات والصورة التي ظهروا بها والتي اثبتت ان الهدف الرئيسي الذي وضعه ناتنياهو من وراء العدوان لم يتحقق و لا يمكن تحقيقه بالوسائل العسكرية وأن مدة 471 يوم من القصف الصاروخي على غزة والتدمير الجنوني للمباني والمنشآت والمنازل والأحياء والاستهداف المتعمد لكل البنية التحتية لم يكف للحد من قدرات المقاومة، وفي المقابل فإن تداعيات الحرب والاتفاق الأخير على المشهد الإسرائيلي كانت مؤثرة اجتماعيا وعسكريا وثقافيا وأن عملية طوفان الأقصى رغم ما خلفته من خسائر في الأرواح والمباني إلا أنها كشفت للعالم بشاعة الاحتلال وجرائم دولة الاحتلال وعرّت أخلاق الغرب وكشفت عدم عدالة مبادئه وضعف هياكله ومنظماته وجعلت العالم يدرك أن الاحتلال واستعمار الشعوب والأوطان هو خطيئة هذا الزمان…
الطوفان متواصل
اليوم بعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب والعدوان على غزة فإن الطوفان متواصل وسوف يتواصل بأشكال أخرى حتى ينال الشعب الفلسطيني حقه في أن تكون له دولة حرة ومستقلة…
اليوم الطوفان الحربي والعسكري انتهى ومهمة الفصائل المسلحة هي الأخرى قد انتهت وأدت ما عليها لندخل مع الشعوب الحرة في طوفان آخر، فكري وثقافي وإعلامي وحقوقي ونجعل الصراع ينتقل من مجاله الحربي العسكري إلى المجالات الأخرى هي بحد ذاتها حالة من حالات الحرب وصورة من صور المعركة المصيرية مع الكيان الغاصب.
اليوم علينا أن نركز في حديثنا وكتاباتنا وتحاليلنا الفكرية على أن الخيارات العسكرية التي توختها إسرائيل لم تنجح في كسر شوكة المقاومة واضعاف نفسية الشعب ومعنوياته وثقته في مقاومته والتركيز على ما يدور في الداخل الإسرائيلي من حديث يعتبر أن اتفاق وقف الحرب و تبادل الأسرى وما حصل من هدنة بين الطرفين هو هزيمة لإسرائيل قلبت الصورة والمشهد من نصر إلى هزيمة.
اسرائيل ظنت أنها منتصرة
فإسرائيل قبل حصول الاتفاق قد اعتبرت نفسها منتصرة بعد انهاء الحرب في لبنان بتلك الطريقة التي فرضتها وعملية التخلص من الرئيس بشار الأسد وانهاء فكرة خط الممانعة والمقاومة لمشروع التطبيع والاعتقاد في اضعاف قدرات حماس العسكرية بعد أشهر من القتال غير أن اتفاق الهدنة مع حماس قد حول هذا النصر إلى هزيمة فالداخل الإسرائيلي يرى أن سلبيات الاتفاق أكثر من إيجابياته بعد أن تنازلت إسرائيل عن الكثير من خطوطها الحمراء وفشلت في تحقيق أهداف الحرب وبعد أن ظهرت تلك الصورة الرائعة في تلاحم الشعب مع مقاومته وصمود الحاضنة الشعبية للمقاومة رغم كل بشاعة ما قامت به إسرائيل ..
كلمة مفتاح
أنهى أبو عبيدة كلمته التي توجه بها إلى الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم وكل من ساند ووقف مع المقاومة بقوله : ” سلام عليكم بما صبرتم ربح أهل البيت ” في إشارة واضحة إلى أن معايير الربح والخسارة لا تحسب بأدواتنا المادية ولا تقاس برؤيتنا التقليدية للأشياء وإنما للربح والخسارة والهزيمة والنصر قوانين أخرى ومعادلات خارج مقاربات التجار والمعاملات التجارية.