صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب: منصة ‘تيك توك’ بين برمجة الإنسان الأخير وعالم التفاهة و الرداءة

slama
كتب: نوفل سلامة

اليوم تشهد منصات شبكات التواصل الاجتماعي في السياقات الحالية، وفي زمن التحولات الكبرى والعميقة التي تشهدها الإنسانية و يعيشها عالمنا انتقالا لافتا من وسيلة قرب وأداة تعارف وتواصل وتبادل المعلومات وتكوين الصداقات إلى أن يصبح لها وظائف سياسية واقتصادية وثقافية وايديولوجية وأدوارا خطيرة في تشكيل المجتمعات وبرمجة ذهنية الأفراد..

منصة ‘تيك توك’ الصينية

ومن بين هذه المنصات التي أحدثت جدلا كبيرا وصخبا ولغطا وفتحت نقاشا واسعا حول طبيعتها ووظيفتها وأغراضها منصة ‘تيك توك’ الصينية التي تم إطلاقها منذ سنة 2016، وهي فضاء افتراضي يسمح بتقاسم الصور والفيديوهات القصيرة ويسمح بتقديم محتويات ومواضيع تعود على صاحبها ومستخدمها بعائدات مالية وتوفر الأموال بسهولة وسرعة أكثر من كل التطبيقات الأخرى، تصل في الكثير من الأحيان إلى مبالغ كبيرة ما يطرح السؤال حول مصدر هذه الأموال ودواعي دفعها…

مسألة الأموال المتدفقة؟!

وهو موضوع بات اليوم مقلقا في علاقة بمسألة تبييض الأموال وممارسة الدعارة والمتاجرة بالحياة الخاصة للأفراد خاصة إذا علمنا أن من يدفع هذه الأموال لا يتحصل على أي خدمة من وراء مشاهدة محتوى من هذه المحتويات التي تقدم على هذه المنصة، وفي المقابل فإن الذي يتحصل على هذه الأموال لا يؤدي أي عمل بالمعنى المتداول للعمل ذلك أن المتعارف عليه أنه لا يمكن الحصول على أموال من دون القيام بأي نشاط سواء كان ذهنيا أو يدويا.
كان هذا جانبا من الأسئلة التي طرحها برنامج ‘وحش الشاشة’ في حصة يوم الأحد 26 جانفي المنقضي الذي استضاف شابين تونسيين من أشهر المتعاملين مع منصة تيك توك من الذين حصدوا أموالا من وراء استعمال وتوظيف هذه التقنية الحديثة والطبيب المعروف المتخصص في توليد النساء الذي ولج هو الآخر هذا العالم المذهل، ولكن من بوابة الترفيه ومجاراة الوافد الجديد واستغلال هذه المنصة لتقديم بعض المعلومات التي يراها مفيدة بطريقة مختصرة وبرقية…

هذه الحصة التي كانت مثيرة من حيث وقع الصدمة التي وقف عليها كل من واكبها في علاقة بكم المعلومات الخطيرة المرتبطة بما يحصل في هذا الفضاء الافتراضي الذي فرض نفسه بقوة على أبنائنا واقتحم حياتنا دون استئذان وشكل وعيا وهندس نمط وحياة عيشنا وغيّر الكثير من السلوك والتفكير والنظرة للحياة و الكثير من الاهتمامات، ورؤيتنا للوجود والحاضر والمستقبل..
ونظرتنا للعمل ومعنى النجاح وطريقة كسب المال وخاصة علاقتنا بالمدرسة والعائلة وكل ما هو حضارة وتاريخ وثقافة وروابط وعلائق اجتماعية وقدوات وقيم ومبادئ…

ما يمكن الخروج به بعد مشاهدة هذه الحلقة من وحش الشاشة أن مقدم الحصة سمير الوافي قد نجح في إفادة المتفرج حول ملف حوله الكثير من الأسئلة الخطيرة..

خطر كبير

ما يمكن الخروج به من مضمون حصة تيك توك أن هذه المنصة هي من أخطر ما أنتجته تقنيات التكنولوجية الحديثة ومن أخطر وسائل التواصل الاجتماعي، وخطورتها تكمن فيما تحققه لمستعمليها من عائدات مالية من وراء المحتوى الذي يتم تقديمه لا يعلم مصدرها وفيما ينجر عنها من روابط وعلائق مشبوهة وابتزاز جنسي يصل إلى حد ترويج الدعارة وممارستها…

المهم في هذا الموضوع أن هناك اجماع حول اعتبار منصة تيك توك من أخطر المنصات على شبكة التواصل الاجتماعي من حيث تكريسها للتفاهة، وكل ما ليس له معنى وقيمة وقدرتها على السيطرة على عقول وذهنيات مستعمليها الذين اتضح أن أغلبهم من الأطفال والمراهقين وقدرتها الأخرى على التحكم في البشر وبرمجة العقل الإنساني وإخضاع الأفراد إلى عوامل خارجية مهيمنة وقدرتها على ترذيل الأفكار المتعلقة بالتعليم والدراسة والعمل والمقابل المادي والجهد الإنساني..

جهل..تفاهة وسطحية

حيث حوّلت منصات التواصل الاجتماعي وخاصة تقنية تيك توك نظرة الفرد للعمل وصنعت جيلا جديدا من الشباب كل اهتمامه تحقيق الربح المادي السريع من دون ثقافة ولا معرفة علمية ولا تعليم ولا دراسة ولا جهد مبذول، جيل من الشباب تطغى عليه النظرة المادية للحياة واعتماد الطرق والوسائل السريعة لكسب المال وتحسين الحال وتحقيق وضعية اجتماعية مريحة وصناعة طريقة غير نمطية في تحقيق الأرباح.. جيل جديد أطلق عليه مفهوم الإنسان الأخير الذي استعمله الفيلسوف نيتشه في سياق آخر ويستعمل اليوم للدلالة على ما وصل إليه الإنسان الحاضر من تفاهة وسطحية وفقدان لكل المعاني الروحية والقيمية وجعل خلاصه ومعنى حياته في اتباع الرداءة والتفاهة.

غباء منهجي

أحد الانتقادات المهمة الموجهة إلى منصة تيك توك هي أنه يقدم محتوى تافها يساهم في تسطيح العقول وينتج ما يسمى بالغباء المنهجي الذي بات يهيمن على المجتمعات والثقافة التي تحتضن اللاشئ وكل شيء الفاقدة لمعنى كل ما هو رمزي وروحي وفاقدة لمهارات التفكير النقدي وتعزز ثقافة الإلهاء التي تجعل الفرد يستمتع بالمعلومة السريعة والمحتوى المثير والبسيط والتافه وينتهي في الأخير إلى صناعة حالة من عدم الوعي بضرورة التفكير، والنقد والتدبر والتفكر.
فـ التيك توك في آخر المطاف هو طريقة لخلق أنماط حياة، البشر فيها متشابهين يغيب عنهم التميز والتفرد ويحضر فيها التماثل والتطابق وحصر كل اهتمامات الإنسان في المادة ولا شيء غير المادة.
لقد نجح سمير الوافي هذه المرة وجلب إليه الاحترام بعد أن قدم محتوى مفيدا يُرضي الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى