صالون الصريح

نوفل سلامة يكتب/ مسلسل معاوية: معارضة الحاكم في الإسلام بدأت جذورها الأولى مع ‘الأشطر’

slama
كتب: نوفل سلامة

منذ فترة إدارة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الشأن السياسي والحربي للمسلمين بعد انتقاله إلى المدينة، وتكوين النواة الأولى للدولة وبداية الممارسة السياسية الجنينية وحتى خلافة عمر بن الخطاب ومرورا بخلافة أبي بكر الصديق كان الوضع السياسي مستقرا من حيث الانسجام ووحدة الصف وعدم الخروج على رأي الحاكم بالرغم من وجود مساحة كبيرة من حرية الرأي والتعبير…

صُلح الحديبية مثالا

ووضعيات حصل فيها اختلاف في تقدير الموقف والأمثلة على ذلك كثيرة لعل أبرزها ما حصل في صُلح الحديبية، حينما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند شرط قريش وقبل أن تُكتب المعاهدة معها من دون ذكر صفته كنبي، واكتفى بذكر لقبه العائلي محمد بن عبد الله لا غير وقَبِل تأجيل دخول مكة إلى مرحلة أخرى في الوقت الذي رأى فيه كبار الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب أنهم أقوياء و بإمكانهم دخول مكة عنوة…

المنعرج مع عثمان

فكل الاختلاف في وجهات النظر الذي كان يحصل كان في النهاية يحسم بتدخل النبي وحمل المسلمين على رأي وخيار يقدره، وكان الجميع ينصاع إلى القرار النهائي ويقبل به من دون شحناء ولا شق عصا الطاعة، وبقي الأمر على هذا الحال شورى حتى خلافة الفاروق عمر…

ولم يحصل التحول والمنعرج الذي غيّر معادلة الحكم، وبدأت معه تظهر بوادر كسر هذه القاعدة في زمن عثمان بن عفان لما تولى الخلافة خلفا لعمر بن الخطاب، وهي المرحلة التي سوف تعرف تغيّرا جذريا في علاقة الحاكم بالمحكوم وبداية خروج جانب من الرعية على خليفتها وخروجها عن البيعة التي توجب السمع والطاعة، وتكوين ما يسمى في الأدبيات السياسية المعاصرة بالمعارضة السياسية للحاكم التي تجاوزت مرحلة إبداء الرأي والتعبير عن الموقف فقط إلى الخروج عنه وحتى حمل السلاح عليه وتكوين جماعة معارضة لتوجهاته السياسية…

شخصية الأشطر

مسلسل معاوية بن أبي سفيان الذي تبث حلقاته في عدد من القنوات العربية في رمضان هذه السنة أظهر في حلقاته هذه القضية وهذا التحول الحاصل في سلوك المسلمين تجاه خليفتهم، وكان ظهور مالك بن الحارث النخعي الملقب بـ ‘الأشطر’ مهما ومحوريا في إبراز هذه المسألة…

وهذا التحول ويمكن أن نقول أن الجذور الأولى للمعارضة في التاريخ الإسلامي والنواة الأولى لمعارضة حكم عثمان بن عفان وانتقاده علنا وتأليب الناس عليه ومطالبته بالتنحي وخلع بيعته، بدأت مع الأشطر حينما كوّن رأيا عاما بالكوفة في العراق معاديا لسياسة عثمان وأسّس مجموعة من الفرسان المقاتلين، وبدأ يتحرك لدعوة المسلمين للخروج على حاكمهم لشبهات فساد في الحكم من وراء تعيينه لأقربائه في مناصب في الدولة وسوء إدارته للمال العام..

يتزعم الثورة والمعارضة

هذه المعارضة الوليدة لم تبدأ حسب رأينا كما تصور ذلك كتب التاريخ بمصر لما اندلعت الثورة هناك وقرّر الثوار وكان فيهم محمد بن أبي بكر الصديق التحول إلى المدينة لخلع الخليفة، وإنما بدأت قبل ذلك مع الأشطر الذي نجده فيما بعد يتزعم الثورة والمعارضة، وكان له دور واضح في مقتل عثمان بن عفان حتى وإن لم يتورط في قتله الفعلي غير أنه كان محرضا ومخططا وموافقا على ما حصل وهو بذلك يتحمل كما نقول اليوم في الأدبيات السياسية المسؤولية السياسية لما حصل من فتنة عصفت بكل ما بناه الرسول الأكرم والصحابة من بعده وبالصورة المثالية للمسلمين.
كان الأشطر كما نقل عنه كتاب سير الأعلام شخصية محافظة متعصبة للإسلام بشكل مفرط متحمس للإسلام، ومدافع عنه بطريقة جلبت له الانتباه وكان مقاتلا شرسا برز اسمه أيام الفتنة حينما خرج عن طاعة الخليفة عثمان بن عفان وانتقد سياساته وكسر القاعدة التي كان يسير عليها الحكم بداية من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى خلافة عمر وهي السمع و الطاعة للخليفة مهما اختلفنا معه، وعدم الخروج على الخليفة على أخطائه…

الخروج عن الخليفة

واعتبر أن البيعة لا تعني أن نعطي للحاكم مهما كان وزنه ومهما كانت مكانته صكا على بياض كما نقول اليوم يفعل ما يشاء ويتصرف كما يريد وكان يعتقد أن الخليفة متى اخطأ ولم يقبل الرجوع عن أخطائه يمكن الخروج عليه وخلعه ولا ننتظر أن يجتمع أهل الحل والعقد وأهل الشورى للنظر في سلوكه، وإنما الشعب من حقه المطالبة بإنهاء مهام الحاكم متى خرج عن المبادئ الأساسية الأولى كما تشكلت في زمن الإسلام المبكر وترسخت في زمن الخليفتين أبو بكر وعمر لذلك كان موافقا على الشعار الكبير الذي رفعه الثوار لما تجمعوا أمام بيت عثمان بن عفان ونادوا به ‘اخلع نفسك وأعيدوا لنا بيعتنا وارجعوا إلينا خلافتنا’…

المنعرج الحاسم

التحول الحاسم والمنعرج الكبير الذي حصل مع الأشطر كان انتقال المسلمين من وضعية مجرد إبداء الرأي والتعبير عن الموقف بكل حرية، ومن وضعية طرح موضوع الخلاف للنقاش ومقارعة الحجة بالحجة ثم حسم الإشكال بتدخل الحاكم أو الخليفة وإعطاء الموقف الذي سوف يذعن له الجميع ويتبعونه للحفاظ على وحدة الصف ووحدة الدولة ودرء الفرقة والشقاق المهددان بزوال الدولة وإضعاف شوكة المسلمين، إلى وضعية جديدة وهي أن وجهة النظر يجب أن تسمع بقوة ولا يجب أن نكتفي بمجرد فسح المجال لإبداء الرأي من دون الأخذ به خاصة إذا كان صاحب الرأي المخالف يعتقد صحة رأيه وواجهته..

فكر سياسي جديد

المفيد فيما ذكرناه مع موقف الأشطر من خلافة عثمان هو أنه كان يؤسس لفكر سياسي جديد وممارسة مختلفة تقوم على أحقية الشعب في معارضة حاكمه وحقه في أن يطالب بخلعه بالقوة و بالاستعمال السيف إن لزم الأمر ويشرع للمعارضة المسلحة التي عرفها عالمنا المعاصر مع الأحزاب الشيوعية والجماعات اليسارية الماركسية المسلحة التي ظهرت في أوروبا ودول أمريكا اللاتينية في مطلع القرن العشرين للإطاحة بالحكم الاستبدادي الديكتاتوري..

الأشطر شخصية محورية في المسلسل تواصل ظهورها حتى الاقتتال الذي أدى بحياة آلاف المسلمين في حرب معاوية مع علي بعد مقتل عثمان وفي حرب لم يجن منها أحد فائدة غير الجراح والآلام والأحقاد المتوارثة وكان لموقفه المعارض في رأينا تداعيات مؤثرة فيما حصل من تطور في الفكر السياسي والفقهي الإسلامي في علاقة بمفهوم الحكم العادل الذي يقبل به الناس والمعارضة السياسية وكيفية انتخاب الحاكم وتوليته وعزله والخروج عليه وفي علاقة بتشكل مفهوم المعارضة بالرأي والمعارضة بالقوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى